-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجيش السوري: لغز الانهيار السريع!

حسين لقرع
  • 4515
  • 0
الجيش السوري: لغز الانهيار السريع!

الانهيار السّريع للجيش السوري في مدينتي حلب وحماه بشمال سوريا وفي درعا والسويداء والقنيطرة بالجنوب، وفقدان السيطرة على بلدات عديدة في ريف دمشق، وخسارة مساحات واسعة في ظرف 11 يوما فقط، يعدّ لغزا محيّرا استعصى على المحلّلين فكّ طلاسمه، صحيح أنّ الهجوم كان مفاجئا وعنيفا واستعملت فيه الفصائل المسلحة مسيّرات انقضاضية متطوّرة وصواريخ حديثة فاجأته بها، لكنّ ذلك ليس مبرّرا كافيا لهذا الانهيار المريع وترك الجيش أسلحته الثقيلة غنيمة لهذه الفصائل، حتى الطائرات تركت في مطارات حلب وحماه والسويداء ولم يقم الطيارون بنقلها إلى مطارات دمشق أو مناطق أخرى لا تزال تحت سيطرة الجيش!
خلال الأيام الـ11 الماضية، ظهر الجيش السوري خائر العزيمة، ولا يقاتل بجدّية واستماتة، ويهزم بسهولة، وينسحب بسرعة في كلّ معركة، وأحيانا ينسحب بلا معارك.. وإذا استمرّ الأمر على هذا النحو، فلن يفقد حمص وبقية المدن الكبرى بالبلاد فحسب، بل سيفقد دمشق أيضا وينهار نظام بشار الأسد، وتنجح الفصائل المسلحة في إقامة نظام سياسي جديد يكون ولاؤه لتركيا والولايات المتحدة والغرب الذي ساعدها منذ عسكرة “الثورة” في أواخر 2011 إلى اليوم. ومن باب ردّ المعروف، سيقيم النظام الجديد علاقات كاملة مع الاحتلال الصهيوني ويضمّ سوريا إلى دائرة المهرولين العرب، مقابل انسحاب الكيان من مرتفعات الجولان التي يحتلّها منذ جوان 1967، على طريقة مصر التي استعادت سيناء بموجب اتفاق كامب ديفيد 1979، ولا ننسى أنّ الاحتلال أقام مستشفيات ميدانية لعناصر “هيئة تحرير الشام” وبقية الفصائل خلال السنوات الماضية لمعالجة مقاتليهم الجرحى، وقد زارهم نتنياهو مرارا، والصّور متوفّرة.
ولا شكّ أنّ أكبر الخاسرين، آنذاك، سيكون روسيا التي ستفقد آخر قواعدها في الشرق الأوسط، وإيران التي ستخسر حليفا تقليديا إستراتيجيا، و”حزب الله” الذي سينقطع عنه المدد العسكري من طهران، ولن يكون الاحتلال الصهيوني بحاجة إلى قصف الطرق والمعابر البرية بين سوريا ولبنان، لأنّه لن يكون هناك تهريب للسلاح في عهد نظام أبي محمد الجولاني وبقية الفصائل المتحالفة معه، وستكون غزة أيضا أحد أكبر الخاسرين لأنّ نظام بشار طالما زوّدها بالعديد من الأسلحة وفي مقدّمتها “الكورنيت” المضاد للدبابات والآليات، وقد أبدت “المعارضة السورية”، كما تسمّى، غضبها من “حماس” بعد أن عادت إلى دمشق وصالحت نظام الأسد بعد سنوات من القطيعة.
وما لم تتدخّل إيران و”حزب الله” بفعالية وترسلا قوّاتهما إلى سوريا، وتجنّدا أيضا آلاف المقاتلين من العراق واليمن ودول أخرى للقتال مع الجيش السوري، وما لم ترسل روسيا أيضا المزيد من الطائرات لتأمين غطاء جوي كثيف للجيش السوري، فإنّ خسارته الحرب هذه المرّة تبدو أكيدة، ومسألة وقت فحسب؛ ذلك أنّه تبيّن من خلال 11 يوما من سير المعارك، أنّ الجيش السوري منهك تماما وفقد كل رغبة في مواصلة الحرب، وأنّه لم يستفد من أربع سنوات ونصف سنة من هدنة مارس 2020 لإعادة هيكلة صفوفه، والاستعداد لاستئناف الحرب في أيّ وقت لاستعادة بقيّة الأراضي التي بقيت في أيدي الفصائل المسلحة وفي مقدّمتها محافظة إدلب وأرياف حلب. وفي المقابل، ظهر أنّ الفصائل المسلحة اغتنمت فرصة الهدنة لرفع جاهزيتها، وساعدها في ذلك دخول أوكرانيا على الخط وقيام ضبّاطها بتزويدها بمئات وربما آلاف الطائرات المسيّرة، وتدريب عناصر “هيئة تحرير الشام” وبقيّة الفصائل على استعمالها بنجاح، ما أربك كثيرا الجيش السوري وجعله يتقهقر بسرعة.
وحينما نتحدّث عن أوكرانيا، فإنّ هذا يعني الناتو الذي يضمّ 34 دولة غربية، وفي مقدّمتها الولايات المتحدة الأمريكية، كما يمكن الحديث عن استمرار الدّعم التركي الفعّال لهذه الفصائل؛ إذ ليس لدينا أدنى شكّ في أن أردوغان قد منح الضوء الأخضر لها للقيام بهذا الهجوم الكاسح انتقاما من الأسد الذي ضرب كبرياءه في الصّميم ورفض عروضه المتكرّرة لعقد لقاء مصالحة معه، وقد كشف أردوغان عن هذا الدّعم من خلال رسالته للأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، والتي قال فيها إنّ “مرحلة جديدة تجري إدارتها بهدوء في سوريا”، وهي عبارة تحمل دلالة عميقة وواضحة ولا تحتاج إلى جهد ذهني كبير لتفسيرها.
ما يجري في سوريا هذه الأيام إذن، ليس في صالح محور المقاومة على الإطلاق، ويأتي بعد أن أضعفت 14 شهرا من الحرب “حزب الله” و”حماس” معا. نأمل فقط أن يستعيد هذا المحور توازنه بسرعة ويسترجع زمام المبادرة، وإلا سقطت سوريا واستطاع الاحتلال الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية قطع خطوة عملاقة على درب إقامة ما يسمّى “الشرق الأوسط الجديد” الذي يعني تنصيب نتنياهو قائدا أوحد للمنطقة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!