-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الجيش بين الخطّة والخطوات

الشروق أونلاين
  • 314
  • 0
الجيش بين الخطّة والخطوات
ح.م

ظلّ الموقف الفعلي للمؤسسة العسكريّة من مطالب الجزائريين على مدار الأسابيع الماضية محلّ لغط سياسي، بل إنّ مُرتابين من طموحات قيادات الجيش ومُناوئين لم يتورّعوا عن رمْي سهامهم الخاطئة والحاقدة على العمود الفقري للبلاد في أوضاع جدّ خطيرة، مُغامرين بمصير الوطن لأجل مصالحهم الضيّقة.

وبمرور الوقت، كانت الأفعال تثبت مرافقة الجيش للحراك وفق “خطة استراتيجية مدروسة”، مثلما ورد في أحد خطابات قائد الأركان مطلع الشهر الفائت، بينما تتصاعد الأقوال المُغرضة بالتشكيك في صدقيّة المؤسسة، جاعلةً من تمسكّها الحكيم بالإطار الدستوري حجّة مدحوضة للتحريض على رموزها.

اليوم، وبعد كل التوقيفات القضائيّة، في المستويين المدني والعسكري، التي مسّت رؤوس الفساد المالي والمؤسساتي والأمني، من رجال الأعمال والقوى غير الدستوريّة التي عاثت في الأرض وعبثت بأمن البلاد والعباد، فضلاً عن حملة الإقالات التي طالت رجالات النظام السابق بالجملة، في دواليب الدولة الحساسة، من رئاسة الجمهورية إلى المؤسسات العامّة، هل ما يزال مقبولاً الغمز في دور الجيش الفاصل، أو الهمز في نيّات قيادته الوطنيّة تجاه التغيير المنشود؟

نعتقد أنّ ما يجري ميدانيّا حتى الآن من تحوّلات جذريّة وقرارات حاسمة يشكل منعرجًا فارقًا في تاريخ الجزائر الجديدة، سيؤسس لعهد مختلف، وهو بلا شكّ مكاسب استراتيجية للحراك، ينبغي أن تُعزّز الثقة الشعبيّة في مرافقة الجيش للانتقال نحو رحاب الحرية والكرامة، لا أنْ تكون فزّاعة خائبة لإثارة التشويش بمحاذير وهميّة، تبثّها أبواق عديدة في صورة “حقّ يُراد به باطل”.

لا خيار أمامنا في معركة المصير الأخيرة سوى الالتحام بالمؤسسة العسكريّة حتّى لو أصرّ جزائريّون على تنفيذ مطالبهم بحذافيرها، لأنّ الأهمّ في هذه المرحلة التاريخيّة، هو أنّ الجزائر تُؤمّن مستقبلها بالتناغم بين الشعب والجيش ضدّ فلول “الدولة القديمة” والعصابة وفرنسا، يُوحّد أبناؤها حلم الدولة الوطنيّة التي آمن بها شهداء الثورة التحريريّة.

هذا الكلام ليس من نبع العواطف ولا وحْي النشوة، ولا هو تسليم ساذج لقيادة الجيش للتصرّف في أمْرنا الجلل، كما يُهمْهِمُ بعض القرّاء المُضلّل بهم، بل إنّه من صميم التفكير الواقعي الذي يرفض القفز فوق حبال المجهول للارتماء في أحضان الخيال الديمقراطي، لإيماننا أنّ كل حقّ لا يستندُ على قوّة تحميه فهو باطلٌ، وأنّ الجيوش الوطنيّة هي صمّام الآمان في حماية الأوطان.

صحيح أنّ ما تحقّق ليس كلّ المطلوب، ما يقتضي استكمال المشوار الشاقّ بوعي وعقلانيّة، تبني على المُنجزات بدل الطعن في كافّة الخطوات، وتتحرّك بتدبير مُحكم لا يغفلُ عن استشراف المآلات.

وعليه، نعتقد أنّ تطوّرات المشهد الثوري وتسارع أحداثه الجسام تؤشّر بوضوح على المُضيّ قُدمًا في طريق الإصلاح، لكنّ تتويج المعركة ببلوغ محطّة النهاية يُوجب مواصلة الحراك بالقوّة المؤثّرة، مع فتح منافذ للانفراج السياسي، عبر الدفع إلى طاولة الحوار الوطني مع مؤسسات الدولة الدستوريّة، وفي مقدمّتها الجيش، أو على الأقلّ بضمانات منه، من أجل تقليص دائرة الاختلاف بين رؤيتها للحلّ الممكن وبين المطالب الملحّة للشارع، ومن ثمّ إيجاد صيغة توافقيّة لتجسيدها، تضمن نزع الألغام من الحقل الانتخابي، لأنّ العودة إلى الرئاسة الشرعيّة ضرورة قصوى ومستعجلة، لارتباطها أساسًا بالأمن القومي للبلاد، قبل النظر في كل الانشغالات الإصلاحيّة الأخرى.

إنّ تحييد القوى غير الدستوريّة يُفترض أنْ يُقرّبنا خطوة مهمّة نحو الحلّ بشأن ضمانات العمليّة الانتخابية، وسيكون من الأوراق الرابحة في طمأنة الشعب الإعلان عن زحزحة الاستحقاق الرئاسي، ثمّ الشّروع سريعًا في تحديد ملامح اللجة المستقلّة لتنظيم الانتخابات، بطبيعتها وسلطاتها وتركيبتها، حينها قد يتحوّل رحيل الأشخاص إلى نقاش ثانوي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!