الحدث الانتخابي في الجزائر والصراخ في باريس والرباط
الانتخابات في الجزائر والمخاض في الصالونات والمنابر التي تتوجس من إعادة انتخاب المترشح الحر عبد المجيد تبون، لعهدة رئاسية ثانية. هذه الصالونات والمنابر يمكن رصدها في عاصمتين أكثر من غيرهما، في باريس وفي الرباط، حيث يترقب الجميع ما سيسفر عنه استحقاق السابع من سبتمبر.
حالة الترقب هذه نابعة من حجم التوجّس الذي ينتاب السياسيين وصناع القرار في المستعمرة السابقة وربيبتها المملكة المغربية، اللتين توجدان في حالة قطيعة دبلوماسية.
وبالنسبة لباريس والرباط، فإن استمرار الرئيس عبد المجيد تبون رئيسا للجزائر، يعني استمرار القبضة الحديدية، أو بالأحرى ضياع المصالح الاستراتيجية لفرنسا، وتمديد العقوبات المفروضة على النظام العلوي في الرباط، والتي أصبحت لا تطاق بالنسبة للاقتصاد المغربي.
ويمكن تلمّس الاهتمام الخارجي والفرنسي والمغربي خاصة، من خلال منابرهما الإعلامية المعروفة والأكثر انتشارا، والتي خصصت ملفات ومقالات للانتخابات الرئاسية في الجزائر عشية الاستحقاق ويومه أيضا، والإشارة هنا إلى صحيفة “لوموند” المقربة من صناع القرار في باريس، وكذا صحيفة “لوفيغارو” اليمينية، المعروفة بحضورها القوي في الصالونات السياسية الباريسية.
فصحيفة “لوفيغارو” أنجزت ملفا في عدد السبت والأحد من صفحتين حول الانتخابات الرئاسية، تضمن استجوابا لأشخاص لم يكشف عن هويتهم، حملوا انتقادات للعملية الانتخابية ولمسارها، كما شكك الملف في نزاهة الاستحقاق الرئاسي، الذي سيمدد على حد زعم الصحيفة من عمر النظام الحاكم في الجزائر.
كما أنجزت صحيفة “لوموند” لعدد السبت والأحد ملفا أيضا خصص للانتخابات الرئاسية، تضمن مقتطفات لما كتبه الصحفي كمال داود، الذي فقد كل شيء في جزائريته، يستحضر الأزمة الدموية التي عاشتها الجزائر في تسعينيات القرن الماضي، في إيحاء لا يخلو من خبايا خبيثة.
واللافت في ما كتبته الصحافة الفرنسية أنها شككت مسبقا في نزاهة الاستحقاق، وهي تتحدث عن حسم لصالح الرئيس عبد المجيد تبون بخلفية أبعد ما تكون عن الاستشراف.
ولم تختلف كثيرا الكيفية التي عالجت بها الصحافة المغربية حدث الانتخابات الرئاسية في الجزائر، فقد حاولت التشكيك في نزاهتها من خلال الحديث عن غياب منافسة للمترشح الحر عبد المجيد تبون، رغم وجود كل من مرشح حركة مجتمع السلم، عبد العالي حساني الشريف، وكذا مرشح حزب جبهة القوى الاشتراكية، يوسف أوشيش، فضلا عن التشكيك أيضا في إقبال الجزائريين على صناديق الاقتراع.
وتعكس الكيفية التي تعاطت بها وسائل الإعلام في كل من فرنسا والمملكة المغربية جانبا من الهواجس التي تنتاب السياسيين في هذين البلدين من الاحتمال القوي لاستمرار الرئيس عبد المجيد تبون في منصب الرئاسة لخمس سنوات مقبلة، ما يعني بالنسبة لهؤلاء، خمس سنوات من التصعيد بين الجزائر من جهة، وباريس والرباط من جهة، بعدما تحولا مؤخرا إلى حليفين لضرب مصالح الجزائر وأمنها القومي.
وبالنسبة لفرنسا، يرى الكثير من المراقبين أن سياسة القبضة الحديدية ستستمر بين الجزائر وباريس في حال استمرار الرئيس تبون في منصبه، وسيستمر غياب السفير الجزائري عن منصبه في باريس لمدة ليست بالقصيرة، كما كان الحال في حالات سابقة، مثل حالة استدعاء السفير محمد عنتر داود، ومن بعده سعيد موسي، في أعقاب تورط المصالح الفرنسية في تهريب رعية جزائرية مطلوبة للعدالة، نحو فرنسا عبر الحدود التونسية.
كما أن ملف الذاكرة الذي راهن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، على تسويته قبل مغادرته قصر الإيليزي، سيستمر دون تنازل إلى إشعار آخر، والأكثر من كل ذلك، سيتعيّن على ماكرون دفع الثمن غاليا على صعيد المصالح الاستراتيجية الفرنسية (الاقتصادية والثقافية والجيوسياسية) في الجزائر، بعد الخطوة التي أقدم عليها، بدعم مخطط الحكم الذاتي الذي اقترحه النظام المغربي لتسوية القضية الصحراوية، والذي كان سببا مباشرا كما هو معلوم في استدعاء السفير الجزائري من باريس، وتخفيض التمثيل الدبلوماسي إلى مستواه الأدنى.
كما لا يختلف الوضع مع النظام المغربي في حال استمرار الرئيس تبون في منصبه وهو الأمر المرجح بقوة، وفق المراقبين، فالعقوبات المؤلمة التي فرضتها الجزائر بقرار من الرئيس تبون على النظام العلوي في الرباط، ستأخذ وقتا طويلا لا يقل عن خمس سنوات، وهذا سيضرّ الاقتصاد المغربي بشكل قد لا يستطيع الصمود معه، بعد حرمانه من الغاز الجزائري المجاني، وحظر الأجواء الجزائرية على الطيران المدني والعسكري المغربي، ما جعل الخطوط الجوية المغربية الرسمية تتكبد عناء مسافات أطول وأعباء مالية إضافية أثرت على توازناتها.
أما الوضع على صعيد القضية الصحراوية، فسيستمر على ما هو عليه، صدام في المحافل الدولية دونما حسم، عكس ما يروج له النظام العلوي عبر مختلف أذرعه وأبواقه الإعلامية المأجورة في الداخل والخارج.