-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
المجاهدون التزموا بالقضاء بعد الاستقلال والحراكيون صائمون وصامدون

الحراك يعيد واجب الكفاح ومشقة الصيام خلال ثورة التحرير إلى الواجهة

صالح سعودي
  • 1501
  • 0
الحراك يعيد واجب الكفاح ومشقة الصيام خلال ثورة التحرير إلى الواجهة
ح.م

أعطت الجمعة ال 12 الوجه الآخر للحراك الشعبي في عز شهر رمضان الكريم، خاصة في ظل الصمود الذي تحلى به الجزائريون الذين خرجوا في مسيرات سلمية في مختلف ومدن وولايات الوطن، مطالبين بمواصلة محاسبة العصابة وإعادة ترتيب البيت للعودة إلى الشرعية، ما جعل أجواء الحراك تعيد سيناريو واجب الكفاح ومشقة الصيام خلال الثورة التحريرية، بفضل تضحيات المجاهدين ومساندة الشعب في المدن والقرى والأرياف لمحاربة الاستدمار الفرنسي.

إذا كانت الثورة التحريرية تحتفظ بجوانب مشرقة في التضحية والشجاعة في سبيل الوطن، بدليل أن مسيرة الجهاد بنفس الوتيرة حتى في رمضان ومظاهر الفقر والحرمان، ناهيك عن المعارك الكبيرة والكثيرة التي خلدها المجاهدون في شهر الصيام، فإن الحراك الشعبي الذي تعرفه الجزائر منذ يوم 22 فبراير قد أعطى صورة مماثلة في الصمود والتضحية خلال الثروة التحريرية، وهو ما يؤكد على صمود الجزائريين لتحديد مصيرهم، سواء خلال فترة الاستدمار وفي مرحلة الاستقلال أيضا، مع اختلاف نسبي في الفترتين، بحكم أن الذين خرجوا إلى الشارع في مسيرات سلمية قد جمعوا بين الصوم والحراك، أما في الثورة التحريرية فإن قيادة الثورة لم تتوان في مراعاة الوضعية الصحية للمجاهدين، حيث أباحت لهم عدم الصيام، بناء على فتوى صادرة من مشايخ جمعية العلماء المسلمين الجزائريين.

الصوم لم يكن عائقا في الثورة فكيف يعيق الحراك؟

أجمع العديد من المجاهدين والباحثين الذين تحدثت معهم “الشروق” بأن شهر رمضان لم يكن عائقا للمجاهدين في سبيل مواصلة مسيرة الكفاح ضد الاستعمار الفرنسي، بدليل البطولات والتضحيات المخلدة في هذا الشهر الكريم، في الوقت الذي عمدت قيادات الصورة على تسهيل المهمة بالتنسيق مع جمعية العلماء المسلمين التي أباحت عدم صيام المجاهدين خلال فترة الثورة التحريرية.

ورغم هذه الفتوى، إلا أن بعض المجاهدين وحتى القيادات الثورة كانوا يصومون خفية، ويكتفون في النهاية بالماء والكسرة وربما الحشيش، وقد تم اللجوء إلى طلب فتوى جمعية العلماء المسلمين تبيح لهم الصوم في رمضان بسبب الفقر والحرمان وقسوة الظروف في الجبال، موازاة مع اشتداد الثورة التحريرية، ما جعل الكثير من المجاهدين يراعون هذه المستجدات، قبل أن يقوموا بتدارك ذلك بعد نيل الجزائر للاسقتلال. حدث ذلك بعد 7 سنوات كاملة وهم يواجهون المستدمر الفرنسي بشجاعة وتضحية، ببطون جائعة وأفواه عطشى تجسيدا لمبدأ “الاستقلال أو الاستشهاد”. في الوقت الذي يختلف المشهد في عز الحراك، بدليل الأجواء الأخوية التي سادت أول جمعة في شهر رمضان لهذا العام، حيث لم يتوان بعض سكان العمارات في رمي الماء على المتظاهرين تزامنا مع ارتفاع درجة الحرارة، في الوقت الذي تطوع الجميع لضمان وجبات فطور في متناول المتظاهرين والبعيدين عن مقرات سكناهم، في مشاهد لها أبعاد جمالية وإنسانية تفوق الحدود.

أولحاج دعا إلى الإفطار وشيحاني كان يكتب “مرحبا يا رمضان”

وبالحديث عن أجواء الصيام خلال ثورة التحرير، فيؤكد الأستاذ صالح لغرور لـ”الشروق”، بأن قيادة الثورة التحريرية راعت الوضعية الصعبة للمجاهدين، خاصة في ظل المتاعب التنقل بين الجبال، والمعارك الطاحنة التي عرفتها جبال الأوراس ومختلف مناطق الوطن، وقال بأن فتوى جمعية العلماء المسلمين قد أزالت الكثير من الغموض والإبهام، وسهلت مهمة قيادة الثورة التحريرية في إصدار قرار يبيح للمجاهدين بعدم الصيام، حرصا على صحتهم وقوة تركيزهم، وقال صالح لغرور ل”الشروق” بأن هناك وثائق صادرة من قيادة الثورة تصب في هذا الاتجاه، من ذلك مجموعة رسائل نشرها المؤرخ محمد حربي مع المؤرخ الفرنسي جيلبان ميني، من ذلك رسالة صادرة في 20 ديسمبر 1961 عن الولاية الثالثة، ممضية باسم محند أولحاج، يقول فيها بأن الصوم غير إجباري حتى لا يكون المجاهدون فريسة سهلة للعدو، كما نشرت جريدة المقاومة في العامين 1956 و1957 مواضيع تدعو إلى العمل برخص الدين الحنيف، داعية إلى تفادي الإسراف وأعمال البذخ التي لا تمت حسب بصلة للإسلام.
وفي السياق ذاته، يشير الأستاذ صالح لغرور بأن قائد الثورة في منطقة الأوراس الشهيد شيحاني بشير أكد في اجتماع حضره أكثر من 250 مدنيا قبل معركة الجرف، إلى ضرورة التمسك بالمبادئ والقيم العليا للإسلام ضد أعدائه المجرمين، مشيرا إلى مبادئ التسامح في هذا الشهر الفضيل، وفي الوقت نفسه فقد كانت منشورات شيحاني بشير حسب صالح لغرور تبدأ بجملة “مرحبا بك يا رمضان”، وهذا بالعربية والفرنسية. كما تشير فقرة نشرت في جريدة المقاومة الجزائرية يوم 8 أفريل 1957 تشير إلى تثمين شهر رمضان الكريم ومبادئ الإسلام، وتندد بالجرائم التي قام بها الجنرال الفرنسي باري دوبولارديار وآخرون، كما نشرت رسالة فحواها “نتمنى أن يكون شهر رمضان الكريم مناسبة لمساندة نضال الجزائريين”. كما يؤكد صالح لغرور بأن هناك وثيقة أصلية صادرة عن جيش التحرير المغاربي تؤكد بأن هناك حرية في الصوم، وهذا بناء على شهادات أدلى بها عديد المجاهدين من الولاية الأولى التاريخية، على غرار مراد عبد الكريم وعمار قرام والوردي قتال.

فتوى من جمعية العلماء

وإذا كان مجاهدو الثورة التحريرية قد التزموا بالقضاء والفدية بعد نيل الجزائر لاستقلالها، فإن جموع الحراك حريصين على الصوم والقيام بواجبهم النضالي لإنجاح المسيرات السلمية، وبالمرة رفع مختلف الشعارات التي تهم مستقبل البلاد والعباد، بدليل أن جموع الحراك لم يتوانوا في رفع شعار “صائمون صامدون”، وهو أبلغ تعبير على القيام بالواجب الديني والدنيوي.

وبالعودة إلى أجواء الصيام خلال الثورة، فتؤكد شهادة قائد المنطقة الأولى بالأوراس، المجاهد الراحل محمد الشريف عايسي، بأن قيادة الثورة ألزمت المجاهدين بالإفطار بعد استفتاء مشايخ جمعية العلماء الجزائريين، وفي الوقت الذي واظب المجاهدون على الصيام خلال السنوات الأولى من الثورة، إلا أن فيما بعد صدرت فتوة من جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تبيح عدم الصيام، وهو الأمر الذي رفع عنهم الحرج حسب قوله، ما جعل قيادات الثورة تصدر تعليمة معززة بفتوى لعدد من العلماء الجزائريين، بغية تفادي كل أشكال التحفظ والشك، وهي الخطوة التي زكاها حسب محمد الشريف عايسي أئمة منطقة الأوراس وعلماؤها وقضاة الثورة الذين كان جلهم من تلاميذ جمعية العلماء المسلمين، كما اقتنع المسافرون أنفسهم بأنهم يعتبرون مسافرين بحكم تنقلهم الدائم من منطقة لأخرى في ظروف طبيعية ومناخية شاق، مؤكدا بأنه بعد الاستقلال حرص الجميع على قضاء الأيام التي أفطر فيها مع دفع الفدية، وفق ما تقره الشريعة الإسلامية.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!