-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحرب الراقية

الحرب الراقية

ترؤس الوزير الأول لاجتماع حكومي رفيع المستوى، لأجل دراسة مشروع استراتيجي وطني لمكافحة المخدرات والمؤثرات العقلية، هو أهم خبر يطلّ في النصف الأول من شهر رمضان، على المجتمع الجزائري الذي صار يلمس المخاطر التي طرقت بابه، وأحيانا اختطفت منه ابنا أو أخا أو جارا من الذين وجدوا أنفسهم يتعاطون السموم بأنواعها الخطيرة والمدمِّرة، والأمرّ أن يُدمنوا عليها.

وعندما نعلم بأن الجزء الأكبر من هذه السموم، يصلنا من الجار الغربي، الذي امتهن منذ عقود تخدير شعبه، حتى ينسى مقوماته وحريته وحتى كرامته، ندرك بأن تدمير الشعوب هي مخططاتٌ لئيمة، تشارك فيها العديد من القوى العظمى، وتطبق بيادقها المنتشرة في كل القارات. وما حدث في كولومبيا هناك في جنوب القارة الأمريكية، وأفغانستان هناك في القارة الآسيوية، هي أمثلة تدلّ على أن آفة المخدرات هي حروب لها جنرالاتها وجنودها وأسلحتها وللأسف ضحاياها، بل إنها أخطر من الحرب الحمراء التي يعرف الجميع سلاحها.

والجميل في هذه الحرب المعلنة على السموم أن الحكومة وضعت قدمها على السكة الصحيحة، من خلال تدارس تشديد العقوبات المطبقة على جرائم المخدرات، وتكييف الأحكام الإجرائية لمتابعتها، خاصة أن الكيلوغرامات المحجوزة سابقا، صارت أطنانا، وعشرات الأقراص صارت ملايين، وانتشرت في القرى والمدن، وبين الكبار والصغار من رجال ونساء، ما يجعل اجتماع الحكومة بأمر من رئاسة الجمهورية، نستبشر منه خيرا، ونعتبر المشروع الاستراتيجي للحكومة، هو مشرع أمة، يجب أن يساهم فيه المواطنون بكل ما امتلكوا من قوة، لأن الآفة طالت كل الناس، ونجاح المشروع سيريح كل الناس.

اعتمدت المافيا الإيطالية وعصابات الإجرام الكبرى في الولايات المتحدة الأمريكية، منذ زمن، على تدعيم تشكيلاتها الدموية، بالمدمنين، واعتمدت الجماعات الإرهابية على أن تصطحب معها الرشاشات والحشيش أيضا، كما اعتمدت الحكومات الديكتاتورية والظالمة، على أن تطعّم أفرادها بالمخدرات، وحتى عصابات الرق الأبيض في ستينيات القرن الماضي، كانت تصطاد النساء بحقنهنَّ بمواد مخدِّرة حتى يصبحن رهن الطاعة، لأجل ذلك بدا الاجتماع الحكومي الرمضاني في منتهى الأهمية، لأنه جاء في وقته. وفي مكافحة المخدرات، يجب أن تركب القطار حتى ولو كان الركوب متأخرا، فعلى الأقل في مرحلة أولى تنقذ الجيل القادم، وتقلل من المخاطر مع الجيل الحالي، وحينها يصبح القضاء عل الآفة ممكنا، وليس مستعصيًّا كما يظن المدمنون ويزعم تجار المخدرات الذين يسوّقون هذه النظرية الطبية والاجتماعية الخاطئة.

يقول طبيب أعصاب إيطالي، إن المخدرات هي النار التي يختارها الفرد بإرادته حتى تحرقه ببطء، وأما العلاج فهي قضيّة أمة، وحدها من تنقذ المحترق، وإن عجزت أو وصلت متأخِّرة، فإنها ستمنع انتشار الحريق إلى أماكن وأناس آخرين، وذاك ما استبشرنا به من مشروع الحكومة الاستراتيجي الراقي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!