-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحقيقة التي يُقْفَزُ فوقَها بِخصوص تكوين وانتقاء مواهب الكرة

علي بهلولي
  • 4936
  • 4
الحقيقة التي يُقْفَزُ فوقَها بِخصوص تكوين وانتقاء مواهب الكرة
الأرشيف

يبقى ملفُّ اكتشاف المواهب وانتقاء اللاعبين دائما يُثير الجدل، بِسبب شعبية كرة القدم، وأيضا وهو الأمر الأهمّ بِالنّظر إلى الأساليب المُتّبعة في تثمين الفتيان.

ما هو معلوم أن زمن حضور المدربين والتقنيين لِدورات ما بين الأحياء، والسفر عبر ولايات تراب الجمهورية بحثا عن العصافير النّادرة انتهى، وصار ذكرى قديمة وحزينة.

وكان الناخب الوطني لِفئة الأشبال رزقي رمان قد أكّد أنه جلب للبطولة الإفريقية خيرة مواهب اللّعبة، فيما تزعم أطراف مُناوئة له أن هذا التقني سلك دروبا مُلتوية وشائكة، قبل ضبط قائمة عناصر “الخضر” لِصنف أقلّ من 17 سنة.

لا يهمّنا صدق فلان أو علّان في هذا الجدل المُتجدّد، عشية أو غداة كلّ استحقاق كبير، ولكن هذا لا يمنعنا من سرد شيء من الحقيقة عن ملفّ تكوين وانتقاء براعم كرة القدم.

شرح المُفردات.. معنى كلمة “مُسابقة” للمُبتدئين والمُخضرمين

في المجتمعات الرياضية المُحترمة، يُعلَن عن مسابقة لِمواهب كرة القدم (وقس على ذلك مع المهن) “جهرا”، يسمعها الأصمّ ويقرأها الأعمى، وقبل تنظيمها بِموعد مُناسب للكلّ، وبِلا شروط تعجيزية. وليس عن طريق رابط إلكتروني جافّ وسمج لا يُسمن ولا يُغني من جوع، يُرمى طُعما لأراذلة القوم و”السّذّج” في مواقع التواصل  الاجتماعي، بعد أن حُسمت الأمور في “الكهف” سرّا. وفي الخطوة المُوالية، تنبري لجنة من صفوة الإطارات الفنية الخبيرة والنّزيهة لِتمتحن المُترشّحين، ثمّ تُعْصَرُ الزّبدةُ، بِانتقاء أفضل اللاعبين الصّغار الواعدين. بِلا تدخّل لـ “مول الكوستيم الأزرق”، أو”مول الهامر” أو “مادام دليلة”، أو مشتقاتهم.

وفي المجتمعات الرياضية المُتخلّفة، يتمّ التسجيل أو/ والنجاح في المدرسة الكروية، بِواسطة لعبة “الهاتف المحمول” (ابعثتلك فلان واتهالانا فيه)، أو عبر وجبة عشاء دسمة في فندق فاخر (وفي رواية أخرى ملهى/ ديسكوتاك)، تتخلّله موسيقى رنين كؤوس عصير أبي نوّاس…وبقية القصّة تعرفونها.

نجل الفقير

كان رجلٌ برازيليٌّ يمشي الهُوَيْنَا في أحد شوارع مدينة ريو دي جانيرو، فاصطدم بِمشهد يُفتّت الكبد. لمح ابنه الصّغير يمسح زجاح السّيارات نظير دريهمات معدودة، لا تكفي حتى لِشراء بوظة تُسيل لعاب مراهق في يوم حارّ، وتُثلج صدره.

عاد الرّجل إلى البيت هذه المرّة مُتثاقلا، وقضى ليله يعدّ النجوم وهو يُفكّر في حلّ جميل يُريحه ويُريح ابنه.

في صباح اليوم المُوالي، اهتدى إلى فكرة تسجيله بِإحدى مدارس الكرة في مدينته، ولكن عندما ذهب إلى المقرّ اصطدم بـ “ثور مخصي” بيروقراطي فاسد، لا يُوافق على الطلب حتى تدسّ الحلوى في جيبه.

لم يستطع هذا الرّجل البئيس تسجيل ابنه بِرشوة لا يمتلك أصلا مالها، واكتفى بِالانخراط في مدرسة رياضية مغمورة. ومرّت الأيّام والأشهر، وحدث أن نظّم مسؤولو المدرسة مباراة ودّية بِالتنسيق مع نظرائهم في النادي الكبير المُشار إليه أعلاه، فتألّق ابن الفقير ودكّ الشّباك بِرُباعية (على الزعاف)، جعلت إدارة الفريق العملاق تهذي، ثم تُهرول لِانتداب الفتى الموعود، وبِعقد خرافي.

القصّة التي سردناها عليكم أعلاه ليست فيلما لـ “والت ديزني”، أو سينما “بوليوود”. والفتى الأعجوبي المذكور هو اللاعب البرازيلي السّابق روماريو وما أدراك ما روماريو (شريط الفيديو في الرّابط الإلكتروني المُدرج أدناه)، أحد أفضل المهاجمين في تاريخ كرة القدم، ولا نتحدّث عن فوزه بِكأس العالم 1994، وتتويجاته، ومراوغاته، وفنّياته، و…لأن الحديث شيّق والحيّز الإلكتروني ضيّق.

المهنة “كشّاف”

بِسبب الانفجار التكنولوجي الرّهيب، طفت إلى السّطح فئة يُسمّي كلّ واحد منها نفسه بـ “الكشّاف” أو لفظ “Scout”، هذا الصّنف من البشر هو امتداد مُهذّب ومُلطّف وأنيق لـ “البزناسية”، الذين يتعاملون بِأغلفة مالية ضخمة مخبّأة داخل أكياس سوداء. يختزلون كرة القدم خلف حواسيبهم أو هواتفهم المحمولة في عدد الأهداف المُسجّلة والتمريرات الحاسمة وغيرها من الأرقام الصّمّاء، التي لا تعترف بِحقائق الواقع، كأن تجلب غلمان الكرة الاستعراضية “فري ستايل” إلى مباراة مفصلية حامية الوطيس في أدغال إفريقيا!

هؤلاء مَن يُسمّون أنفسهم بـ “كشّافين” إحدى الجهات الضّاغطة، من أجل جلب لاعبيهم المُفضّلين، نظير شطب أو تهميش أسماء آخرين.

مُدرّبون بِصيغة “عقود ما قبل التشغيل”

لا نُزكّي أيّ مسؤول في اتحاد الكرة الجزائري قديما كان أو جديدا، ولا نتبارى في جلدهم. فلسنا مِن الذين انتفعوا أو ينتفعون بِوجود الإطار “س” أو سلفه “ع”. وبِالمُناسبة، صرّح إعلامي تلفزيوني مغربي (قناة “ميدي1”) في صيف 2019، وفي لحظة غضب وسخط في المطار بعد عودته، عقب إقصاء منتخب بلاده أمام البنين في ثمن النّهائي، بِأن رئيس اتحاد الكرة فوزي لقجع اشترى ذمّة بعض زملائه، عن طريق التكفّل بِسفريتهم إلى “أمّ الدنيا” نظير التطبيل له، وتلميع صورة المنتخب والهيئة المُسيّرة للعبة في أعين الطبقة المسحوقة في بلاد مراكش.

قلنا لا نُزكّيهم، لأن رؤساء “الفاف” تقاطعوا كلّهم في نقطة إهمال منتخبات الفئات الصّغرى، مقابل التركيز على فريق الأكابر. ناهيك عن انتداب مدربين لِفئات الأشبال (أقلّ من 17 سنة) والأواسط (أقلّ من 20 سنة) والآمال (أقلّ من 23 سنة)، بِأسلوب يُذكّر بِصيغة “عقود ما قبل التشغيل”! ثمّ كيف يُبدع مدرب وما يتقاضاه أقلّ بِكثير ممّا يُنفقه رئيس اتحاد الكرة ثمنا لـ “القهاوي” (أبسط شيء) في الفنادق والمنتجعات؟

.. وللآباء دور سلبي

أيّام زمان، كان حلمُ الأسر – خاصّة في مجتمعات العالم الثالث، حيث يتفشّى الهوس بِالفروع الأكاديمية التقنية (الشعب العلمية)، مع ازدراء واحتقار شديدَين للعلوم الإجتماعية – أن يتخرّج ابنهم (ذكر أو أنثى) من الجامعة طبيبا أو مهندسا أو طيّارا أو “ربّان قائد مغوار”! كما يقول المطرب الأصيل صادق الجمعاوي في أغنية شهيرة له عن المدرسة.

الآن تغيّرت المُعطيات، وعدد ليس بِالقليل من أرباب الأسر يحلم الواحد منهم لو يظفر بِفرصة تسجيل ابنه في النادي الرياضي الفلاني، بِسبب الأجور والمنح والامتيازات الخرافية التي يجنيها مُحترفو “الجلد المنفوخ”.

وفي مطلع جانفي الماضي، ضغطت إحدى الأسر الأمريكية على اتحاد الكرة المحلّي حتّى لا يُجدّد عقدَ الناخب الوطني غريغ برهالتر، بِسبب تهميشه لِابنها اللاعب في كأس العالم، التي أُقيمت بِقطر شهرا من قبل.

لجأت هذه الأسرة إلى النّبش في حادثة اجتماعية يعود تاريخها إلى 32 سنة خلت، في مسعى لِإنهاء مهام مدرب منتخب بلادها.

وكانت هذه الأسرة تعلم حجم التأثير الإيجابي في نفخ السّيرة الذّاتية، لو شارك ابنها أساسيا بِزيّ منتخب “رعاة البقر” في المونديال القطري.

وهكذا تحوّل مفهوم كرة القدم، من لعبة تستهوي أبناء الكادحين، ورمز الخشونة جسدا ولسانا، وعنوان العنف، إلى وسيلة للرّفاه والرّقي الاجتماعيَين و”البريستيج”. والأقبح، الثراء الفاحش لِمسؤولي الاتحادات والأندية والمدربين والمدارس ومَن خالطهم من “الشيّاتين” و”الطمّاعين”، المُفضي بِالضّرورة إلى الفساد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • مصطفى

    انا ولي طغل له موهبة في الكرة القدم ولكن لانني في مدينة داخلية فقدت الانل في ان يتطور كرويا ويصبح لاعبا كبيرا...بكل بساطة بسبب المعرفة و الحظوظ التي لاصحاب الشمال منها اكثر مز اصحاب الجنوب

  • محفوظ

    المشكلة تكمن في الجهوية التي دمرت كل شيء في الجزائر، وهي من مخلفات المستعمر الفرنسي،

  • ناقل

    بالنسبة للناشئين التكوين ليس أمرا لازما و إن كان مستحبا، حاليا مثلا منتخب مالي الجار الأخوي، يشارك بلاعبين إنتقاهم المدرب المالي الحالي و هو لاعب دولي سابق من دورات كرة قدم بين الأحياء الشعبية غير رسمية لمدينة العاصمة باماكو و البلدات و المدن المحيطة بها، إستطاع تكوين فريق تنافسي جيد و روح الفريق الجماعية تكونت خلال هاته البطولة الإفريقية المقامة في الجزائر.

  • لزهر

    إذا نقلنا التلاميذ من ممارسة الرياضة من فناء المدرسة إلى ملاعب كرة القدم التي تظل مغلقة وتحتكر الأندية الكبرى لأستعمالها ، فما الذي يمنع من فتحها يوميًا لأطفال المدارس؟