-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
القرآن والحداثة

الحلقة الثالثة: لماذا يتّبعون شحرور؟

علي حليتيم
  • 1139
  • 0
الحلقة الثالثة: لماذا يتّبعون شحرور؟

في 18 من نوفمبر 1978م، أقنع “جيم جونز” وهو رجل دين أمريكي وزعيم طائفة بروتستانتية متطرفة أتباعه بفائدة القيام بعملية انتحار جماعي بمادة السيانيد. تناول السم ألف شخص. ناول بعض الآباء أبناءهم السيانيد وبعض الأمهات كذلك ثم شربوه بدورهم. كانت المحصلة وفاة 913 شخصٍ انتحارا في يوم واحد. ولا يزال العلماء حتى اليوم يدرسون الأسرار النفسية التي دفعت هؤلاء المواطنين الأمريكيين ليبذلوا أرواحهم وأرواح أولادهم من أجل شخص معتوه!

وجد “زمباردو” وهو رئيس سابق للجمعية النفسية الأمريكية APA وأحد أشهر المحققين في سيكولوجية جرائم سجن “أبو غريب” في العراق وصاحب نظرية “الصندوق الفاسد” أن “جيم جونز” قرأ رواية 1984 لجورج أورويل بتمعن كبير وطبق ما فيها من تقنيات نفس-اجتماعية للتأثير بمهارة ونجاح.. لا يسعنا في هذه العجالة أن نبسط كل التقنيات التي استعملها جيم جونز والتي لا تزال محل أخذ ورد بين الباحثين، لكن أنا من جهتي أرى أن مركز التأثير يدور حول نقطتين اثنتين:

الأولى: ما يسميه “جورج أورويل” الأخ الأكبر، لكن أظن -خلافا لزمباردو- أن القضية لا تتعلق بالرقابة ولكن بالجاذبية، حيث يقنع الزعيم الديني أتباعه بشخصه هو بالذات، بحيث تصبح كل الأمور الأخرى ثانوية: الدين والرسالة والمبادئ والعقائد والأخلاق وحتى المعبود ذاته يغدو ثانويا، ويتحول الزعيم الديني أو الزعيم الوطني إلى مركز القضية والتجسيد الكامل لها.

الثانية: ربط علاقة خاصة، حيث يقوم الزعيم بإقناع الأتباع بأن لهم علاقة خاصة به تمر بعدة مراحل أهمها تشويه التصورات، والعزلة النفسية للأتباع عن المنافسين، حيث ينظرون بعد هذه العزلة إلى كلام المنافسين على أنه دليل للزعيم لا ضده، وينظرون إلى كلام الزعيم على أنه إدانة للخصوم.

ثم تأتي النقطة الثالثة، وهي الحاجة الخاصة للأتباع عند الزعيم؛ إذ بعد العزلة وبعد تشوية التصورات يقنعهم الزعيم أنه الجهة الوحيدة التي تقدم لهم الحلول لحاجاتهم الخاصة وأن كلام الزعيم هو من أجلهم خاصة: من أجل كل واحد منهم؛ دون أن ننسى المنافع الثانوية bénéfices secondaires  من هذه العلاقة الخاصة: قيمة خاصة في نظر الناس، شعور بالامتلاء، ووعد بالخلاص.

لم يكن محمد شحرور يحلم بكل تلك الجماهير التي راحت تتابعه على الفضائيات ووسائل التواصل، لكنه كان الرجل غير المناسب في الوقت غير المناسب. فقد حصلت عملية التشويش حول الحالة الدينية والفكر الديني للناس قبل ذلك بعقود، وحصلت عملية العزلة النفسية عن المرجعيات الإسلامية بشكل متقدم جدا، وحصل انحطاط للحالة الثقافية والعقلية والتعليمية في العالم الإسلامي بل في العالم كله بشكل محسوس وملموس، ليأتي بعد ذلك شحرور ويقدم نفسه في صورة المفكر المخلص الذي يقدم مادة غير مفهومة، لكنه يوهم الناس أنهم مقتنعون وأنها بالضبط الأمر الذي كانوا يبحثون عنه، وحين يتحدث أو يكتب فالأسلوب سهل وبسيط قائم على تقريرات بدون أدلة وبدون اشتراط أي مستوى من المستمع، وبدون فرائض أو التزامات غير الجلوس أمام التلفزيون أو قراءة كتاب، ومن ثم تكتمل الحلقة: حلقة الزعيم الذي يتقن -ولو من دون وعي- مهارات التحكم العقلي والنفسي، وحلقة التشويش وإبعاد المراجع المنافسة، وحلقة الحاجة النفسية للمتلقين.

بهذه التقنيات، ومثل جيم جونز بالتمام، تحول محمد شحرور إلى فرقة دينية مكتملة الأركان مثل كل الفرق، لكنه عوض أن يطلب من أتباعه الانتحار الجسدي كما فعلت مجموعة جونز تاون، فإنه طلب منهم الانتحار الثقافي، سواء أدركوا ذلك أم لم يدركوه!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!