-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الحيتان الصغيرة!

الحيتان الصغيرة!
ح.م

أطلت علينا خلال نهاية الأسبوع، العديد من المحاكم في مختلف ولايات الوطن، بقضايا فساد كان أبطالها ممن يُسمّون بـ”الحيتان الصغيرة” التي سبحت مع تيار الحيتان الكبيرة التي حوّلت الفساد إلى أسلوب حياة خلال العقدين الأخيرين من حياة الجزائر المستقلة، وهي ثمرة أخرى من ثمار الحَراك الشعبي الذي شدّد في أسابيعه الأولى الخناق على رؤوس العصابة، وشدّده في الأسابيع الأخيرة على الذين عاثوا في الجزائر العميقة فسادا، ظنا منهم أن البعيدَ عن العين، بعيدٌ أيضا عن القضاء.

الحقيقة التي يجب أن يعترف بها كل الجزائريين هي أن الفساد تمكَّن فعلا من حياة الجزائريين، وانتشر في جميع القطاعات مثل الوباء المعدي الذي لا يدخل مجالا إلا أفسده، وجعل أعزة أهله أذلة، حتى غيّر من معنى المفردات فصارت الرشوة مجرد “قهوة” أو “هدية”، فكانت النتيجة أن ترك البلادَ، الآلاف من الكفاءات، خوفا من أن تدوسهم أقدام الفاسدين أو تصيبهم بالعدوى، فيتحوَّل مشروع عالم أو خبير، إلى بيدق في رقعة الفساد.

مازال الكثير من الجزائريين غير مصدِّقين وغير مقتنعين بأن “المنجل” يضرب في المكان المناسب، ويرون بأن الكثير من “الحيتان العملاقة” لن تنالها الشبكة، وهو قنوطٌ زرعه الفاسدون في قلب الجزائريين حتى صاروا مقتنعين بأن الفساد قدرٌ محتوم، وصاروا متيقنين بأن لا أمل في البلاد ولا ثقة في العباد، حتى وهم يرون بأمِّ أعينهم رؤساء حكومة وقادة برتبة جنرال ورجال أعمال وشقيق الرئيس في غياهب السجون، لينتقل الأمر إلى مختلف الولايات، ومنها من كان مفسدوها محصَّنين بالصمت المطبق، يفعلون ما يشاءون ومتى وكيفما شاءوا.

لن نكون منطقيين ونحن على تخوم إكمال السنة الأولى من بداية الحراك الشعبي، لو قلنا بأن الحراك لم يحقق أي شيء، وسنكون متفائلين ومبالغين، لو ظننا بأن قطار البلاد قد وُضع على السكة ولا خوف على مساره، فالذي يمتلك مشروع فساد في الجزائر الجديدة، عليه أن يفكّر مليون مرة في عاقبة ما سيقترفه، وزمن الفساد خبط عشواء ولّى، مادام الشارع في كل جمعة يُذكِّر الناسين أو من ينتظر فرص الصمت، أن الأعين لن تنام مرة أخرى.

لقد ثبُت تورُّط المئات من الجماعات المحلية ومن سمّوا أنفسهم بالمنتخبين المحليين في قضايا الفساد، وسحبُ البساط من تحت أقدام هؤلاء صار مطلبا شعبيا وعاجلا، حتى لا يبقى المسؤولون الصغار الذين كانوا أبواقا للنظام السابق، يُسيّرون شؤون المواطنين وهم معدومو المستوى والشرعية وحتى الأخلاق، وبات ضروريا إعادة هيكلة البرلمان ومجلس الأمة ومنح دماء جديدة في الجامعات وفي المستشفيات وفي السلك الدبلوماسي، وغيرها من الهيئات التي لم يُعلّم النظامُ الفاسد طاقمَها، غير الفساد.

لن يكف جرّ الحيتان الصغيرة الفاسدة إلى المحاسبة، لأن تواجد بعضها ممن لا يمتلكون الكفاءة في المسؤولية حتى وإن لم يقترفوا جريمة، هو في حد ذاته فساد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • جزائري حر

    المهم لا تنسى ان الحيثان الصغيرة موجودة حتى في الصحافة(الإعلام على العموم).

  • ابن الجبل

    الفساد الذي عم البلاد ، وأفسد العباد . وأصبح " الصح والحق " عملة نادرة . لقد خلق الفساد الحيتان الكبيرة والصغيرة في كل المجالات وعلى كل المستويات من البلدية الى الولاية الى المستشفى الىالادارة ...الخ . من الصعب أن تقنع أحدا بأن منابع الفساد قد تم تجفيفه ، ومن الصعب أيضا أن تقنع الكفاءات المهجرة لا المهاجرة بالعودة الى وطنها لقد ذل هذا الشعب حتى صارت علبة " الياوورت" غالية عليه ... لا لعودة الثقة الا بالتغير الجذري ، في الاشخاص وفي التسيير والتخطيط والسلوكات السلبية التي عبثت بالجزائر .

  • عمر

    المنجل لكل من خانوا الامانة