الخطّة الماكرة.. والرّجال الصّامدون

تمرّ الأرض المباركة بأيام صعبة ومحطّة فاصلة، ينبغي أن تسترعي اهتمامنا واهتمام الأمّة كلّها، خاصّة ونحن نعيش أيام رمضان شهر الجهاد والفتوحات.. غزّة العزيزة تتعرّض لمؤامرة شيطانية تهدف إلى إنهاء المقاومة وتنكيس راية الجهاد فيها. يريدون أن يسلّموا غزّة للمطبّعين وأولياء الصّهاينة ليجعلوها نسخة جديدة لأجزاء أخرى يتحكّم فيها الصهاينة بأيدي عملائهم! ما لم يستطع العدوّ الصهيونيّ تحقيقه على مدار 15 شهرا بالحرب والإرهاب، يريد تحقيقه بالحصار والتجويع والاستفزاز والمكر والخداع والاستعانة بعملائه الذين تهمّهم مصلحة اليهود أكثر من مصلحة الفلسطينيين!
بعد تولّي “ترامب” رئاسة الولايات المتحدة الأمريكية راعية الإرهاب الصهيونيّ، طرح فكرة تهجير سكّان غزّة إلى مصر والأردن، وهي فكرة مخادعة لا تُراد لذاتها، إنّما يريد “ترامب”من روائها هدفا آخر، فهو رجل مخادع يطلب المستحيل ليحصل على أقصى الممكن، كيف لا وهو الذي يقول: “كي تنجحَ في التفاوض، قم بتقديم عرض مبالغ فيه، وخارج التصور، يثير الرعب والهلع، ثم قم بتخفيفه لاحقا، للحصول على مكاسب لم تكن متوقعة من قبل”.
الهدف الحقيقيّ الذي يسعى إليه ترامب ونتنياهو وحلفاؤهما، هو إنهاء المقاومة في غزّة بالمكر والخداع والتحريض، بعد أن عجزوا عن نزع سلاحها بالحرب، وخطّتهم الماكرة تقضي باستنفار بعض العرب المطبّعين والخانعين إلى مؤتمر يتظاهرون فيه بالتعاون لمواجهة خطّة ترامب بالتهجير، فيقولون للعالم الإسلاميّ والعربيّ: “حتّى نحبط خطّة ترامب في تهجير سكّان غزّة ونتمكّن من إعادة إعمار القطاع، يجب أن نطالب حماس بأن تضع سلاحها وتسلم الحكم لسلطة عباس”! يطالبون حماس بذلك على أساس أنّه الحلّ الوحيد لتجنّب التهجير. يريدون أن يحرجوا رجال المقاومة وأسود الأمّة ويضعوهم في مواجهة شعب غزّة والشعوب المسلمة، حتى إذا رفضت المقاومة تسليم القطاع للمطبّعين، ستُتّهم بأنّها السّببُ في منع إعادة إعمار غزّة والسبب في تهجير سكّانها.. لقد بدأ تنفيذ الخطّة قبل شهر مع وقف إطلاق النّار، وجاء مؤتمر القمّة العربية الأخير ليثبّت هذه الخطّة الخبيثة ويحشد لها الإجماع العربيّ، والحمد لله أنّ بلادنا الجزائر تفطّنت للمؤامرة، ورفضت الانخراط في الخطّة القذرة خطّة خيانة المقاومة، وقاطعت القمّة العربيّة الأخيرة.
الصّهاينة الآن يمنعون دخول المساعدات إلى القطاع، والقطاع في هذه الأيام يمرّ بمحنة عصيبة، حتّى عاد شبح الجوع ليخيّم على غزّة وحتى مات أطفال بسبب البرد.. كلّ هذا حتّى يزداد الضّغط على المقاومة وترضخ لهذه الخطّة الخبيثة التي سمّيت خطّة إعادة الإعمار، وهي خطّة تفريغ غزّة من المقاومة.
أيّ نذالة هذه التي تجعل بعض العرب يسعون جاهدين ليحقّقوا للصهاينة ما عجز المحتلّون عن تحقيقه بالحرب والإرهاب! سلاح المقاومة لم يستطع الصهاينة نزعه بدباباتهم وطائراتهم وصواريخهم، وبعض العرب يريدون نزعه بمكرهم وخيانتهم!
هذه الخيانة مصيبة عظيمة، لكنّها ليست غريبة على من كلّ من باع دينه بدنيا غيره، ووقعها مؤلم على قلوب كلّ المسلمين، لكن لعلّ ما يؤلم أكثر من هذا هو أن يبرّرَ الخذلان باسم الدّين، ويخرج من بين أظهر المسلمين من يطعن في المجاهدين ويتّهمهم بالانحراف، ويؤيّد الخطّة الخبيثة بمحاولة إنهاء جهادهم المبارك.
بالتزامن مع خطّة إعادة الإعمار الماكرة، خرج لفيف من الدّعاة المستنفرين في بعض بلاد المسلمين، ليؤدّوا الدّور الموكل إليهم في الخطّة الخبيثة، فمنهم من راح يمجّد الساعين في إنهاء المقاومة بأنّهم أبطال يقفون في وجه خطّة ترامب بتهجير سكّان قطاع غزّة، ومن الدّعاة من أوكلت له مهمّة الطّعن في حركة المقاومة الإسلاميّة حماس، حتّى ينزع حبّها من قلوب ملياري مسلم ويمهّد لمطالبتها بتسليم القطاع!
كان يكفي هؤلاء المفتونين الذين يطعنون في حماس إثمُ خذلان المجاهدين وهم يواجهون العالم لأجل الأقصى وفلسطين، ويقدّمون أرواحهم دفاعا عمّا تبقّى من شرف الأمّة، ولكنّ المفتونين أبوا إلا أن يبوؤوا بإثم الطّعن في المجاهدين، وهو والله إثم عظيم عند الله.. وكان الأليق بالطاعنين أن ينشغلوا ببطونهم وأقمصتهم وعطورهم ويتركوا الرجال يخوضون معركة الشرف، ولكنّهم أبوا إلا أن يسقطوا إلى هذا الدرك السحيق.. لقد سجّلت كتب السير أنّ أبا محجن الثقفي –رضي الله عنـه- حينما انصرف في معركة القادسية (15هـ)، ليعود إلى سجنه بعد أن أثخن في العدوّ وأمال الكفّة لصالح المسلمين، رأته امرأة فظنته فارًا منهزما، فقالت تُعيّره:
مَن فارسا كرهَ الطعان يُعِيرُني * رُمحا إذا نزلوا بمرج الصُّفر!
فرد عليها أبو محجن قائلا:
إن الكرام على الجياد مبيتُهم* فدعي الرماح لأهلها، وتعطَّري!
فيا من تطعنون في رجال الأمّة: دعوا الرّماح لأهلها وتعطّروا!
أملنا في الله أولا أنّه لن يصلح عمل المفسدين ولن يهدي كيد الخائنين والطّاعنين، وأملنا في أسود الأمّة ثانيا أنّهم لن ينطلي عليهم مكر الماكرين.. إنّهم خطّ الدّفاع الأخير عن فلسطين، ووالله لئن سقطوا لسوف نرى الصهاينة في دمشق والقاهرة ولبنان، وسيصلون إلى أطراف المدينة النبويّة، سلّمها الله.
لقد أثلج الناطقُ باسم كتائب القسّام أبو عبيدة صدورنا بخطابه الأخير حينما قال في عزّة وثبات: “ما لم يأخذه العدو بالحرب لن يأخذه بالتهديدات والحيل، وتهديدات العدو بالحرب لن تحقق سوى الخيبة له، ولن تؤدي إلى الإفراج عن أسراه، ونحن في حالة جهوزية، استعدادا لكافة الاحتمالات”، وقال: “المقاومة لديها ما يؤلم العدو في أي مواجهة مقبلة”، وقال: “تهديد العدو بالعودة للقتال لن يدفعنا إلا للعودة لكسر ما تبقى من هيبته”.
يقيننا بالله أنّ هؤلاء المجاهدين لن تسقط لهم راية، وسيأتي يوم يندم فيه كلّ من شكّك في جهادهم وثباتهم، أو شكّ في تحقّق وعد الله بنصرهم، ويندم كلّ من خانهم أو خذلهم. ((وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ وَعْدَهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُون)).