-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الخوف من الإسلام، والخوف على المسلمين

الخوف من الإسلام، والخوف على المسلمين

أطفأت أضواء فرنسا، يد الله العلية، بعد أن ظلت تزعم أنها رافعة لواء حقوق الإنسان، وحامية مبدأ الدعوة إلى الفصل بين الدولة والأديان.

خاب أمل الكون فرنسا، التي احتلت بالقوة البلدان، وداست بعنجهيتها على كل الأديان، وألقت بأتباع الدين الإسلامي أحياء في نهر السين.

انخدع البعض بالشعارات البراقة لفرنسا، فوصفوها ببلاد النور، وببلاد الجن والملائكة، وما دروا، ما كانت تعانيه الشعوب التي ذاقت ويلات ظلم فرنسا من هدم للبنيان، وقتل وتعذيب للإنسان، وتحويل لمساجد وأوقات المسلمين لصالح عبدة الصلبان.

ولمن خالجه شك، في هذا الأمر، عليه أن يعود إلى دفاتر الأيام وذكريات الأعوام فهي شاهدة على جماجم الأبرياء من مختلف الأقوام.

ولا ينبئكم عن أفعال فرنسا، وجرائمها، كالجزائريين، الذين ضحوا بالملايين عبر السنين، وفقدوا الأحبة والصحاب، وكل ما هو ثمين، فما لانت لهم قناة، ولا ذل لهم جبين.

وكنا نعتقد، مخطئين، إن أفعال فرنسا هذه إنما يقوم بها المستوطنون من أبنائها في المستعمرات، والمرتزقة من جنودها مقابل الدريهمات، ولكن ما راعنا إلا أن فرنسا المتروبول، هي حاملة ثقافة الكراهية، ومغذية سلوك العنصرية، والمتمردة على مبادئ اللائكية الحيادية.

لم تقتصر فرنسا على سياسة الكيل بمكيالين في البلدان التي ابتليت باحتلالها، وإنما كشفت عبر السنين على أنها ينبوع ثقافة الميز العنصري، الذي تمتلئ بها مناهج مؤسساتها الدراسية، وقوانين مجالسها البرلمانية، وذهنيات سياستها بمختلف انتماء أحزابها وحكوماتها.

وبالرغم من تعاقب الحكومات، وتنوع الزعامات، فما زادت الأيام فرنسا إلا إعرابا عما كان مضمرا، وتجسيدا لما كان مستترا، وإبانة لما كان مبهما.

فلم تعد العنصرية، سلوك عامل في مصنع، ولا نظرة شزراء من مالك مضجع، وإنما أصبحت سلوك عنف من صاحب قبعة مفجع، وتصريحا لاذعا من سياسي مقذع.

هكذا تراءت فرنسا اليوم داخل حدود وطنها، تطبعها الإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام على أكثر من صعيد، وخوف المسلمين بالذات من سياسة الوعد والوعيد، التي هي أشبه ما تكون بعلاقة السادة والعبيد.

ففي كل بلدان العالم، تساس الشعوب بقانون العدل، والحرية والمساواة، و بتحلي الساسة بالخصوص، باللباقة، والحكمة، وفقه الميزان، إلا في فرنسا، التي انقلبت فيها الأدوار، وأصبح وزير الحماية والأمن، هو المناوئ لمخالفيه في اللون، أو في العقيدة، أو في المجلس، أو في الأقطار.

وإلا فما تفسيرنا للسياسي الذي يحرض على التفرقة، وهو المؤتمن على الائتلاف؟ وما تعليلنا في من يشن الحرب على طائفة من مواطنيه، لمجرد أنهم يدينون بغير ديانته، فيلعن حجابهم، ويبغض ثيابهم؟

فهل نلوم بعد ذلك من يتجنى على البنت المتحجبة البريئة، لمجرد أنها تحمل الحجاب؟

وكيف نفسر من يتجاوز كل الحدود ويدخل المسجد الآمن في يوم الجمعة مسلح بالسلاح الأبيض،  فيجهز على شاب مسلم بريء ويطعنه بخمسين طعنة،  ولا يكتفي بهذه البشاعة من الجرم، بل إنه يصور الجريمة، ويبثها في الفيس بوك، ويغادر المكان آمنا مطمئنا، خالي الضمير، سالم المصير؟

ألهذا الحد، هانت أرواح المواطنين الفرنسيين ذوي العقيدة الإسلامية، فأصبحوا لا يأمنون على حياتهم في الأماكن العامة، وفي الأماكن الخاصة؟

هل هي سياسة الغاب أصبحت تطل برأسها على بعض أنحاء فرنسا، وكل ذلك بسبب الإسلاموفوبيا أو الخوف من الإسلام، الذي انبثق عنه الخوف على المسلمين.

على أن هذه النتائج، ما كانت لتأتي لولا مقدمات خاطئة سبقتها، فعندما تقيد حريات العبادة لدى طائفة من المتدينين، ويحظر الحجاب على المسلمات، والزي الإسلامي على المسلمين، ماذا ينتظر أن يكون رد الفعل؟

والأنكى، أن رد الفعل لا يأتي من الضحية، بل يأتي من الجلاد، وضحايا هذه المقدمات متكاثر ون كل يوم في المؤسسات  المدرسية، وفي مساجد العبادة، وفي أماكن العمل، وكل هذا في نظام يرفع شعار اللائكية، وينادي بالمساواة والإخاء والحرية؟

إلى متى -إذن- تظل المصطلحات المظلومة هي السائدة؟ ويعيش بعض المواطنين من الفرنسيين، في ذعر وخوف، في العمل، والبيت، والعبادة، وفي الأماكن العامة؟

هل يحتاج المواطن الفرنسي، اليوم، إلى إعادة تفسير بنود دستوره، فتدفق له معاني اللائكية والتسامح، وأدب الاختلاف، والانفتاح على الغير، وهي كلها مفاهيم فقدت دلالاتها في الواقع الفرنسي، وأصبحت معانيها نشازا في سلوك الناس؟

إن الحاجة ماسة اليوم، إلى أن يهب عقلاء فرنسا وهم كثر، ويتجند الأدباء، والحكماء، والصلحاء الفرنسيون، وما أكثرهم، أن يهب الجميع، لإعادة صياغة ثقافة المواطن الفرنسية، سلوكا، ومعاملة، فيستعيد المجتمع الفرنسي نبله المفقود، ورشده المنشود، وخلقه المعهود، فيعيد لفرنسا، هيبتها، وحكمتها، وطمأنينتها، ويمحوا عنها الشبح النشاز الذي شوه صورتها، وكشف عورتها، وهز بين البلدان منزلتها.

إنه لعار، أن تنزل فرنسا، في عصر العلم والتقدم، والتكنولوجيا، إلى هذا الدرك الأسفل من التدهور، والانحطاط، فيسير المسلم فيها خائفا يترقب.

إنه لا مكان للإسلاموفوبيا اليوم، في زمن غزت فيه مختلف أنواع العلم العقول، وأصبح الكفر فيه مستحيلا.

إن الينبوع العميق الفرنسي، هو المسيحية، وأيا كان فهم الناس للمسيحية، فهي كما تعلن عن نفسها، ديانة التسامح، والأمن، والأمان.

أليست الديانة المسيحية هي القائلة في بعض نصوصها، إذا ضربك أحد على خدك الأيمن فأدر له خدك الأيسر.

فأين العقل الفرنسي، اليوم، من هذه المقولة؟

إننا بالرغم مما يسود الموقف الفرنسي من عتمة، وظلمة، نبقى متفائلين، فالعاقل من يتعلم بالأخطاء، والحكيم من يستفيد من أخطائه.

إن الخوف بجميع مدلولاته، سواء من الإسلام، أو من الأشخاص، أو على الأشخاص، هو مفهوم باطل، وما بني على باطل فهو باطل.

ولسنا بحاجة إلى شرح مبادئ الإسلام أو مقولاته، فالإسلام هو دين الناس كافة، وخاصيته الأساسية هي التسامح، وأدب الاختلاف، وشعار: (لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ)[سورة الكافرون، الآية 6].

(وَلَا يَنفَعُكُمْ نُصْحِي إِنْ أَرَدتُّ أَنْ أَنصَحَ لَكُمْ إِن كَانَ اللَّهُ يُرِيدُ أَن يُغْوِيَكُمْ)[سورة هود، الآية 34] وما أنا عليكم بوكيل.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!