-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الذكرى المئوية لـ”المنتقد “

الذكرى المئوية لـ”المنتقد “

الحرب الصليبية في رأي بعض المفكرين نوعان؛ نوع يسمى “الحرب الصليبية الصلبة”، وهي حرب مؤقتة مهما تطل مدتها، وأسلحتها هي السيوف والرماح والبنادق والمدافع والطائرات وما يخترعه الإنسان من أسلحة، ونوع يسمى “الحرب الصليبية اللينة” وهي حرب دائمة ما دام هناك حق وباطل ولا تنتهي إلى أن تبدل الأرض غير الأرض وتنسف الجبال فتصير كالعهن المنفوش، وأسلحة هذه الحرب هي ما اصطلح على تسميته “دبابة الأفكار”، لأنها تستهدف العقول بينما تستهدف الأولى الحقول، لقد شنّت علينا فرنسا الصليبية الحربين معا، لأنها كانت تستيقن من تجاربها وتجارب الصليبيين الغربيين معنا أن دوام تمتعها بخيرات حقولنا مرهون بقتل نفوسنا وعقولنا.

كان رمزنا في مواجهة الصليبية الصلبة هو المجاهد عبد القادر بن محيي الدين ومن جاء بعده من المجاهدين من 1830 إلى 1962، وكان رمزنا في مواجهة الصليبية اللينة هو الإمام المجاهد عبد الحميد بن باديس وصحبه وطلابه والوارثون لتراثه.. وقد اعتبر تقرير سري للفرنسيين مؤرخ في 24 جانفي 1958 أن الإمام ابن باديس هو “الأب الروحي لحركة التمرد في 1945 و1954، وملهم عقيدة جبهة التحرير الوطني”، ص: 494 من كتاب “ابن باديس من خلال تقارير المخابرات الفرنسية” للأستاذين حداد وطالبي.

كانت أسلحة الإمام في هذه الحرب الضروس هي المدرسة الحرة، والمسجد الحر والنادي والجمعيات، والأسفار والصحافة الحرة.. وأفتك هذه الأسلحة بالحرب الصليبية بعد الإيمان هو “العقل الشجاع” الذي قال فيه الشاعر: إن الشجاعة في القلوب كثيرة ووجدت شجعان العقول قليلا.

كانت الصحافة أحد أسلحة الإمام، فكان ينشر أفكاره في جريدة “النجاح”، فلما بدلت وغيّرت وركنت إلى الظالمين، ولعلها كانت مكرهة، نبذها الإمام، وعزم على أن يستقل بجريدته الحرة، فأسّس “المنتقد” في 2/7/1925 أي منذ قرن.. وكان شعارها الذي زلزل الصليبيين الفرنسيين هو: “الحق فوق كل أحد، والوطن قبل كل شيء”… ولأول مرة تقرع كلمة “الوطن” آذان الجزائريين. وكان عمدة الإمام في هذا المشروع الجهادي هو الشهيد أحمد بوشمال.

كان العقل الجزائري، آنذاك، مكبلا باستعمارين داخلي وخارجي بلغة الإمام الإبراهيمي، أو مغيّبا بفكرين هما: “الفكر الميت والفكر القاتل” بلغة الأستاذ بن نبي، وكان لابد من مصل مضاد لهذين الاستعمارين الطرقي المنحرف والفرنسي القاتل، وهذا “المصل” يمكن أن نسميه “الفكر الحي المحيي” ، ولا حياة إلا فيما سماه الشيخ أبو يعلى الزواوي “الإسلام الصحيح”، الذي يقضي على “الإسلام الطرقي المنحرف”، وعلى “الإسلام الجزائري” الذي أوحاه الشيطان الجني إلى أخيه الشيطان الإنسي المستشرق الصليبي الفرنسي لويس ماسينيون، وهذا الفكر الحي المحيي هو ما تشير إليه الآية الكريمة: “يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم”. كانت صيحة “المنتقد” شديدة على فرنسا الصليبية وأوليائها، فلم يصبروا عليها وسارعوا إلى وأدها في 13/10/1925.. وأغتنم هذه المناسبة لأترحم على الأستاذ الحبيب اللمسي التونسي صاحب دار “الغرب الإسلامي”، الذي أنفق قليل موجوده لجمع أعداد المنتقد المجاهد-الشهيد وإخراجه ليعلم الجيل الجديد أن: الزعامة والطريق مهولة غير الزعامة والطريق أمان.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!