الردع المطلوب بعد صدمة هنية
أَعتَبِرُ أن طريقة استشهاد إسماعيل هنية ودلالات المكان والزمان جميعا إنما تُشكِّل عناصر كافية لإحداث صدمة في تفكيرنا تجاه التعامل مع الكيان الصهيوني والغرب ولإعادة بناء هذا التفكير من جذوره بما يحقق الردع الكافي للجميع، وإلا فإننا لن نخرج من دائرة الاستضعاف والبقاء ضمن سيناريوهات الآخرين والسماح لهم بتكرار مثل هذا التطاول على سيادتنا ورموزنا القيادية الرسمية وغير الرسمية.
– أولا بالنسبة لطريقة استهداف الشهيد اسماعيل هنية: في كل الحالات سواء أكان ذلك بصاروخ من الخارج أو بقنبلة من الداخل إنما تدل الطريقة على استخدام واضح لِتكنولوجية دقيقة ومتقدمة، في مستوى تحديد الهدف أو التنفيذ أو فيما تعلق بالعامل البشري الذي قام بذلك، في مرحلتي التحديد أو التنفيذ. كلاهما، الأول الذي نُسمّيه عادة عميلا أو جاسوسا أو ما شئت، والثاني الذي نُسمّيه عسكريا أو خبيرا أو سمِّه ما شئت، معا كانا مُتحكِّمين في تكنولوجيا متقدِّمة لِيُحقَّقا الهدف. (أهل الاختصاص في المجال بإمكانهم التعرف على نوعية هذه التكنولوجيا)، ومنه نستخلص الدرس الأول: أن المعركة مع العدو تحتاج إلى سد هذه الفجوة العلمية التكنولوجية ووضع إمكانية تدمير أهداف مماثلة وبنفس الطريقة في القدس المحتلة مباشرة بعد تنفيذ عملية اغتيال الشهيد إسماعيل هنية في طهران باعتباره الرد الأول. في هذه الحالة فقط يمكننا أن نتحدث عن توازن تام في الردع؛ أي أن الكيان أو أيَّ قوة أخرى لن تتجرأ على القيام بما قامت به ولن تُهدِّد به كما فعل قائد الأركان الصهيوني عندما توعَّد جميع قادة الشرق الأوسط بأن مصيرهم سيكون كمصير هنية إذا لم يبقوا ضمن الإطار المرسوم لهم.
– ثانيا بالنسبة لمكان استهداف الشهيد إسماعيل هنية: الأمر يتعلق بعاصمة دولة إسلامية كبرى لديها جيش من أقوى جيوش المنطقة وقوة صاروخية ضاربة لا شك فيها، ومعناه أن الكيان الصهيوني ومعه القوى الغربية المتحالفة يُدركون أن هذه القوة الإقليمية لا تمتلك الردع الكافي بما لديها من قدرات عسكرية تقليدية (بما في ذلك الصاروخية).. ويُدركون أنه بإمكانهم هزيمتها في آخر المطاف وإِنْ تَطلَّب الأمر استخدام سلاح الدَّمار الشامل أي السلاح النووي. وعليه، فإنّ تصحيح هذا الخلل أصبح مُبرَّرا ومشروعا اليوم ليس بالنسبة لإيران فحسب، بل لجميع دول المنطقة الكبرى وبالأخص تركيا ومصر والسعودية. مسألة القدرة على الردع النووي لم تعد خيارا، بل مسألة دفاع عن النفس.. وهذه الدول ليست أقل شأنا من كوريا الشمالية التي لم يعد الغرب يتجرَّأ على إيذائها، وكذلك باكستان التي لم تعد الهند تُخيفها باستمرار، لِمَ لا إيران وتركيا ومصر على الأقل لِتلتحق البقية؟
يبدو أن أحسن رد إيراني رادع عمّا قام به الكيان والغرب من اعتداء على سيادتها هو إعلانها في القريب العاجل تحوّلها إلى قوة نووية للدفاع عن النفس.. مثل هذا الرد هو أفضل من أي سيناريو آخر محدود أو شامل ينتهي إلى إعطاء فرصة للكيان يستخدم فيها السلاح النووي ضد إيران وقد هدّد به غزة التي لا تمتلك قدرات إيران فما بالك بإيران أو أي دولة في المنطقة ترفع رأسها… الغرب لا يتوقف عن إيذاء الأمة الإسلامية من خلال الكيان أو بالوسائل الأخرى، ولن يتوقف عن تدمير أي منطقة أخرى كما فعل مع غزة، إذا لم يرتدع بهذه الطريقة. وهذا هو التحوُّل النوعي الذي ينبغي أن يحدث في تفكيرنا بعد صدمة الشهيد إسماعيل هنية.. نلخِّصه في كلمتين: التحكم في التكنولوجيا المتقدمة بالتعاون مع أصدقائنا الصينيين والروس، والردع النووي.. لا يهم متى يحدث ذلك ولكن كلما كان أقرب، أعاد الأمة إلى مكانتها وأوقف عنها التطاول والاستفزاز والظلم الذي تجاوز كل الحدود.