-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
مؤسس مركز "بروجن" للدراسات الاستراتيجية رضوان قاسم لـ"الشروق":

الرد الإيراني سيتجاوز البعد العسكري إلى تغيير قواعد اللعبة في المنطقة

الرد الإيراني سيتجاوز البعد العسكري إلى تغيير قواعد اللعبة في المنطقة
ح.م
مؤسس مركز "بروجن" للدراسات الاستراتيجية رضوان قاسم

يؤكد مؤسس مركز “بروجن” للدراسات الاستراتيجية رضوان قاسم، أن إيران قد تجاوزت ارتدادات الضربة الصهيونية المباغتة عليها، وشرعت في الرد عليها بسرعة وعادت مباشرة إلى زمام الأمر، ما يعني أن لإيران القدرة على تحمل الضربات.
ويتحدث الأستاذ رضوان قاسم في هذا الحوار مع “الشروق”، عن اختلالات ميزت إيران في الجانب الأمني والاستخباراتي خاصة أن الضربات الصهيونية كانت دقيقة، حيث استهدفت قيادات عسكرية رفيعة.
ويقدر المتحدث أن إيران مصمّمة على أن تكون صاحبة الكلمة الأخيرة، وهي من ستحدّد متى تنتهي الحرب، وبأي خاتمة.

أي تأثير سيكون على إيران بعد الضربة الإسرائيلية؟
أعتقد أن إيران استطاعت أن تستوعب الضربة، وعادت مباشرة إلى زمام الأمور، حيث قامت بتعيين قيادات جديدة بدلا من القيادات التي تم اغتيالها، خاصة على الصعيد العسكري. وهذا يعني أن لإيران القدرة على تحمّل الضربات، حتى لو كانت كبيرة وموجعة.
ففيما يخص المواقع العسكرية والنووية، تمكنت إيران من الخروج من الضربة بأقل الخسائر، ولم تتأثر كثيرًا، بل عادت بردّ سريع إلى الكيان الصهيوني، ما يبرهن على أن لديها الجاهزية والقدرة على الصمود، رغم فداحة الضربة.
إيران استطاعت الخروج من الأزمة المباغتة التي لم تكن متوقعة، خصوصا أن المفاوضات معها كانت جارية، والملفات مرتبة. لكن من الواضح أن نتنياهو ذهب بعيدًا، وقام بتقليب الطاولة، محاولًا جرّ أمريكا إلى الصدام مع إيران، وإفشال المفاوضات الأمريكية الإيرانية.
إيران استطاعت احتواء الضربة، وتحمّل نتائجها، وقامت بتعيين قيادات عسكرية جديدة بسرعة فائقة، كما أخلت العديد من المواقع النووية، ولم يظهر أن الضربات الإسرائيلية كان لها تأثير فعلي كبير، وهذا ما حدث بسرعة مذهلة، ويدل على قدرة إيران الفاعلة في إدارة الأزمات.
لكن من المؤكد أن هناك اختراقًا أمنيًا داخل إيران، سواء من قبل إسرائيل أو من خلال تعاون مع أطراف أخرى، مثل الولايات المتحدة وبريطانيا. فمن دون هذا الاختراق، لم يكن لإسرائيل أن تنفذ هذه الضربة النوعية.
لابد من وجود تواطؤ استخباراتي وتكنولوجي على أعلى مستوى. وربما هناك عملاء لإسرائيل داخل إيران سهّلوا هذه المهمة، ودلّوا العدو على أماكن تواجد العلماء والقادة العسكريين، خاصة مع الحديث عن اجتماع عسكري كان مستهدفًا. وهذا يؤكد حصول خرق أمني كبير.
نعم، إسرائيل نجحت في الضربة الأولى، لكنها لم تتمكن من شلّ إيران أو دفعها للاستسلام. بل إن إيران استوعبت الصدمة سريعًا، وردّت برد فعل لم يكن متوقعًا. الضربة كانت بداية الحرب، لكن من المتوقع أن تكون الخاتمة بيد إيران، لأنها هي من تملك زمام المبادرة حاليًا.

الضربة الإسرائيلية على إيران كانت كبيرة باغتيال قيادات واستهداف منشآت حساسة، هل ما حصل ناتج عن اختراق أمني، أم لتساهل في قراءة المشهد قياسا بتطمينات أمريكية؟
فيما يخص مسألة التساهل، بالتأكيد كان هناك نوع من الاسترخاء والتقدير الخاطئ من قبل الأجهزة الأمنية الإيرانية والقيادة السياسية، إذ لم يتوقعوا هجومًا من هذا النوع، وبهذا التوقيت، خاصة خلال سير المفاوضات. هذا التساهل ساهم في حدوث الخلل الأمني والاختراق.
نعم، هناك مسؤولية تقع على الداخل الإيراني، لعدم اتخاذ الاحتياطات اللازمة. والتطمينات الأمريكية كانت جزءًا من هذا الخداع، إذ بُنيت على اتفاق غير معلن مع إسرائيل. هذه التطمينات لم تكن موجّهة لإيران فقط، بل حتى لروسيا وسلطنة عمان، التي عرضت نفسها كوسيط، وحتى للإعلاميين والمحللين الذين صدّقوا نوايا واشنطن.
لكن ثبت لاحقًا أن كل ذلك كان غطاءً لتحضير الضربة. من غير الممكن أن تقوم إسرائيل بهذه العملية من دون الضوء الأخضر الأمريكي. فالتفاهمات تحت الطاولة بين أمريكا وإسرائيل كانت واضحة. ولهذا، فإن التطمينات الأمريكية كانت كاذبة، وساهمت في تضليل الموقف الإيراني.

إلى أي حد سيصل الرد الإيراني؟
الرد الإيراني كان قويًا جدًا منذ الجمعة وحتى السبت، هناك خسائر إسرائيلية واضحة رغم الرقابة المشددة على الإعلام.
الرد كان بحجم كبير، والإيرانيون أعلنوا أن هذه هي “الصفعة الأولى”، وأن إسرائيل ستندم. ما يعني أن المعركة لن تنتهي بسرعة، بل قد تمتد لأسابيع أو شهور، خاصة أن إيران ترفض التهدئة، ولا تقبل بإيقاف الضربات في الوقت الراهن.
الرد الإيراني سيكون حاسمًا، لأنه يتعلق بمصير النظام الإيراني. فالسكوت أو الرد الضعيف يعني سقوط النظام. لذلك، الرد سيكون قويًا، وقاسيًا، ليكون عبرة لإسرائيل وأي طرف يفكر في الاعتداء على إيران. هذه المواجهة سترسم مستقبل الشرق الأوسط.
إما أن تدخل المنطقة في مرحلة متعددة الأقطاب، وتكسر الهيمنة الأمريكية، أو تعود إلى سيطرة القطب الواحد، بقيادة أمريكا وإسرائيل كشرطي أول في العالم. لهذا، فإن الرد الإيراني سيتجاوز البعد العسكري إلى تغيير قواعد اللعبة في المنطقة.

وماذا عن أمريكا؟ كيف ستتعامل مع الحاصل خاصة وأنها بدأت سلسلة مفاوضات مع إيران حول برنامجها النووي؟

أما الموقف الأمريكي، فمن الواضح أنه لم يكن محايدًا، بل شريك في هذا العدوان. قدمت أمريكا الدعم لإسرائيل عبر الطائرات، والصواريخ، والذخيرة، والتكنولوجيا، وحتى الأقمار الصناعية والاستخبارات. لذلك، فإن إيران تعتبر أن أمريكا طرفا أساسيا في هذه الحرب، وترفض العودة إلى المفاوضات، بل توعدت بقصف القواعد الأمريكية في حال تمادى العدوان.
لم يتوقع أحد أن يأتي الموقف العربي بهذا الشكل المفاجئ، خصوصًا الموقف السعودي، الذي كان متقدمًا ومشرّفًا، واعتبر أن إيران دولة شقيقة، وأن العدوان عليها مرفوض. هذا الموقف فاجأ الجميع، وربما يكون بداية لتقارب إيراني-خليجي، له تداعيات إيجابية على إيران، وسلبية على أمريكا وإسرائيل.
الوضع الأمريكي بات محرجًا جدًا، ولم يعد بإمكان واشنطن لعب دور الوسيط. وقد شهدنا إدانات من دول كبرى مثل روسيا والصين، لأن ما حصل هو انتهاك صارخ لسيادة دولة عضو في الأمم المتحدة، وعضو في الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وموقّعة على معاهدة حظر الانتشار النووي، وعضو في تحالفات كبرى مثل “بريكس” و”شنغهاي”.
ربما تكون هذه الضربة سببًا في تعزيز الموقف الإيراني دوليًا. إيران اليوم الطرف المعتدى عليه، ويمكن أن تستثمر هذا الحدث لصالحها في المحافل الدولية، وعلى الصعيدين السياسي والإعلامي.
الموقف الأمريكي محرج، والعودة إلى المفاوضات لن تحصل بسهولة، قبل أن تردّ إيران بشكل يفرض معادلة جديدة. بعد الرد، يمكن أن تعود إيران إلى طاولة الحوار من موقع قوة، لا ضعف.
الظروف تغيّرت، والشروط الإيرانية بعد الضربة ستكون أعلى بكثير من ذي قبل. المعركة لم تنتهِ، وإيران مصمّمة على أن تكون صاحبة الكلمة الأخيرة، وهي من ستحدّد متى تنتهي الحرب، وبأي خاتمة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!