-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

السموأل المغربي: عالِم ليس كالآخرين!!

السموأل المغربي: عالِم ليس كالآخرين!!
ح.م
السموأل المغربي

العلماء فئات شتى، ورغم ذلك فالسموأل المغربي (524 هـ/1130م-570هـ/1175م) عالم من الصعب أن نصنفه في فئة من تلك الفئات، فهو يشكل فئة “وحيدة العنصر” بتعبير نظرية المجموعات! ولعل أبرز ما يميزه أنه قدم “نموذجا للعلاقات العلمية والثقافية” بين مغربنا والمشرق الإسلامي.

من المغرب إلى المشرق

ينتسب السموأل إلى عائلة يهودية عاشت في مدينة فاس المغربية. غادر والده هذه المدينة العريقة نحو المشرق العربي. وحطّ الرحال ببغداد لمدة معتبرة، وتزوج يهودية من البصرة؛ كما أقام بحلب (سوريا) حتى سنة وفاته.
يقول السموأل بخصوص أمه إنها كانت من “المنجبات في علوم التوراة والكتابة بالقلم العبري “. ومما جاء في وصفه لأبيه قوله: “أبي كان يقال له الرآب يهوذا بن آبون من مدينة فاس … والرآب لقب وليس باسمٍ، وتفسيره الحبر، وكان أعلم أهل زمانه بعلوم التوراة وأقدرهم… وكان اسمه المدعو به بين أهل العربية ‘أبا البقاء’… وذلك أن أكثر متخصصيهم يكون له اسم عربي غير اسمه العبري”.
وقد كتب السموأل سيرة حياته مفصلة في كتابه “بذل المجهود في إفحام اليهود”. فكان ابنًا بارًا بوالديه اللذين اجتهدا في تعليمه. قال حول حرص أبيه على تعليمه: “وشغلني أبي بالكتابة بالعلم العبري، ثم بعلوم التوراة وتفاسيرها… [و] شغلني حينئذ بتعلم الحساب الهندي، وحل الزيْجات … وقرأت علم الطب [وتأملت] في علاج الأمراض ومشاهدة ما ينفع مع الأعمال الصناعية في الطب والعلاجات التي يعالجها خالي ‘أبو الفتح البصري’ “. ويضيف : “قرأت الجبر والمقابلة … والهندسة … وأنا في ذلك متشاغل بالطب حتى استوعبت…. من هذه العلوم… كان بي من الشغف بهذه العلوم والعشق لها ما يلهيني عن المطْعم والمشْرب”.
كان السموأل من العلماء الذين تركوا مؤلفات كثيرة يقدرها البعض بـ 85 مصنفـا (من كتب ورسائل ومقالات). وقد تفقّه في أصول الأديان السماوية وأبدع في الطب والرياضيات بوجه خاص. وهو يمتلك أسلوبا رياضيا متميزًا ليت من يؤلفون اليوم في الرياضيات يستشهدون به. كيف لا تنبهر وأنت تقرأ العبارات التالية في كتابه ‘الباهر في الجبر’ الذي ألفه ولم يتجاوز سن التاسعة عشر:
“التحليل هو ردّ المركب إلى بسائطه المقومة لذاته، وإليه أشار الحكيم بقوله أول الفكر آخر العمل، وآخر الفكر أول العمل. ومن أراد أن يجد مطلوبا ما أو البرهان على قضية ما فليجعل مطلوبه مفروضا وينظر ما يلزم من ذلك ويلزم من لوازمه حتى ينتهي إلى معلومات بسيطة. فإن كانت صادقة ركّب ما حلّله وابتدأ من حيث انتهى به التحليل. وإن كانت تلك البسائط كاذبة علم استحالة مطلوبه فأضرب عنه”.
ويمكن أيضا التأمل في دقة وسلاسة تعبيره حول عمليتي الجمع والطرح حين يكتب: “إذا نقصنا عددا زائدا من عدد ناقص بقي مجموع العددين ناقصا، وإذا نقصنا عددا ناقصا من ناقص أكثر منه بقي تفاضلهما ناقصا، وإن كان الناقص أقل من المنقوص بقي تفاضلهما زائدا، وإذا نقصنا الناقص من الزائد بقي مجموعهما زائدا”. وبخصوص عملية ضرب الأعداد الموجبة والسالبة، يقول إن “ضرب الناقص في الزائد ناقص وفي الناقص زائد”. هذا ما كتبه السموأل خلال القرن الثاني عشر في الوقت الذي ظل فيه مفهوم العدد السالب في أوروبا غير معتمد رسميا حتى القرن التاسع عشر!
ونجد في كتاب “الباهر” مثلا وصفا دقيقا لقانون ثنائي الحد المرتبط بالمثلث المعروف في كتبنا المدرسية وكتب الغرب بمثلث باسكال Pascal (1623-1662). لكن السموأل -الذي عاش 4 قرون قبل باسكال- ينسب هذا المثلث إلى أبي بكر الكَرَجي (أو الكَرْخي) المتوفى عام 429هـ/1020م (أي 6 قرون قبل باسكال) . ومن المعلوم أن الكتب الرياضية الغربية أصبحت اليوم تذكر الكرجي، وتعترف بفضله عند الإشارة إلى هذا المثلث.

إسلام السموأل

من المعلوم أن السموأل استقر بعيدا عن أبيه وأهله حيث طاب له المقام في مدينة مراغة الشهيرة (أزيربجان، في إيران حاليا). وهناك أعلن إسلامه. وقد فصّل في كتاب “بذل المجهود في إفحام اليهود” الأسباب التي أدت به إلى تغيير عقيدته. وأوضح -وهو المتضلّع في اللغة العربية- أن فصاحة القرآن هي التي اكتشف فيها “المعجزة التي لا تباريها الفصاحة الآدمية” حيث يقول:
“كنت لكثرة شغفي بأخبار الوزراء والكتاب قد اكتسبت … قوة في البلاغة ومعرفة بالفصاحة، وكان لي في ذلك ما حمده الفصحاء وتعجب به البلغاء. وقد يعلم ذلك مني من تأمل كلامي في بعض الكتب التي ألفتها في أحد الفنون العلمية. فشاهدت المعجزة التي لا تباريها الفصاحة الآدمية في القرآن فعلمت صحة إعجازه”. ويسترسل بالقول: “ثم إني لمّا هذّبت خاطري بالعلوم الرياضية، ولاسيما الهندسية وبراهينها، راجعت نفسي في اختلاف الناس في الأديان والمذاهب…”.
تجوّل السموأل في أوطان عديدة، منها العراق وسوريا وكوهستان (جزء من بلاد فارس) وباكستان وأفغانستان وأزيربجان. ويذكر في سيرته أنه كان في مدينة مراغة يوم 8 نوفمبر 1163م. واعتنق هناك الإسلام بعد تفكير طويل وعميق مكنّه من مقارنة معتقدات وشعائر مختلف الأديان.
ما يلفت الانتباه في السموأل العناية الكبيرة التي كان يوليها لأبيه كي لا يصدمه بخبر إسلامه، وكيلا يحزن وتذهب نفسه على ابنه حسرات. ولذلك أخفى السموأل إسلامه على أبيه خلال 4 سنوات كاملة. وما يعقِّد هذا الأمر هو أن الأب كان من رجال الدين اليهود ومن أعيانهم، كما أصبح الابن أيضا من كبار العلماء ومن الأعيان في مراغة. وبعد ذلك عزم السموأل على مصارحة أبيه الذي كان مقيما آنذاك في حلب. ولما بلغه الخبر عكف على السفر لملاقاة ابنه في مراغة فتوفي خلال طريقه قبل لقاء ابنه.
وفي كتابه “بذل المجهود في إفحام اليهود” أسّس السموأل حججه على رصيده القوي في علوم الأديان السماوية واتبع التسلسل المنطقي: نقول لهم (أي لليهود).. فإن قالوا.. قلنا (يقصد نفسه) وكان يورد في كل مرة نصوص التوراة بالعبرية ويشرحها باللغة العربية. يقول السموأل في هذا الباب: “… علمت أن العقل حاكم يجب تحكيمه على كليات أمور عالمنا هذا”.
وهكذا نرى أن السموأل المغربي عالم ليس كسائر العلماء، فمسيرته العلمية والعقائدية جديرة بالدراسة ليس من مؤرخي العلوم فحسب بل من المؤرخين الآخرين أيضا!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
8
  • رياد

    لكن أين علمه !!
    ماذا أستفاد البشر من علمه؟
    تذكر بأن العالم الحقيقي هو الذي يختصر علمه
    والعالم الذي يريد أن يتعلم هو الذي يثرثر بما تعلم
    على كل حال أنا أرى كل إنسان يعلم الكثير
    لكن ليس كل إنسان يعلم بأنه يعلم الكثير
    لهذا الباب الأول في العلم هو أن يتعلم الجميع من الجميع
    لأن الجميع علماء بشكل أو بأخر يعلمون ما يكفي
    حين يتفاعلون بعلمهم يكشفون كل ما جهل
    فتفاعلهم بعلمهم يشكل دماغ عملاق عظيم
    ذاك الدماغ هو العالم الحقيقي

  • موح

    مقال شيق ممتع عرّفني بإنسان ذي روح وثّابة متطلّعة و عالم فضولي جريء جدير بأن يُعرف و يُذكر. لا شك أني سأسعى لقراءة كتابه المذكور. شكرا للأخ الكاتب.

  • Ahmed

    بارك الله فيك
    أما قوله: "يقول السموأل في هذا الباب: “… علمت أن العقل حاكم يجب تحكيمه على كليات أمور عالمنا هذا” ---- فظاهر البطلان علئ الأقل في العقيدة و الغيبيات لأن العقل ناقل و من أراد المزيد عليه بكتب العقيدة لأهل السنة خاصة ابن تيمية رحمه الله في درء التعارض

  • عقبة كمال

    شكراً لك يا أستاذ على هذا المقال المفيد.بحثت عن كتابه "بذل المجهود في إفحام اليهود" فوجدت طبعة دمشق و لبنان مع تقديم و تخريج و تعليق عبدالوهاب طويلة..و أورد هنا ما علق عليه الأستاذ طويلة: "و يدل هذا الكتاب على واسع علمه و كثرة خبرته...و لا يزال هذا الإفحام يتحدى أحبارهم حتى يومنا هذا. و هو يتبع طريقة (الفناقلة) فيورد السؤال، ويتصور جوابه و ما يُمكن أن يستدرك عليه، ثم يرد على ذلك كله و يجيب عنه ساداً الأبواب كلها على خصمه و مُحكماً القارىء في ذلك: نقول لهم...فإن قالوا...قلنا...و هو يورد النصوص باللغة العبرية ثم يفسرها باللغة العربية...". أنصح المهتمين بقراءته.

  • MARROKI

    allah yarham wlidat lmaroc.....

  • Mohammed

    السلام عليكم
    بارك الله فيك على المقال الرائع والقيم.
    لو زودتنا بمقال آخر عن العالم إبن حمزة الجزائري والعالم محمد الصغير الأخضري
    تحياتي

  • Ziryab

    شكرا لك على هذه المعلومات القيمة. لم أكن أعرفه من قبل حتى عرفته بفضل مساهمتك.
    ملاحظة : كم هي المسافات التي كان يقطعها الطلبة من أجل اكتساب العلوم. : آلاف الكلمترات على الدواب أو مشيا. و كل ذلك على نفقتهم. و اليوم التعليم مجاني على بعد أمتار. و البحث عن المعلومة يكلفك نقرة على الحاسوب و مع ذلك تجد الأمية و الجهل و التخلف و الدجل يعشش في مجتمعاتنا.

  • .........

    فرحت بقولك انه اسلم