-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الشرف العربي المستباح بين الصهيونية والصفوية والطورانية

حبيب راشدين
  • 1348
  • 5
الشرف العربي المستباح بين الصهيونية والصفوية والطورانية
ح.م

إذا كانت إيران تتبجح باحتلالها لأربع عواصم عربية، فإنَّ غريمتها التاريخية تركيا الطورانية قد حق لها الادِّعاء في الحد الأدنى بوضع اليد على عاصمتين عربيتين وُضعتا تحت الحماية: الدوحة وطرابلس الغرب، وقد تنافس غريمتها بادِّعاء الحق في نصرة “الإخوان” حيثما وُجدوا، كما تدّعي إيران نصرة الأقليات الشيعية حيثما وُجدت. سلوكٌ توسعي يذكّرنا بادّعاء النازية نصرة الأقليات الجرمانية حيثما وجدت.

نصيبٌ كبير من هذه الاستباحة للشرف العربي ولأمنه القومي، تتحمله الدولُ والشعوب العربية التي عادت في غالبيتها إلى ما كانت عليه قبل أن يعزها الإسلام، تتعامل مع محيطها كما كانت تتعامل إمارتا: “الغساسنة” الأزدية اليمينية كقوة عميلة للإمبراطورية البيزنطية، و”المناذرة” اللخمية التي حكمت جزءا من العراق تحت عباءة الإمبراطورية الفارسية، يتاجران بمصالح وشرف بقية قبائل العرب الفاقدة للرؤية وللمصير.

التقاعس العربي، وخيانة كثير من الدول العربية للشعب العراقي، والتآمر على نظام صدام حسين، هو الذي سهّل الاحتلال الأمريكي قبل أن يورث العراق لإيران على طبق من ذهب، ومعه فسحة للتمدّد شمالا في الشام وجنوبا في اليمن، كما كان للدول العربية دورٌ بارز في التآمر على ليبيا ودعم حلف النيتو في إسقاط نظام الجماهيرية، قبل أن يسلّم ليبيا لحربٍ أهلية مستدامة، مهدت لهذا التدخل العسكري التركي الذي لا يقلّ استفزازا للشعوب العربية عما لحق بها من النسخة الحديثة للدولة الفارسية الصفوية.

وكما ادّعت النخبة العراقية المعارضة التي حُملت على ظهر الدبابة الأمريكية أنه: ينبغي لأشقائهم العرب أن يعذروهم في استنجادهم بالأمريكان، ثم بالإيرانيين لإسقاط نظام شمولي، ثم لقهر وترويض مقاومة اتهمت بالإرهاب ووصفت بالدواعش، فإن الأشقاء من النخب الليبية التي أسقطت نظام القذافي بمعاول حلف النيتو يقولون اليوم لأشقائهم في المغرب العربي: “اعذرونا في استنجادنا بالدولة التركية لردع التحالف العربي الأوروبي الروسي” الحاضن لجماعة حفتر، فيما يدّعي الطرف الآخر بشرق ليبيا أنه: كان مضطرا للاستقواء بمصر والإمارات ومجموعات “مرتزقة فاغنر” لتحرير العاصمة الليبية من الميليشيات والجماعات الإرهابية.

والحصيلة هي كما نرى اليوم على الأرض، بداية تقسيم فعلي على الأرض، عند منطقة سيرت بالقرب من رأس لانوف، حيث شيّد الاحتلال الإيطالي قوس “الإخوة فيليني” ليشطر ليبيا إلى شرقية وغربية، كان الاحتلال الايطالي قد استحلبه من واقعة تاريخية تعود إلى أكثر من 2500 سنة، حين كانت ليبيا موطن تنازع بين الفينيقيين في قرطاج، والحضور اليوناني بمصر، وقد توقفت اليوم القوات المدعومة من تركيا عند هذا الخط الفاصل، في انتظار ما ستُفضي إليه مفاوضات تقسيم النفوذ بين الأمريكان والروس.

بجرة قلم، أخرِج أغلب اللاعبين الذي غذوا الحرب الأهلية في ليبيا منذ 2011 وذهبت جهودهم واستثماراتهم أدراج الرياح، وبقي الروس والثنائي الأمريكي التركي لاحتساب القسمة، مع أفق قاتل لليبيا في حال تعذر حصول الاتفاق على اقتسام المغانم، لأن الروس الذين عملوا خلف الستار، لن يسمحوا لأردوغان بالاستثمار في إخفاقات قوات حفتر للتقرّب بانتصاراته زلفى من الراعي الأمريكي.

في هذه المواجهة المفتوحة على المجهول، سوف يكون الخاسر الأكبر: الشعب الليبي المهدَّد بجولةٍ جديدة من استدامة الحرب الأهلية وربما بداية التقسيم، ودول الجوار (مصر وتونس والجزائر) المهدَّدة بواحدة من الآفتين: صوملة مستدامة لليبيا، تستقطب فلول الإرهابيين من أصقاع الأرض، أو تقسيم يستبيح شرق ليبيا لقواعد روسية، وغربها لقواعد جديدة لحلف النيتو.

وما يثبت الآن على الأرض عسكريا وسياسيا، يكون قد أخرج دول الجوار نهائيا من اللعبة، حتى مع تجدّد المبادرات من مصر ومن دول المغرب العربي في الوقت بدل الضائع، ولن يكون بوسع مصر أو الجزائر تدارك ما فاتهما من فرص للتكفل بالملف الليبي ومنع تدويله، مع سلوكهما المتهيّب، الذي حمل مصر على المقاولة من الباطن لـ”الجنون الإماراتي”، وكبَّل إرادة القيادة الجزائرية بوهم دعم الشرعية الدولية التي لم تُعرها لا تركيا، ولا الإمارات، ولا فرنسا وإيطاليا، ولا الروس أي اعتبار، وسوف يدفع البَلدان ثمنا غاليا لهذا التساهل مع العبث الدولي بأمنهما القومي، وقد كان بوسعهما، مع قدر من الجرأة والتجاوز على الخلافات، تسوية الأزمة الليبية إما سياسيا أو عسكريا، مع وجود غطاءٍ دولي أو من دونه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
5
  • حوحو - الجزائر

    الشرف العربي المستباح بين الصهيونية والصفوية والطورانية ..............وقد انتهكوا هم أيضا شرف العديد من الشعوب والأمم وارتكبوا في حقهم جرائم لا تتسع الكتب لجردها بل جرائم ضد الانسانية بمفهومه الحالي : استغلال خيراتهم واستعباد أبنائهم وسبي نسائهم ومحاربة هوياتهم .......... وما خفي أعظم

  • محمد

    التخلف الفكري لدى شعوبنا وساساتهم وحتى من يعتبرون أنفسهم مفكرين لا يترك مكانا للتبصر فيما يحصل لهم بموضوعية.هذا القصور البيولوجي ناجم عن تكميم أفواه المواطنين في عالمنا وسد الآفاق الرحبة لمن يريد تبليغ ما يغير أوضاعنا حتى في الجرائد لأنهم يعتبرون أنفسهم مالكي العقل وحدهم فأصبحوا يرددون ما تشتهي إرادة الحكام الفاسدين.استنباط الحلول لا يكمن فقط في تكرار أحداث التاريخ المعلوم لدى العام والخاص إنما يحتاج إلى الجرأة لمطالبة القاصرين بضرورة تغيير منهاجهم والاعتماد على المبادئ الأولية في قيام الدول واستمرارها وإلا فرضت عليها العوامل الطبيعية الاندثار مهما لجأت إلى المراوغة على شعوبها أو تبرأت لعجزها

  • أحمد الأحمدي

    و المدخلية ...

  • محمد المجاجي

    السلام علكيم
    أتفق معكم تماما الأستاذ راشدين. لقد تمكن العدو من نفخ المصريين فجعل الكثيرين من النخب يتوهمون بأن مصر قلب العالم وأم الدنيا؛ وهناك منا في الجزائر من يروج لكلمة أن الجزائر بحجم قارة ولم يقل الروس ولا الأمريكان ولا الصينون أن دولهم بحجم قارة. وإذا كانت الجزائر بحجم قارة فقل عنها أنها إفريقيا وانتهى الأمر. ومن هنا فأنا أطلب من الجزائريين وإخواننا المصريين أن يكونوا تكتلا قويا ويرموا وهم أم الدنيا والدولة القارة في سلة المهملات لمواجهة التحديات الخطيرة التي تجعل من بلدينا قصاصات ورق تذروها الرياح. سلامي الحار

  • أعمر الشاوي

    أخطونا يا العرب.