-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“الشروق العربي”.. هكذا بنى علي فضيل صرحه الإعلامي

حسان زهار
  • 1419
  • 1
“الشروق العربي”.. هكذا بنى علي فضيل صرحه الإعلامي
ح.م

يعتقد الكثيرون أن الراحل علي فضيل، رحمة الله عليه، بنى امبراطوريته الإعلامية الحالية “الشروق” انطلاقا من مساعدات الدولة أو جهات أخرى، ولا يتصورون أن الرجل بدأ من الصفر، وحين نقول الصفر فنحن نقول الصفر بكل ما يحمله من معنى.

قبل 28 سنة ومع بداية الانفتاح الإعلامي، أسس علي فضيل أسبوعية الشروق العربي، كأول عنوان في قائمة الصحافة المستقلة حينها، وقد كان لي الشرف حينها، وقد كنت طالبا جامعيا في معهد العلوم السياسية، أن كنت من المؤسسين الأوائل لهذا العنوان الكبير، العنوان “الأم” الذي ولد بعدها كل هذه العناوين الأخرى التي تعرفونها، سواء المكتوبة أو الإلكترونية أو المسموعة والمرئية، وهو العنوان الذي حقق من النجاح في وقته ما لم تحققه صحيفة أخرى داخل الجزائر وحتى في العالم العربي، لأنه كسر “طابوهات” كثيرة، كان الأستاذ علي فضيل يحرص على كسرها بحسه الصحفي العالي، وعلى رأسها “طابو” النقد السياسي، و”طابو” العلاقات الاجتماعية.

حينها اجتمعت بأقدار الله ثلة من الصحافيين الشباب، الذين كان للأستاذ علي فضيل الفضل في اكتشافهم،  كما كانت له شجاعة المغامرة معهم، وهم جامعيون بلا خبرة إعلامية بالكامل، أكبرنا كان عمره 24 سنة، وإن أذكر هنا من الأسماء فلا يسعني إلا أن أذكر: الإعلامية القديرة حسيبة تونسي شفاها الله، التي كانت بمثابة الأخت الكبرى لنا، الصغير سلام بنشاطه المذهل وأنفه “القبائلي” الدقيق، وحسين لقرع برزانته المعروفة وأسلوبه الفريد في الحديث، رشيدة ابراهيمي بتحقيقاتها المميزة، رشيد فضيل بحضوره اللافت ورعايته الأخوية، توفيق فضيل بحواراته الفنية الناجحة، الدكتور رشيد حميدي بصفحته الطبية الناجحة.. إضافة إلى أسماء أخرى لا تقل حضورا مثل بوهالي محرز رؤوف، المصور مراد ضيف، ليلى ماموزي، السعيد بن سديرة.. وفي التقني عمي علي حكار وعمار عزوي وصالح فضيل إلخ.

ورغم الإمكانيات البسيطة وقتها، إلا أن الأستاذ علي فضيل عمل على تطعيم الطاقم بأسماء كبيرة، كان لها دورها الفعال في تعزيز التجربة الرائدة، حيث التحق بالطاقم “الباشا” خالد عمر بن ققة، “السردوك” سعد بوعقبة، الشاعر الكبير عياش يحايوي، المبدع ياسين فضيل، وغيرهم أعتذر لمن نسيت أسماءهم.

كانت التجربة من البداية مدوية وجارفة، وكانت رعاية الأستاذ علي فضيل لكل حرف يصدر بالجريدة وراء ذاك التألق الكبير، إلى أن بدأت الجريدة تخرج من دائرة الخطر، بسبب قلة الموارد المالية، وتقتحم عالم النجاح من أبوابه الواسعة، حتى أن حجم الرسائل التي كنا نتلقاها بعد انتقالنا من المقر الأول بحيدرة إلى دار الصحافة بالقبة، تعد بعشرات الآلاف، تتطلب أن يتفرغ لها الطاقم العامل بالكامل على الأقل مرة في الأسبوع لكي يتم فرزها وقراءتها وتوزيعها على الأقسام، بينما كانت النسخ المطبوعة تباع أحيانا تحت الطاولة، وكان ذلك يسعدنا جدا، نحن الشباب الذين فتحنا أعيننا على عنوان بكل هذا السحر.

ولعل ما لا يعرفه الكثيرون، أن الشروق العربي، ومن خلفها الأستاذ علي فضيل وقتها والطاقم الذي اشتغل معه، كان في مواجهة مفتوحة مع الإرهاب ومع الدولة البوليسية بعد انقلاب 92، ورغم أن الجريدة كانت من بين العناوين القليلة التي دافعت على خيار الشعب (خاصة في ركني منشاريات الذي كنت أكتبه وصيحة السردوك)، ورفضت توقيف المسار الانتخابي، إلا أنها كانت مستهدفة من كل الأطراف، حتى أننا وقتها دفعنا أثمانا باهظة، كان فيها علي فضيل أبا للجميع، يتلقى الصدمات بصدره ما استطاع ولا يتأخر لحظة عن تقديم المساعدة.

كانت الاعتقالات التي تمارسها سلطة الأمر الواقع وقتها لا تكاد تتوقف، وعربات الدرك الوطني لا تكاد تغادر مقر الجريدة، يعتقل علي فضيل، ويعتقل الصحافيون وتكاد الشروق العربي تكون خالية على عروشها، لكنها تواصل العمل بالحد الأدنى من العمال، فقد كان التحدي أكبر من أن نتوقف أو نجبن، وكان علي فضيل أكبر من أن تؤثر فيه تلك الممارسات، حتى أني أذكر أنه عندما علم أني اضطررت للهرب إلى أحد الأحياء الجامعية لاستكمال أحد الأعداد بعد أن تم اعتقال جل الصحافيين بمن فيهم علي فضيل، قبل أن أسلم نفسي لدرك بوزريعة، التفت إلي وقال لي بالحرف: كنت أعلم أني تركت ورائي الرجالة.

كان علي فضيل يصنع الرجال لأنه من طينة الرجال، كان يشحذهم لمواجهة المصاعب لأنه واجه قبلنا تلك المصاعب فما استكان ولا تراجع، وحتى عندما كان سيف الإرهاب يقطف في كل مرة صحافيا أو صحافية من الشروق، كان هو دائما من ينتفض ويعلن المزيد من التحدي في مواجهة قوى التعتيم والخيبة.

الذين سقطوا من الشروق العربي كانوا كقطع من اللحم تقطع من أجسامنا جميعا، لكن ألم علي فضيل كان دائما هو الأعلى، طريقته في الانتقام هي الإصرار على المزيد من النجاح، المزيد من التحفيز لكي لا يتوقف صوت الشروق العربي في مواجهة ظلام الإرهاب والاستبداد.. وعندما عجزت كل محاولات خنق العنوان، وإجبار علي فضيل على رمي المنشفة، تولت سلطة أحمد أويحىى غلق العنوان، وتشريدنا أكثر من سنة، تحوّلت خلالها الأسبوعية إلى مجلة، اشتغل خلالها الطاقم الشروقي مجانا تقريبا، فقد كنا نأخذ أجورنا من عند الله ومن خلال وقفة الأستاذ علي فضيل معنا في الماضي، فكان الكل يبادر إلى أن يرد بعضا من دينه تجاه هذا الرجل العظيم.

وصراحة كنا نحتار وقتها في هذا الصمود الأسطوري الذي تمتع به الأستاذ علي في عدم الإذعان لفكرة غلق العنوان، وقد أغلقت كل الأبواب في وجوهنا، إلى أن أدركنا بعدها، أن وراء الأمر إصرار عجيب على النجاح، وخطة مرسومة بدقة لكي تكون الشروق العربي بداية الطريق الحتمي لمجمع ضخم لا يضاهيه في القوة والتأثير مجمّع آخر، وشيئا فشيئا، فهمنا أننا كنا جميعا جزءا من مشروع عظيم، مشروع رسمه علي فضيل في ذهنه، لكي يكون صدقة جارية له بعد الموت، تقال فيها كلمة الحق، ويدافع فيها عن المظلومين، ليصله ثواب كل ذلك وهو في القبر.

فاللهم جازي فقيدنا الغالي، علي فضيل، بكل حرف نكتبه أو نقوله، ونسألك اللهم أن يكون قد ارتقى بجهاده العظيم في معركة الإعلام الحر، إلى مرتبة الشهداء والصديقين، فقد قال ملايين كلمات الحق في وجه سلطان جائر،  وفي وجه كل خائن غادر.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • جزائري

    وكنني أقرأ لتشي قيفارى أو نيلسون مونديلا أو ماوتسي تونق ... الخ