-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الشعب بين حلين.. أيهما أسلم؟

الشعب بين حلين.. أيهما أسلم؟
ح.م

مَرَّت عدة أسابيع تم فيها تبادل الآراء وتقديم مبادرات لا تُحصى من قبل أفراد ومجموعات وأحزاب من كل المشارب والاتجاهات والمستويات الاجتماعية. واليوم تكاد جميعها تنقسم إلى موقفين أساسيين: واحد يريد توفير الأسباب الضرورية لإجراء انتخابات تكون نزيهة بالقدر الكافي لبدء إعادة الشرعية للشعب تدريجيا، وآخر يريد تأجيل هذه الانتخابات إلى فترة قد تطول أو تقصر يتمُّ فيها مراجعة كل الأسس التي ينبغي أن تقوم عليها جمهوريةٌ جديدة.

للوهلة الأولى، يبدو الحل الثاني هو الأسلم والأفضل. إجراء انتخابات في ظرف قصير لن يُمكِّن النظام السياسي القائم إلا من استعادة استنساخ نفسه، أما الدخول في مرحلة انتقالية، فإنه سيمكِّن من إعادة ترتيب البيت بهدوء بما في ذلك إعادة النظر في الدستور والقوانين الانتخابية وكافة أسُس الدولة…

ويُقَدَّم هذا الحل كحُلم وردي لا يحمل سلبيات ولا تُحرّكه خلفيات، فيتعلق به جزءٌ من الحراك ويرفض جملة وتفصيلا الحل الأول، الأكثر واقعية في تقديري والأقدر على أن يُجنِّبنا ما تُخفيه المرحلة الانتقالية المقترَحة من مسائل غامضة أذكر منها ثلاثا على الأقل:

1ـ مَن يقود هذه المرحلة الانتقالية؟ وكيف يتم اختيارهم؟ وبأي توجه فكري وسياسي ووفق أي مشروع مجتمع يتحرَّكون؟

2ـ إذا كُنَّا لا نستطيع توفير الشروط لانتخاب رئيس جمهورية جديد، على أي أساس نستطيع اختيار مجموعة تقود المرحلة الانتقالية أو تُشرِف على مجلسٍ تأسيسي؟ وكيف يكون التمثيل الشعبي فيه؟

3 ـ ما هي المرجعيات التي على أساسها سنُعيد النظر في الدستور وقوانين الجمهورية وأسس الدولة المختلفة؟ هل هي نوفمبرية أم غيرها من المرجعيات؟ وما هي؟

لذا، فإن السعي لتحقيق الحل الأول، هو الأفضل في تقديري أيضا لثلاثة اعتبارات على الأقل:

1ـ إمكانية تجاوز عقبة التزوير بتغيير رئيس الدولة ورئيس الحكومة وتشكيل هيئةٍ جديدة لمراقبة الانتخابات تشتغل بالتنسيق مع حكومة جديدة من الكفاءات الوطنية النزيهة يعيِّنها رئيس الدولة الجديد. (يمكن اختياره من بين الشخصيات الوطنية المستقلَّة وتعيينه في مجلس الأمة).

2ـ عدم الدخول في متاهة تغيير الأسس والمبادئ التي تقوم عليها الجمهورية المستمَدَّة من بيان أول نوفمبر 1954، وعدم استبدال شرعية ثورة التحرير بشرعية حراكٍ يُراد له أن يكون بديلا لها، كما جرت المحاولة مع محاولة فرض شرعية أكتوبر 1988 من قِبل زمرةٍ تغريبية وباءت بالفشل.

3ـ القيام بالتعديلات اللازمة في الدستور والقوانين المختلفة في ظل رئيس شرعي منتَخب، وبرلمان منتخَب بعد ذلك، يمنع الانزلاق نحو هدم أسُس الدولة الوطنية القائمة ويُمكِّن البلاد من الانتقال بسلاسةٍ وبتدرُّج، نحو جمهوريةٍ ديمقراطية واجتماعية حقيقية دون فتح مجال التلاعب بالمبادئ الأساسية التي تقوم عليها.

يبدو لي أن الرهان كل الرهان هو الفرق بين الحلين، أحدهما قد يحمل مخاطر ضرب مقومات الدولة الوطنية في الصميم باسم البحث عن الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، أما الثاني فإنه في تقديري يبقى أقرب إلى الواقعية وإلى التدرُّج في بناء دولة الحق والقانون دون المساس بمقوماتها الرئيسة.. ويبقى للشعب واسع النظر بين الحلين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!