-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الشفاء الذي “أمرضنا”!

الشفاء الذي “أمرضنا”!
ح,م

اقترح عددٌ من الأطباء الجزائريين المشهود لهم بالبذل والعطاء، خلال جائحة كورونا، إذ خاضوا المعركة الوبائية عندما تراجع وعي الآخرين إلى ما دون الصفر، اقترحوا التوقف عن ذكر حالات الشفاء التي تتفضل بها يوميا المصالحُ المختصَّة، لاعتبارات صحية ونفسية، تماما كما تفعل الكثير من البلدان التي ما عادت تزوّد منظمة الصحة العالمية، ولا مواطنيها بحالات التعافي، ومنها بريطانيا وإسبانيا التي يبقى عددُ المتعافين فيها، مجرد خانة فارغة في قائمة الوباء المعلنة يوميا.

واعتبر هؤلاء المختصُّين، إعلان حالات التعافي بشكل يومي، مجرد نشر ورود التفاؤل بين الناس، لجأت إليه إيطاليا في بداية عاصفة الوباء، من أجل بعث الأمل بين النفوس التي انهارت تماما وصارت تفكر في الانتحار، عندما كانت وحدها من تتجرع علقم الوباء، لأن مصالح الصحة في كل بلدان العالم، عليها عدّ المصابين وتحديد خارطة تواجدهم لعلاجهم ووقاية الناس من العدوى، أمَّا أرقام الشفاء فهي بلا جدوى طبية، إضافة إلى أنها قد تجرُّ بعض الناس، خاصّة الشباب منهم للنظر إلى الجزء المملوء من الكأس دون الفارغ منه.

في كل سنة تقدِّم وزارة الصحة والمديريات الولائية فيها، إحصاءات خاصة عن مختلف الأمراض والأوبئة، فتنشر أرقام المصابين بالسُّل والتيفوئيد والسرطان والسكري وضغط الدم والفشل الكلوي وغيرها من الأمراض، ولا تذكر أبدا عدد المتعافين، وهي أرقام ستتبخَّر مستقبلا عندما يتحدَّث العالم عن فيروس كورونا الذي أصاب وقتل منذ زمن طويل.

وعندما يتحدَّث العالم الآن بعد أكثر من قرن عن جائحة الأنفلونزا الإسبانية التي أصابت بعد الحرب العالمية الأولى، ثلث البشرية بالوباء، يحصي قرابة 50 مليون ضحية قضوا في كل القارات، وعندما تذكر الصين محنتها الأولى مع بداية القرن الحالي مع فيروس سارس، تذكر رقم 740 وفاة، وعندما تقرع منظمة الصحة العالمية ناقوس وباء الكوليرا في اليمن تعدّ 240 ألف حالة و1500 هالك بالمرض، ولا حديث عن عدد المتعافين.

هناك عددٌ من الأطباء يميلون لكشف مخاطر الداء لمرضاهم وحقيقة ما أصابهم من وهن، لأجل الحيطة وبداية العلاج والحرص عليه، وهناك طائفة أخرى تفضِّل إخفاء الداء من أجل عدم إضعاف جهاز المناعة لدى مرضاهم، وفي الحالتين فإنَّ الهدف واحد وهو القضاء على المرض وإعادة المُعافي إلى وضعه الصحي الطبيعي.

في الجزائر الحديث الذي رافق بداية انتشار وباء كورونا عن كونه يصيب كبار السِّن والمرضى المزمنين فقط، وتلاه بثُّ أرقام الشفاء، هي ما حوَّل الفيروس المجهري في فكر بعض الناس إلى حمل وديع خفيف الظل يمكن تحدّيه، في كرنفالات طوابير البريد وحليب الأكياس، ومهرجانات لعب الدومينو وتعاطي الشيشة وتجمُّعات الشوارع والبيوت، فجاءت المداواة بالداء والتمريض بالشفاء، وللأسف في عالم الطب قد تنقلب ورودُ التفاؤل إلى ما لا يحمد عقباه.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • tadaz tabraz

    المشكل ليس في ذكر أرقام المتعافين من عدمه بل المشكل في الجهل الذي يرافقنا ليل نهار والذي وجب محاربته قبل محاربة أي مرض كان لكونه سبب كل مصائبنا ومشاكلنا وأزماتنا أو بالأحرى رغم أن الجزائر بحاجة الى ثورات بالجملة : ثورة اقتصادية ................لكن أول ثورة يجب القيام بها هي ثورة ثقافية وفكرية والتي من خلالها نعقم عقولنا ضد الجهل من أجل الحصول على مواطن واعي بالتحديات . مثقف .متخلق . يفرق بين الطاح والصالح . يقبل ويتقبل الحوار والنقد . يقبل ويتعايش مع الاخر . لا يعتقد ولا يثق في الخزعبلات .... الخ

  • نمام

    ما زلنا عاجزين على الحد من يؤر الفقر و البطالة و الفساد وتقليص الفوارق فهل نرى الاسر المتضررة وهل لنا قاعدة بيانات للمعطيات هذا ما يدعو للوباء وما زيادات الاصابات الا انعكاس لحالة عامة تعليم و صحة وحالة اجتماعية و سياسية علينا اعلاميا و اجتماعيا ان تواضع قليلا وننظر للصورة من كل الزاوايا فالمعطيات و نشرها تعطي المصداقية او الدعائية المنافية للواقع حتى تكون مصداقية لنا في المؤسسات الدولية و شفافية لشعبنا ام ان كانت معطياتنا ظنية غير علمية ايديولجيا فهذا يعني افتقارا للمؤسسات وسلطة القانون غير راسخة وما زال الكثير من بنيانها تخريبا الفيروس ليس قدرا احترام اتدابير الوقاية اي سلوك مدني نتحكم