-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

 الشيح نحناح والكومندوس السياسي

أبو جرة سلطاني
  • 2349
  • 24
 الشيح نحناح والكومندوس السياسي
ح.م

سجلت، في الذكرى الخامسة عشرة، لرحيل الشيخ نحناح (رحمه الله)، جملة من الملاحظات حول التغير السريع للمنظومة العالمية، بعد أحداث 11 سبتمبر، بانتقال الفكر العالمي من ثقافة المَحاور والأقطاب إلى ثقافة التكتلات الكبرى. ومن دبلوماسية “الفوضى الخلاقة” إلى سياسة إطعام الحيتان الكبرى بالسمك الصغير. بعد أن تأكد لصناع الأزمات الداخلية أن الضربات الاستباقية لم تعد كافية وحدها لخلخلة الأنظمة التقليدية تمهيدًا لتفكيكها وإسقاطها، فأضافوا إليها إجراءيْن مكمليْن:

ـ التدخل السافـر في الشؤون الداخلية للأوطان بشعار حماية المصالح والأقليات وفرض السلام العالمي (نموذج سوريا، اليمن، ليبيا..)

ـ وصناعة وكلاء وطنيين معتمدين لدى الخارج باسم استمرارية الأنظمة الصديقة (نموذج مصر، العراق..).

النتيجة الملموسة حتى الآن؛ هي نجاح التكتلات الكبرى في توسيع دوائر الكراهية بين الشعوب وأنظمتها، ونجاحها في تحريض الأقليات النافذة على الشعوب الرافضة، وتغذية التطرف والكراهية وتهميش أدوار الأحزاب والمنظمات في أوطانها، وإفراغ النضال السياسي من محتوياته التقليدية في التغيير السلمي وفي التداول على سدة الحكم بإرادة الشعب عبر صناديق الاقتراع، وتبريد العواطف الوطنية والقومية والإنسانية، وفرض سياسة الأمر الواقع على منظومات الحكم في أغلب أنظمة العالم الثالث تمهيدًا لابتلاع العالم الإسلامي واحتواء القضية المركزية: فلسطين.

كان الشيخ نحناح (رحمه الله) يستشرف هذه المعاني منذ نهاية القرن الماضي، وقد سمعه الناس يتحدث ـ في أكثر من محفل ـ عن ملامح النظام العالمي الجديد، وعن حرب المياه بعد حرب النفط والغاز الصخري. وعن تقسيم العالم إلى 500 إثنية، بعد احتلال العراق وتقسيمه ومحاصرة الإسلام باسم مكافحة الإرهاب، وافتعال الصراعات العرقية والمذهبية والطائفية بين مكونات أبناء الوطن الواحد، لإضعاف الروح الوطنية فيه وتشجيع هجرة الأدمغة واختطاف الدولة من طرف لوبيات المال والأعمال، وإقصاء الأحرار من الوطنيين والإسلاميين بالعبث بمفهوم “المواطنة” والتمكين للفكر الاستئصالي الإقصائي، وتوظيف التيارات المتطرفة لضرب مقومات الأمة بأسماء وعناوين وشعارات يتم تصنيعُها في مخابر الذين يتقنون فنون إدارة الصراعات بعنوان: “فرق تسد”، فإذا نجحوا في إيقاد النيران بحثوا لها عن حلول خارجية تعم بها الفوضى وتضيع في أتونها السيادة ويستشري التخلف الاقتصادي وتشيع البطالة والهجرة والفقر وتنتشر الرذائل الأخلاقية.. ويتآكل رصيدُ الثقة بين الشركاء السياسيين باسم الهوية والحداثة والأصالة والعصرنة والتاريخ واللغة والجغرافيا.. حتى تصبح “البسملة” معركة وطنية في دولة دينها الإسلام وشعبها فتح شبه جزيرة إيبيريا ذات يوم..!

كان (رحمه الله) يستشرف المستقبل كأنه يقرؤه في كتاب، ويقترح الحلول العملية على من كانوا يتآمرون عليه لإبعاده من المشهد السياسي بتفصيل دستور على مقاس قفطان صاحب الجلالة، ومع ذلك ظل يدافع عن سيادة الجزائر بكفاءة وتجرد واقتدار بالفكر والقلم والخطاب والحضور الفاعل والمشاركة السياسية. وكان مدركا لمقصد الرباعية السياسية البسيطة في البناء الوطني، وخلاصتها:

1ـ أن الصراع بين أبناء الوطن الواحد يضعف الدولة ولا يقوي الأحزاب.

2 ـ وأن مشاركة الجميع في الجهد الوطني يجني ثمراته الجميع مهما كانت هوامش الأخطاء لدى هذا الطرف أو ذاك.

3 ـ وأن الأولوية الأولى للسلطة والمعارضة هي التعاون على استقرار الوطن وتمتين جبهته الداخلية بالحوار والتشاور لضمان وحدته وأمنه وسيادته.

4 ـ وأن الصراع بين الألوان السياسية يجب أن يكون بالديمقراطية وليس عليها.

وبناء الأوطان كتحريرها يتم بتضافـر جهود الجميع من أجل الجميع. وشعاره في ذلك: “الجزائر حررها الجميع ويبنيها الجميع” ويحكمها الجميع، فمن الوهم أن تتفق الأحزاب كلها حول تشخيص الأزمة وهي متعاندة لا تتحاور، بل يقدم كل حزب برنامجه الخاص لحلها حتى تصير الحلول المقترحة بعدد الأحزاب المعتمدة برامجَ وأفكارا وتوجهات ورؤى. وعلى مكونات الأسرة الوطنية أن يقدموا مصلحة الجزائر على مصالح أحزابهم، فاستقرار الوطن لا ثمن له، لكن كلفته يدفعها الجميع.

هذه الأفكار المبدعة التي قدمها فضيلة المرحوم الشيخ نحناح في حياته فضرب بها أبناءُ جلدته عرض الحائط في وطنه، وأخذ الأشقاءُ في تونس بمقاصدها، فجعلوا الاستقرار أولوية، والوطن خطا أحمر، ومشاركة التيار الإسلامي في السلطة الانتقالية مع رموز قديمة تأسيسا للتعايش من أجل تونس، وتنازلا من أجل مستقبل الأجيال، حتى صار التيار الإسلامي عندهم يُعرف باسم “حركة التنازلات “. لكنْ حقائق الميدان أثبتت أن التنازل من أجل الوطن يعود فضله على المتنازلين بالخير العميم؛ فبعد تجربة قصيرة في المرحلة الانتقالية خاضوا المعترك الانتخابي وزكت صناديق الاقتراع حزبيْ السلطة (النهضة والنداء) وتحاشت الكتلة الناخبة المعارضة الراديكالية والخطاب الحاد والمهرجين، لأن الشعوب الناضجة المتحضرة صارت شديدة الحساسية من التغيير الطفروي الحد الذي قد ينجح في نسف الموجود القائم، ولكن الطفرة إذا لم تكن واعية وليس لها رأس وبرنامج ونفَس طويل تفتح الباب أمام أطماع فئوية تخترق زخم الجماهير ولا تكتفي بالانخراط في مشاريع الفلول المتبقية من “كارتلات” المال الفاسد لإعادة ترميم المشاريع السياسية المستورَدة، بل تتجاوز ذلك إلى استدعاء الماضي لخلط أوراق المشروع الباديسي النوفمبري. والشواهد من حولنا أكثر من أن تُحصى، ولكن الشعب للمرتزقة بالمرصاد.

قبل وفاته بأشهر قليلة دعا الشيخ إلى تشكيل “كومندوس سياسي” وبناء جدار وطني لمواجهة المد الاستئصالي المبثوث في النسيج الإداري والمالي والإعلامي لتهيئة الظروف الوطنية لاحتضان مشروع الدولة النوفمبرية لاستكمال بناء دولة ديمقراطية اجتماعية ذات سيادة في إطار المبادئ الإسلامية. رحمك الله يا شيخ ، فقد كنت أمل الجزائر، ولكنك رحلت قبل أن يكتمل الحلم الذي كنت له مصباحا وكنت به صداحا. والله فعال لما يريد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
24
  • االمتأمل

    باقي ما تخلع بكلمة الكومندوس......

  • مساري

    هؤلاء الهتلريون الجدد : كل من اختلف عنهم مصيره المقصلة وبالتالي فهم خطر ليس على الداخل فقط وانما على العالم بأسره

  • ساسي

    للمعلق 18 : الاسلاميون يطالبون بدولة اسلامية لكنهم يوم يغادرون البلاد لا يهاجرون الى الدول الاسلامية :
    السعودية وايران وافغانستان ...................... بل الى الدول العلمانية : فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة... الخ منافقين حتى النخاع

  • Maghrébain

    Tatnahaw ga3.

  • أبو أصيل

    سلام أستاذ ...أنت ترى أنه قد "أخذ الأشقاءُ في تونس بمقاصدها" أي برؤية المرحوم إذن الله محفوظ نحناح، والسؤال: وماذا جنى الإسلاميون في تونس غير المهاترات الصبيانية التي نراها يوميا في برلمانهم، وسقوط أعضاء حزب النهضة ورئيسه في لعبة المهرجة عبير زعيمة الاستئصاليين... ونسيانهم القضايا الكبرى وتواطئ الرئيس الحالي مع العلمانيين ووقوعه في شراك ماكرون الماكر وتولية ظهره للقوى الناهضة في المنطقة مثل تركيا... لم يحسن الغنوشي وجماعته قراءة الواقع باستثناء عبد الفتاح مورو الذي تفطن للعبة وغادر سفينة النهضة قبل غرقها...

  • عياش ب

    الأحزاب التي تسمى علمانية أو لائكية أوضح طرحا فيما تريد ، أقسم أن شخصا مثل سعيد سعدي هو عندي أشرف من كثير من رؤساء و أعضاء الأحزاب (الإسلامية) ،على الأقل هو كان يبيّن بكل أمانة أهداف حزبه

  • عبد الحفيظ

    المثل يقول الم تستحي ففعل ماشئت روح تبيع اللفت احسن لك ابواق الفتنة والانتهزين متخفوش ربي في هذ الشعب والبلاد او سؤال المناسب من انتم ؟شكون شعبكم شكون بلادكم ؟....مطلسين لوجه ...

  • متطوع

    للمعلق 14 حفيد ابن باديس :1 -- المعلق 2 لم يقول الا الحقيقة
    2 -- أنت أيضا لم تقول الا الحقيقة فالشعب الجزائري بأكمله وفي مقدمته العائلات التي إكْتَوَتْ بنار هؤلاء يعرفون جيدا من أعلن الحرب عليهم ومن قام بترويعم ليلا ومن يَتَمَ أبنائهم ومن إختطف ومن إغتصب بناتهم .. الخ ثم هؤلاء الذين رفعوا السلاح ضد الجزائر والجزائريين اعترفوا بجرائمهم ولا زالوا يعترفون بها الى حد الساعة بل لا زالوا يرتكبون جرائمهم الى اليوم وللأسف فنهار أمس مثلا سقط جندي جزائري على يد هؤلاء بعين الدفلة . وبالتالي فكل محاولات تبييض سجلاتهم الاجرامية التي سوف يحتفض بها التاريخ لتطلع عليها الأجيال القادمة مصيرها الفشل

  • عماد مراد

    أصبحتم تفتخرون بالتنازلات تلو التنازلات حتى لم تتركوا من الإسلام شيء فقبحكم الله يامن تتاجرون بالإسلام وهو منكم براء

  • جلال

    لقد عرفوا كيف يستثمرون دنياهم وطبقوا كثير من تعاليم الإسلام حتى ولم يعرفوها لأنها عالمية وفطرية ونحن استثمرنا في الفساد وسوء الأخلاق والتواكل وأحدثنا في الدين مالم يأمر به الله واعتقدنا أنفسنا الفرقة الناجية لذا علينا إعادة النظر في كثير من المفاهيم المغلوطة والأقوال والتقولات ولا نفسر (ن والقلم ) إن (ن) هي الحوت

  • حفيذ ابن باديس

    صاحب التعليق ٢ مسعودي، الشعب أصبح يعرف جيدا من هم المجرمين،من اعلنوا الحرب على البلاد و العباد، افترائك لن يغير الواقع.

  • ليزا تيزي

    سبب تميع البلاد والعباد هو النفاق السيايسي و الذي تزعمته حركة عدس .حمص ...او لوبيا ...اقسم ان الشعب لن ينخدع وراء نفاقكم وتلونكم ...اقسم لو ترشحتم الف مرة فسيصفعكم الشعب ....

  • Ben

    . Le MSP est une mafia politico financiere

  • سليم الجزائر

    وماذا تنتظر من شخص مثله ان يكتب الم نره بالصوب والصورة يمدح اويحي ويذم تبون عندما اقالوه ورايناه اليوم بالصوت والصورة يمدح تبون ويذم اويحي

  • نحن هنا

    وكأن نحناح لم يكن البادئ يقطع الاعمدة الكهربائية ألم تعلم أن التاريخ لاينسى

  • Mohamed

    Chaque pays et dans un chaque période existe des hommes de terrains et de changement parmi ces hommes que l'Algérie a créé après l'indépendance on trouve ce grand monsieur rahimaho Allahou

  • حسن بن سعيد

    حمس و على رأسها النحناح ,بغض النظر عن النوايا التي علمها عنده سبحانه, لعبت دورا حساسا في الإنقلاب على اختيار الشعب و مؤازرة انقلاب الإستئصاليين. و ماتعانيه الجزائر اليوم هو نتيجة لذلك الموقف المخزي. فمن الأحرى بحمس إن أرادت استرجاع قليلا من المصداقية أن تبدأ بالتوبة و أول شروطها الإعتراف بالذنب و الإعتذار للشعب على مواقفها المخزية التي كاتب المقال كان نصيبا وافرا فيها بعد وفاة شيخه.

  • عاجل

    حدثونا عن الشيخ نحناح في ثمانينات القرن الماضي

  • محمد

    رحم الله جميع المظلومين. أما من تتكلم عنه فقد تخلى عن ما كان يدعو إليه وارتمى في أحضان الانقلابيين وصفي لهم. التجربة الجزائرية في التسعينات بينت من هم الشرعية والانقلابيون الاستئصاليون اولاد فرنسا

  • محمد

    رحم الله جميع المظلومين. أما من تتكلم عنه فقد تخلى عن ما كان يدعو إليه واستمر في أحضان الانقلابيين وصفي لهم. التجربة الجزائرية في التسعينات بينت من هم الشرعية والانقلابيون الاستئصاليون اولاد فرنسا

  • adrari

    الشيح نحناح هو عنصر ينتمي الى الكومندوس السياسي التابع للدولة

  • نمام

    طبعا الاسلام السياسي في الجزائر لم يظهر الا لغياب حوار سياسي وكما نعلم انه لا يقبل مبدا الاختلاف فكريا فالاسلام دين و دولة ينبا عن تعارض فاضح لان السياسة اخذ ورد وحوار دائم ومستمر وللدين منطقة و شيوخه ومجاله السياسة خيارات دنوية ولا دخل للاخرة فيها والدين ثابت ويقين واعتقاد وسياسة متقلبة ونسبية ولذا ما افسد امورنا الا تدخل الدين في السياسة واصبحت نحلا وفرقا فما لقيصر لقيصر وما لله للله حمس حركة التعيير و البناء و النهضة والاصلاح و التنمية الا ترون و العقائد لا دخل لها بما يمكن ان يقال في خطاب غيرها عن الديمقرطية والحوار ففي مجال الدين لا توجد اغلبية او اغلبية تحصى بها الاصوات في انهاية المطاف

  • مسعودي

    للمعلق 1 : لم يذكر انحيازه للذين أنقذوا البلاد من المجرمين الذين أعلنوا الحرب على الجزائر والجزائريين

  • رأي حر

    لم تذكر انحيازه للاستئصاليين بعد فوز الفيس في انتخابات ديمقراطية
    والمساهمة في توقيف المسار الديمقراطي
    ولكن التعصب اعمى كما يقال
    والمتعصب لشخص لايرى الا حسناته بينما يتغاضى عن سيئاته
    رحم الله الشيخ محفوظ وغفر له