الصنم الذي هوى

في أواخر سنة 1967 كنت في مدينة دمشق، وأتهيّأ لدخول تركيا.. ورغم برودة دمشق في هذا الفصل، ونزول كمية كبيرة من الثلج، فقد آثرت لسع البرودة على دفء الفندق – يساعدني على تحمّل البرودة الشديدة صحة الشباب.
بينما كنت أتجول وجدتني أمام مكتبة – وعدد المكتبات في الشام كعدد المقاهي في الجزائر- ولفت إلى داخل المكتبة، ورحت أقلب عيني في رفوفها وفي عناوين كتبها، فوقعت عيناي على كتيّب صغير جذبني عنوانه جذبا هو “الصنم الذي هوى” مع خلفية باهتة تظهر صورة هذا الصنم، الذي هو “مصطفى كمال” الذي كانت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين تسميه “مصطفى ناقص”.. وكان “عبّاده” يكنونه “أتاتورك”، أي “أبو الأتراك”، وحاشا للشعب التركي المجاهد أن يكون “ابنا” لهذا المجاهر بمعادة الله – عز وجل- ورسوله – عليه الصلاة والسلام- ويفعل ما يخجل إبليس من فعله.
وانقطعت عن زيارة الشام إلى منتصف التسعينيات من القرن الماضي حيث ترددت على دمشق وبيروت مرتين أو ثلاثا، إشرافا على طبعة “آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي” التي تولّى نشرها الحاج الحبيب اللمسي، صاحب “دار الغرب الإسلامي”..
كان علي أن أنزل في دمشق وأتوجه برا إلى بيروت، وأعود إلى دمشق لأستقل طائرة الجزائر.. كنت أقطع لبنان من شرقه إلى غربه، ومن غربه إلى شرقه، فأرى “العجب العجاب” من صور حافظ الأسد مثبتة في الأشجار، وعلى الجدران، كأن لبنان حيا من أحياء سوريا، وكان الحاج اللمسي يوصيني: إذا أردت أن تعود إلى الجزائر فاعقل لسانك.. وتحتها شعار “مع الأسد إلى الأبد”، وصور ابنه الذي كان يعده لخلافته، لولا أن أتاه اليقين قبل أن “يرث” سوريا من أبيه – ويمن على السوريين بأن عبّدهم، كما عبّد الفراعنة المصريين وبني إسرائيل ثم منوا عليهم، ومنت علينا فرنسا المجرمة بقرن وثلث من العبودية الصليبية.
ومات حافظ الأسد، وجيء بابنه من مدينة الضباب، وديس على الدستور، كما داسه هنا “عبد القادر المالي” وأنزل برلمان سوريا المادة التي تشترك في “الرئيس” الأربعين سنة إلى منتصف الثلاثين التي بلغها “البشار” ولكنه “أسد”.. والأسد مهما كلت مخالبه فهو “وحش وأنيابه باقية”.
ظن الناس أن سن “البشار”، ومكثه في عاصمة الديمقراطية لندن بضع سنين سيجعلانه “بشرا، وبشيرا على سوريا.. فإذا السوريون يرددون بعد أمة: “رب يوم بكيت فيه، فلما صرت في غيره بكيت عليه وأنساهم “بشار” بجرائمه جرائم أبيه”.
إننا نحن شعوب الأمة العربية – إلا ما رحم ربي قابلون لـ”عبادة الأصنام البشرية”، مما جعل وصف الشاعر السوري عمر أبي ريشة لنا صادقا.. وهو قوله:
أمتي كم صنم مجّدته لم يكن يحمل طهر الصنم
لا يلام الذئب في عدوانه إن يك الراعي عدو الغنم
فاحبسي الشكوى فلو لاك لما كان في الحكم عبيد الدرهم.
هنيئا لإخوتنا في الشام لصهم من “أصنامهم”، ولا أعاد الله تلك “الأصنام” ولو كانت “ملتحية”.