-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الصورة التي تفضح!

بقلم: عبد العزيز تويقر
  • 1293
  • 0
الصورة التي تفضح!

خرج المجاهدون في غزة، بعد دخول وقف إطلاق النار من بين الرَّدْم والأنقاض وصولا إلى ساحة السرايا، يحملون معهم إرثا يمتد إلى أكثر من ألف وأربع مائة سنة من أخلاق الإسلام في الحرب.
في جزئية الأسرى كان أمر الإحسان واضحا، جليا ناصعا، سلمت الأسيرات اليهوديات إلى الصليب الأحمر مبتسمات، نقيات الثوب وملامح الصحة والعافية على وجوههن، ملامح ومظاهر لا يخطئها أعمى ولا بصير.. كان المشهد محمَّلا بالرسائل، وحين تتحرك الصورة وتمسح الأفق الناصع بغباره، متنقلا إلى حيث سماء فلسطين المحتلة، الملوثة بالفكر الإبادي الصهيوني، تتكشّف أمامك تمظهرات الرأسمالية الكانيبالية، التي تلتهم لحم الآخر الشبيه، وتعيش أزمة حادة، أخلاقية وقيمية، وأسنان محطمة، وأنوف مهشَّمة، وأضلع مكسرة، وأيادي مجبَّسة، ويكفي أن يستقر نظرك على المناضلة الفلسطينية “خالدة جرار” لترى كيف يستطيع الجور والظلم والقهر تحويل إنسان بين زمنين متقاربين، إلى شبح، شاب الرأس، وبرزت عظام الفك، كانت عيناها تائهتين وهي تتفرّس الوجوه المستقبلة وتفضح قبح الوجه الصهيوني.
لم يكن التحالف الصهيوني الغربي يوما، أكثر قسوة وخسّة على المسلمين، كما هو منذ الطوفان، وهو يمرر السردية الصهيونية، ويتبناها ويدافع عنها، لاغيا الآخر الفلسطيني العربي المسلم المحرَّر من سجون الاحتلال الذي لا يستحق أن تظهر صورته على شاشات التلفزيون، وفي نشرات الأخبار، لأن الفلسطيني الآخر في عرف العقيدة المسيحية المتصهينة، لا يستحق أن يعامَل وفقا لاتفاقيات جنيف بشأن أسرى الحرب وحماية المدنيين أثناءها. إن الفكر الغربي الذي يمجد الحرية ويدافع بشدة عن حقوق الإنسان، يتحول إلى سيف مسلط على المستضعفين الذين يختلفون عنهم في اللون واللغة والدين، بدرجات، وتكون الوطأة أشد وأنكى حين يكون ذلك الآخر مسلما.
إن نظرة التعالي التي تشكلت بفعل الرؤية الفكرية المنحازة للصهيونية، تعدّ عامّة في الغرب مع استثناءات قليلة، وقد انتقلت إلى الاعلام الذي يقود حربا غير أخلاقية هدفها شيطنة الفلسطينيين وتقديم مادة إعلامية متوافقة مع السردية الصهيونية، بل أشد تطرفا أحيانا، ويكفي للتدليل على ذلك، العودة إلى أكذوبة ذبح الأطفال وحرقهم واغتصاب النساء في السابع من أكتوبر 2023، لقد دحض الإعلام العبري تصريحات ساسته ومرغها في التراب، ورغم النفي المطلق لتلك السردية من قبل الإعلام الصهيوني، يرفض الإعلام الغربي والفرنسي خاصة، تصحيح الأمر، بل ويتمادى في تبني وقائع كشف الصهاينة زيفها. ولسنا هنا نمتشق قلم التحامل على أحد، فقد تابعنا -كما تابع الملايين- عملية التبادل في الاعلام الغربي. وكانت الصورة واحدة، ثلاث أسيرات صهيونيات، ابتهاج في كل البلاتوهات والجميع يحلل ويستنتج، في المقابل وبعد ساعات من ذلك أطلق اليهود عشرات النساء المحتجزات في محتشد عوفر، بينهن أمهات، انتُزعن عنوة من أبنائهن، ولكن الصورة هذه المرة لم تكن مبهجة، لقد كانت سوداء وقاتمة، فخاف الإعلام الغربي على “رقة مشاعر” متابعيه وقرّر حجبها!
هذا الاعلام الذي يسابق الريح لإعطاء دروس المهنية لغيره، تعامل مع الصورة بنظرتين مختلفتين تحققان إشباعا فلسفيا أعوج، وتعبّران في الوقت ذاته عن الوفاء للتراكمية الفكرية العنصرية التي تعود جذورها إلى الصهيونية المسيحية التي تؤمن بضرورة محو الآخر وإثبات الذات في سبيل قيام “دولة اسرائيل” وتكفر بمبدأ التعايش مع الفلسطينيين.
هذا التفكير العنصري الإقصائي، لا يجد أعضاء من الكنيست والساسة الصهاينة حرجا في الإعلان عنه في كل مناسبة، ويكفي أن عضوة من بين أعضاء تلك المؤسسة النازية قالت على شاشة إحدى القنوات الصهيونية، بعد عملية التبادل، وخروج عناصر القسام بذلك الوجه المشرف “لا يمكن العيشُ بجوار هؤلاء، ولابد من القضاء عليهم جميعا”، وتقصد الفلسطينيين صغارا وكبارا، نساء وشيوخا.
نعرف جيدا أن الإعلام الغربي الذي يتماهى مع السردية الصهيونية يتغذى من أموال رجال أعمالهم، وجماعات الضغط التي تقف بقوة مع وهم “اسرائيل”، ومن ثمة فهي أبعد ما تكون عن مبادئ الممارسة الإعلامية الواعية وشروطها التي تعتمد التحقق من السرديات وتمحيص الخبر، ولا يمكن مواجهة هذا السيل من الزيف، إلا بسيل أقوى من الأموال العربية والاسلامية التي وجب ضخُّها بكل قوة في قنوات صناعة الرأي العامّ ومراكزها، وزيادة الإنفاق على مراكز الدراسات الأجنبية المعتدلة، حينها يمكن للموازين أن تعدِّل الكَفف المائلة.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!