-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الطبيب الداعية

الطبيب الداعية
ح.م

في يوم الاثنين الماضي (20.8.3) رجعت إلى ربها نفس مطمئنة، راضية بما أسلفت من خير، مرضية بما قدمت من إحسان، إنها روح أخينا الطيب الدكتور امحمد برّضوان – رضي الله عنه وأرضاه-  عرفت الأخ برضوان في بداية السبعينيات من القرن الماضي في مسجد الطلبة بجامعة الجزائر، فكان صاحب الابتسامة الوديعة الدائمة، والوجه الطلق، والحديث الأقرب إلى الهمس، والقلب الذي يسع الناس، والاهتمام الواعي بما كانت تموج به الجامعة من “صراع فكري” بين التيار الوطني الأصيل، وبين التيار التغريبي من “موسكو إلى واشنطن”، مرورا بقبلة هذا التيار – بشقيه اليميني والشيوعي – باريس.

وفي الثمانينيات كنا ممن تعاونوا مع وزارة الشؤون الدينية في عهد الوزراء المحترمين بوعلام باقي، وعبد الرحمن شيبان وسعيد شيبان، و”دينامو” الوزارة آنذاك الأخ عبد الوهاب حمودة، وذلك في الدروس المسجدية، أو عبر التلفزيون والإذاعة، أو ملتقيات الفكر الإسلامي، قطع الله من قطعها، وتبت يدا من أوقفها..

في منتصف سنة 1991 استقالت حكومة مولود حمروش التي كان الدكتور سعيد شيبان فيها وزيرا للشؤون الدينية فتأسفنا لذلك، ولكننا فرحنا لأننا علمنا أن خلفه في الوزارة هو الأخ سي امحمد برضوان لما نعلمه عنه من خير ومن جد.

عندما اقترح عليه منصب وزير الشؤون الدينية اعتذر، فقال له قائل: إن لم تتوله فسيتولاه (فلان) فما كان من الأخ برضوان إلا أن قبل خشية أن يحاسبه الله أن كان برفضه سببا في تولي ذلك الشخص الوزارة الرمز.

لقد خطت الأقدار أن أعمل مع الأخ برضوان مديرا للثقافة والفكر الإسلامي والملتقيات، فأشهد أنه كان مثالا في العمل الجاد المنظم، ولم أر يوما في آخر الدوام ورقة على مكتبه، وكان يتعامل بأقصى درجات الاحترام – مع الحزم – مع مساعديه.. وقد سافرت معه عدة مرات إلى كل من ولاية بجاية، وجيجل، وميلة، وباتنة، والنعامة، وتلمسان، وقسنطينة، والمدية، والبليدة، فكان كلانا “رفيق الدرب” لأخيه كما كتب هو نفسه في الكتاب التكريمي الذي أعده عني مجموعة من إخوان الصفا وخلان الوفاء..

وفي بداية 1992 أقيلت الحكومة، وعلمنا أن ممن طلب الاستغناء عنهم من الوزارة في الحكومة الجديد الأخ برضوان لأنه كان “خادم الدولة الجزائرية، ولم يكن رجل العصب وبعض الأجهزة”، وعندما أخبرنا بمن اختير ليتولى وزارة الشؤون الدينية بعده “صلينا صلاة الجنازة على الوزارة”…

إنني احتفظ بكثير من الذكريات عن مواقف الأخ برضوان، ولضيق المجال أكتفي بذكر موقف واحد يدل على “رجولة الرجل”. لقد كنت معه في مكتبه ذات يوم وكلمه وزير الداخلية آنذاك – الذي كان مجرد ذكر اسمه “يجمد” الدم في عروق بعض الناس، قال وزير الداخلية للأخ برضوان: “يجب إغلاق المسجد الفلاني”، رد الأخ برضوان: أنا ليس لدي شرطة لأقوم بذلك، ومهمتي هي أن أدعو العلماء وأعرض عليهم طلبكم، وسأجيبكم بما يرونه، بعثنا لإحضار أصحاب الفضيلة رحماني، مغربي الثعالبي، الجيلالي.. وآخرين وعرض عليهم الأمر فأجابوا بإجماع: لا يغلق المسجد، وللدولة أن تستبدل الإمام إذا كان وجوده يثير مشكلات، ورد الأخ برضوان على وزير الداخلية، مضيفا من عنده: على أن لا يكون الإمام الجديد “مكروها” من المصلين.. إنني – يا أخ برضوان-:

                   إنما قد ذكرت بعض مزا                  ياك، وإلا فشرحهن يطول

و”إن كثير الأسى عليك قليل” يا أخي امحمد، فلنستعن بالصبر والترحم عليك.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
6
  • merghenis

    امحمد بن رضوان ــ رحمه الله ــ كان على رأس وزارة الشؤون الدينية و الأوقاف في حكومة غزالي الأولى و الثانية، لمدة قدرها 8أشهر و4 أيام و هي ثاي مدة قضاها وزير في هذه الوزارة بعد تجيني هدام (7 أشهر و 8 أيام). في الترتيب هو الوزير التاسع، جاء بعد الأستاذ سعيد شيبان.

  • د / سليم خيراني - أستاذ جامعي

    التيقت الفقيد عدة مرات في مكتبه في مستشفى مصطفى باشا وأشهد بأن أخلاقه عالية متواضع مبتسم لا يرد أحدا عظّم الله أجر عائلة بن رضوان اللهم اغفر له وارحمه وتجاوز عن أخطائه وأنر ظلمته وانس وحشته وارسل عليه رائحة من الجنة وَقِه عذاب القبر وعذاب النار اللهم نَقِّه من خطاياه كما يُنَقَّى الثوب الأبيض من الدنس اللهم يـَمّنْ كتابه وهَوِّنْ حسابه وثَبِّتْ أقدامه وألهمه حسن الجواب اللهم طَيِّبْ ثراه وأكْرِمْ مثواه واجعلِ الجنة مستقره ومأواه اللهم إن كان محسنا فزد في إحسانه وإن كان مسيئا فتجاوز عن سيئاته وافْسَحْ له في قبره واجعله روضة من رياض الجنة واحشره مع النبي عليه السلام في الفردوس الأعلى آمين

  • خليفة

    رحم الله السيد برضوان و اسكنه فسيح جنانه و الهم ذويه الصبر و السلوان ،و نسال الله ان يحفظ علماءنا و مفكرينا المومنين و المخلصين ،فمنهم من قضى نحبه و منهم من ينتظر و ما بدلوا تبديلا،و نسال الله ان يرفع عنا هذا الوباء و البلاء و ان يردنا اليه ردا جميلا ،انه ولي ذلك و القادر عليه و صلى الله على سيدنا محمد.

  • cherif

    رحم الله الشيخ و الهم ذويه الصير و السلوان...ان للشيخ له جولات في الفكر و الدعوة و له افضال على كثير من الخلق....

  • محمد قذيفه

    اللهم اغفر له وارحمه وتقبله في الصالحين وجزاك الله خيرا أستاذ محمد الهادي الحسني على هذه الايضاءات والشموع التي تقلع بالذاكره الى الزمن الذهبي والرجال العظماء الله يحفظك ويحميك زدنا وعرفنا بأبطالنا فقد صاروا غرباء وصرنا ايتاما بلا تاريخ

  • نمام

    ان يتحلى الاطباء بشئ من التواضع و الانسانية في تقديم اسس الوقاية و الاكتشافات لان المتجارة بالالم و المرض جريمة
    التحسن ان وجد لا لارضاء وبعث الامل لان هذا يتعلق بمصدقاية عالمية في حال ارتداد او نكسة قد نسئ لمنظومتنا الصحية و اطبائنا وان يتحدث الكثير عن نجاحاتهم خارج الوطن لان الموارد المتاحة هناك و الاموال و الاطلاع على المجلات العلمية و البحوث قد يدفع و يحفز على المنافسة و الابداع و يخلق مناخا علميا بعيدا عن الخرافة يخضع للمخابر اما الخلق الطبيب طبيعة ان يكون انسانا نرى اطباء بدون حدود و متطوعين و مهاجرين لافريقيا للخلاص من الاوبئة وان هناك استثناء نشر لديانة وايدلوجيا ولكن عموما انسانية