الطموح المهني يهدد استقرار الأسر
الطموح إلى النجاح والتطور المستمر في العمل، والسعي الدائم إلى تبوؤ المناصب الأعلى، أو نيل التكريمات والعلاوات والألقاب، مطلب يفتقر إليه غالبية العمال، خاصة في الأنظمة السائدة، غير أنه قد يتحول إلى نقمة على صاحبه، والأسوأ، أن ينقم الطموح المهني على الأسرة برمتها نتيجة عدم القدرة على الموازنة بين المسؤوليات والأدوار.
سفر الزوج للعمل يخل بتوازن الأسرة
يعمل الآباء عادة، ويضحون بوقتهم وجهدهم من أجل توفير حياة أفضل لعائلاتهم، وقد يكون ذلك بدافع تحقيق غايات فردية أيضا، كترك بصمة تذكر في ميدان العمل، أو تحصيل خبرة أو ترقيات.. وأيا كان الدافع ماديا، يؤكد الخبراء أنه لا يمكن بأي شكل من الأشكال أن يعوض وجود الأب داخل الأسرة، فرضية يؤكدها مصطفى، طالب في الثانوية، يعاني من غياب والده المتكرر، بحكم سفره إلى بلدان أوروبية لجلب السلع لسلسلة محلاته: “قد تمر أشهر دون ألمح وجهه، حتى إنني ألاحظ تغير ملامحه.. قد لا نلتقي بين سفرة وسفرة، فهو دائم التنقل يطمح لتوسيع محلاته في كل الولايات، ويكرر لي مقولة أنه يفعل ذلك من أجلنا، أكاد أخبره في كل مرة أنه يجب أن يكون إلى جانبي في عثراتي ومسراتي، وأن يسندني بوجوده وصحبته.. وهذا، أفضل ما يمكن أن يفعله من أجلي في هذه المرحلة”.
واقع تشتكي منه الكثير من زوجات أرباب العمل والطموحين من الموظفين، الذين يغيبون لمدة طويلة عن بيوتهم، تاركين مسؤوليات ثقيلة على عاتق الزوجة. هي حال السيدة رتيبة: “لا يتوقف زوجي عن الطمع في الحصول على مناصب القيادة، مع أنه غير مسؤول كزوج وكأب لأربعة أطفال، يسألون عنه مرارا، ويرجون تواجده لاكتمال الأسرة، فأينما عرض عليه منصب مسؤول لم يتردد في السفر وتغيير إقامته من أجل العمل. في السابق، كنا نتنقل معه كأسرة، لكن هذا أثر على استقرارنا، وعلى المستوى الدراسي للأطفال، طموحه حطم طموحنا جميعا”.
الغياب المتكرر للأم، يعيق وظيفتها التربوية مع الأبناء
اشتد سباق المرأة نحو البروز والشهرة والتميز، من خلال نجاحاتها المهنية، واستطاعت بالفعل أن تبلغ حتى ما يعجز عن تحقيقه فئة من الرجال، لكن هذا الطموح قد كلف الكثير من السيدات غاليا، إذ استحق وقتهن وجهدهن الذي يتفق البعض على أنه يجب أن يوجه لتربية الناشئة من الأبناء. تقول الأخصائية النفسية والاجتماعية، مريم بركان: “سعي المرأة للتميز واجتهادها المتواصل من أجل تحقيق نجاح أكبر من السابق، لا يمكن أن يحصل من دون مقابل، ذلك أن المرأة ليست بمخلوق خارق قادر على أن يكون الزوجة والأم، وسيدة أعمال.. هناك دائما تضحيات وثمن لذلك، وغالبا ما تكون هذه الأخيرة تربية الأبناء وإعطاءهم كامل حقوقهم المعنوية والمادية”.
تقول نسيمة، أستاذة إنجليزية في الثانوية ومسيرة مشروع مدرسة خاصة، رغم كونها أما لثلاثة أطفال: “أعترف بأنني مقصرة جدا في حق أبنائي، لا أقدم لهم الرعاية الكافية، أعمل طوال النهار خارج البيت، وعندما أعود ليلا أطور برامج التعليم الخاص، وأحضر الكتب والمطويات والدروس، أسعى للرقي بالمشروع حتى يصنع سمعة جيدة، في المقابل، أشعر بأن أبنائي ينهلون من مبادئ المربيات، ويأخذون التربية من غير مصدرها الأساسي”.
لابد من الإشارة إلى أن انتشار الفكر النسوي ساهم بشكل ملفت في انتشار ظاهرة الطموح المهني على حساب الأمومة والأدوار الأساسية للمرأة في المجتمع، حيث انقادت الكثير من السيدات خلف أصوات المنادين بعدم إهمال المرأة حياتها الخاصة وتفريطها في النجاح والتقدم، مقابل تربية أطفال سرعان ما سيستقلون عنها لتجد نفسها قد ضحت بسنواتها، ويحاول أصحاب هذا الفكر المدمر جعل المرأة ترى تلك التضحيات حتى من دون مقابل، حتى إن التوعية قد لا تجدي نفعا مع فئة النساء اللواتي سبق وأن اقتنعن بهذا الفكر.