-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

العقيدة العسكرية الإسرائيلية وأدواتها في المنطقة

العقيدة العسكرية الإسرائيلية وأدواتها في المنطقة
ح.م

العقيدة العسكرية الإسرائيلية: نهج لا يتأثر بظرف عارض أو تكتيك مستحدث ولا يتبدل بإسقاط حكومة أو بانتصار تكتل سياسي إلا بمقدار ما يعزز هذه العقيدة ويطوّرها تبعا لمتغيرات المرحلة وتبدلاتها.

لا تسكن العقيدة العسكرية الإسرائيلية في مربع الشرط البيئي الثابت.. لأنها لا تعرف معنى الجمود العقائدي الذي أسقط الكبار في قيعان العدم.. إنها الراصدة لبديهية المتغيرات وقوانين تطوّرها والمتحكمة بمساراتها الدقيقة والمُعِدة لأهم أدواتها والمدرِكة لحقيقة المبدأ الثابت المعلن في أدبيات الحركة الصهيونية.

الهدف الإسرائيلي المرسوم في ظل المتغيرات الجذرية الدولية الكبرى.. هو لعب دور سياسي واقتصادي وعسكري أكبر في الشرق الأوسط بعد إنجاز المخطط الأمريكي الاستراتيجي بغزو العراق وأفغانستان، وبلوغ الأداة الإيرانية أهدافها التي استهدفت قواعد الأمن القومي في العالم العربي، بتنامي بذور الفتنة الطائفية، وإشعال فتيل الحروب الداخلية، بالتوازي مع انحسار العلمانية في السياسة التركية، بقيادة حزب العدالة والتنمية /الإسلامي/، بما دعا إلى إعادة ترتيب القدرات العسكرية وتنفيذ مفاهيم جديدة لـ”الردع الاستراتيجي” في إطار تحديث العقيدة العسكرية الإسرائيلية، واستبدال أدوات الاختراق “الديني/ الطائفي”، التي استنفدت دورها، بأدوات أخرى، تتلاءم مع متغيرات العصر الاتصالي.

ويكشف الإطار العام للتخطيط الصهيوني في فاتحة الألفية الثالثة عن إعادة هيكلة الجيش الإسرائيلي وبناء مقوِّماته وتكثيف عناصر القوة فيه ليصبح جيشا أصغر حجما وأشد قوة وأكثر سرعة يجمع في تكنيكاته بين كفاءة القتال والقدرة على الحسم السريع.

ويتجلى مخطط الألفية الثالثة الذي أطلق عليه “خطة 2000” في بلورة مبادئ جديدة لنظرية الحرب الإسرائيلية واستكمال البرامج التسليحية المتطوّرة دون توقف.. والوقوف على أهبة الاستعداد لتنفيذ إستراتيجية الردع التقليدي وإستراتيجية الردع النووي المعلن.. وتفعيل نظرية القوة بإدماجها بنظرية “الأمن القومي” من خلال وضع برنامج عمل أساسي قابل للتنفيذ يتركز على فاعلية الجيش واستعداده لمواجهة أسوأ الاحتمالات والمخاطر المتوقعة واستثمار التفوق العلمي والتقني بما يضمن بناء القوة التي تتلاءم مع العمل.

ولن تقتصر العقيدة العسكرية الإسرائيلية في إطارها التخطيطي العام على إعادة هيكلة الجيش وبناء مقوماته وتكثيف عناصر القوة فيه في “خطة 2000” بل تعدتها لتصل في أبعادها إلى:

تجريد الدول العربية من كل مقومات عوامل القوة والتطور في جميع المجالات العسكرية والاقتصادية والسياسية والعلمية والتكنولوجية، وإثارة الصراعات الطائفية، عبر أدوات الاختراق الديني، باعتبارها الوسيلة الأضمن لحماية هذه العقيدة ونظريتها الأمنية من أي اختلال ممكن.

لكن التساؤل الذي يبلغ بمداه حدود المنطق هو:

إذا كان تحديث العقيدة العسكرية الإسرائيلية فرضته الاختراقات التي أحدثها القصف الصاروخي العراقي عام 1991 وارتفاع معنويات روح المقاومة الوطنية اللبنانية وتصاعد قوة الانتفاضة الشعبية في فلسطين في مبادئ نظرية الأمن الإسرائيلي.. فما هي المبررات الآن لتطوير “نظرية الأمن” بتحديث العقيدة العسكرية بعد الغزو الأمريكي للعراق والاتجاه بتحقيق التسوية الكاملة مع دول المواجهة وتطبيع العلاقات مع معظم الحكومات العربية والوصول إلى اتفاقية خريطة الطريق المؤدية إلى إقامة دولة فلسطين؟

إن جوهر “نظرية الأمن القومي” لن يتغير إذ تدرك إسرائيل غياب متغيرات إستراتيجية حادة على مستوى قدرات المواجهة لدى “الخصم العربي” لكن التحديث الذي جرى شمل بعض أسس وجوانب الإستراتيجية العسكرية لتتلاءم مع مختلف التطوّرات المستقبلية.

وبرغم ذلك، فإن الحديث عن “العقيدة العسكرية الإسرائيلية” يبقى الحديث عن الثوابت التي لا تتأثر بظرف عارض أو تكتيك مستحدَث.. ولا تتبدل بإسقاط حكومة أو صعود حكومة أخرى أو بانتصار أو إخفاق تكتل سياسي إلا بمقدار ما يعزز هذه العقيدة ويطوّرها تبعا لمتغيرات المرحلة وتحدياتها.

وتتأكد هذه الحقيقة فباستطاعة المتتبع منذ انعقاد المؤتمر الصهيوني الأول عام 1897 وحتى الآن أن يكشف الخط الذي يربط الإستراتيجية العامة للحركة الصهيونية على مدى أكثر من قرن رغم بروز عديد الأفعال التكتيكية المتنوعة والخطط المختلفة التي ظلت ترتبط بهدف واحد لا يتغير.

وبناء قوة عسكرية كبرى هو أشبه بمعجزة كما يصفها العالم الكيميائي حاييم وايزمن أول رئيس لـ”دولة إسرائيل” حين يقول:

إن معجزة إسرائيل الحقيقية هي أن يهوداً تمكنوا من أن يصبحوا جنودا!

وهذه المعجزة التي جعلت من سمسار أو مرابي في سوق الأوراق المالية جنديا مقاتلا.. استحقت هبة الدولة كما يقول الباحث “جورج بوي” في كتابه “تساهال”:

لقد وهبت دولة إسرائيل الصغيرة ذاتها لجيشها حتى أصبح ذلك الجيش العمود الفقري لها.. وتطور دورها ودوره لكي يتعدى مداه الحيوي مجال حماية المصالح الإسرائيلية وحدها وتجاوز إلى الحد الذي تأكد بنظر “البنتاغون” أنه رأسُ حربة موثوق بها في قاعدة عسكرية متقدمة.. متعاظمة ومتزايدة القوة.

ولم يجد “جورج بوي” أي صدى لادعائه في “إسرائيل” فقد أكد كبار الباحثين الإسرائيليين في “مركز يافا للدراسات الإستراتيجية” أن التهديد الكامن في نظرية الردع الإسرائيلي التقليدي لم تمنع العراق عام 1991 من مهاجمة إسرائيل بصواريخ أرض ـ أرض ولم يكن ذلك إلا تجسيدا لقيود نظرية الأمن القومي. ويذهب العميد “أبراهام روتم” رئيس قسم الإرشاد والتوجيه والتدريب في الجيش الإسرائيلي آنذاك.. أبعد من ذلك حين يقول:

 “في حرب الخليج اكتشفنا أننا شعبٌ لم تكن لديه درجة كبيرة من الصلابة والإصرار ولم يُظهر قدرة على الصمود”.

وتدرك إسرائيل كقاعدة منتصِبة فوق أرض مغتصَبة أن خسارة حربها ضد خصومها يعني خسارة وجودها.. وهذا ما جعلها تسعى دون هوادة إلى تعبئة ترسانتها النووية لضمان تفوق ميزان الرعب لديها.. ولتعويض ضعف قوتها البشرية والاقتصادية تلجأ إلى بناء قوة ردع تضمن التفوق الكمي والنوعي على الدول العربية ووضعها تحت مظلة قوة القصف الإسرائيلي.

وتتبلور نظرية الأمن الإسرائيلي باعتبار الحفاظ على الحدود الآمنة لتحسين الوضع الاستراتيجي العام لإسرائيل والمجال الحيوي التعرضي وتوفير فترة الإنذار الكافية كرد فعلٍ مضاد لأي عمل عربي “محتمل” وزيادة القوة البشرية التي تعدُّ عاملا حيويا في تعاظم القوة العسكرية الإسرائيلية المعتمِدة أساسا على الولايات المتحدة الأمريكية التي تأخذ على عاتقها تأمين متطلبات هذه القوة واستمرار بقائها في حالة تفوق على القوات العربية التي لم يسمح لها بامتلاك تكنولوجيا متطورة أو الخوض في مسيرة التقدم العلمي والتقني الذي قد يلحقها بركب الدول المتقدمة.

وإذ يواصل الكيان الإسرائيلي تفعيل “نظرية الأمن القومي” فإنه يرى في عملية التسوية الجارية حاليا مع بعض الدول العربية اختبارا وليس اتجاها نهائيا، فتطبيقها لا يقوم على مبدأ التوازن المتبادل بل على منطق القوة والتفوق.. ويكثف دوره الاستراتيجي بعد الاحتلال الأمريكي للعراق، وتوسيع دائرة الهيمنة الإيرانية عليه، بضمان التحرك بحرية أكبر في إعادة ترتيب أوضاعه العسكرية وخططه الإستراتيجية وتعزيز مصالحه وتحقيق المكاسب في المجالات الاقتصادية والسياسية والصناعية وفي مجال العلاقات الدولية.

وإذ ينكشف زيف ادعاء إسرائيل عبر القنوات الإعلامية بانتهاء الصراع العربي ـ الإسرائيلي المسلح وبدء عصر الوفاق والصلح والسلام، فإنها مازالت تخطط وتعد الدراسات وبحوث التطوير وتُجري المناورات حول خصائص الحرب المقبلة ضد العرب لتحقيق إنجاز قيادة منطقة الشرق الأوسط في ظل الوجود الأمريكي المباشر وصولا إلى إقامة “دولة إسرائيل الكبرى”.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
2
  • شخص

    نجاح الصهاينة لا يتعلق بمكر و حسن تدبير هؤلاء بقدر ما هو متعلق بضعفنا و تشتتنا و إهمالنا للقضايا التي تجمعنا و على رأسها فلسطين.

  • ابن الشهيد

    لكنك أغفلت الأهم في تحليلك وهي أسرة آل سعود والدور الدي لعبته في تحطيم العراق وسريا وليبيا واليمن من أجل تحقيق الأمن القومي لأسرائيل لأكثر من خمسين سنة أخرى وهدا بعدما نفدت خطة أمريكا بما يعرف عن 11 سبتمبر لمكز التجارة العالمي ،تعرف يادكتور من يصدر الأوامر ؟هي عائلى روتشيلد وحدها والعاملون لهده الأوامر ثلاثة في العالم : أمريكا الممثل الرئيسي تليها أسرائيل وتأتي بعد اسرائيل مملكة الخير لآل سعود ce sont les trois acteurs وقال ترامب" لولا السعودية لكانت اسرائيل في ورطة " تخيل العراق قوي مع سوريا وفي الجنوب اليمن ومن الغرب ليبيا وأموالها ؟لقد أجهضت كل المجهود العربي الأسلامي مملكة الحرم