-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
رحلة مع ذي القرنين

العمل يجلب المال ويحقّق الأمن

أبو جرة سلطاني
  • 388
  • 0
العمل يجلب المال ويحقّق الأمن

أوّل درس تعلّموه منه هو أفضليّة العمل على المال. وأسبقيّة العلم على العمل؛ فالمال خادم للعلم. والتّخطيط يسبق التّنفيذ. والجماعة قبل الفرد. والتّعاون المنظّم بقيّادة راشدة هو سرّ كلّ نجاح وروح كلّ حراك وسبب كلّ تفوّق. فكان من حكمته أنْ قذف بهم في معمعان العمل، فليس للمجادل من حيلة يُنهَى بها جدلُه سوى جرّه إلى ميدان العمل ليكون الميدان هو المحك؛ فالميدان يقطع طولَ اللّسان.

وهو ما فعله ذو القرنين بنقل هؤلاء المجادلين من أقوال لا فقه فيها ولا جدوى منها إلى عمل جماعيّ مُجدِ: طلب منهم جمْع كلّ قطعة حديد مُلقاة فوق أرضهم بين السدّيْن وتكديسها في عمق الوادي الفاصل بينهما حتّى تصير كومة واحدة. وهي ثروة كبيرة كانت مهملة، وكانوا غافلين عنها حتّى جاءهم ذو القرنين فلفت انتباههم إليها ودعاهم إلى جمعها وتحويلها من إهمال إلى إنجاز كانوا به يحلمون: ((آَتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ)) (الكهف: 96)، جمعوا له قطع الحديد لتكون “المادّة الأوليّة” لمشروع السدّ المطلوب لصدّ هجمات العدوّ.

نقلهم إلى ورشة عمل مفتوحة ولم يدخل معهم في نقاش ـ يعلم أنهم لا يفقهونه ـ حول جدوى جمع الحديد وتكديس بقايا المعادن وإلقائها بين فجوتيْ جبليْن بانتظار ما سيفعل. فالعبرة بما تتحقّق به المقاصد وليس بالجدل حول ما في رأس ذي القرنيْن من مخطّط بطول السدّ وعرضه وعمقه وشكله وتكلفته والزّمن الذي يستغرقه بناؤه.

لما جمعوا له زُبر الحديد حوّل الفكرة إلى إنجاز جماعي؛ فالفكرة منهم وهنْدسةُ المشروع منه، وتحت إشرافه وتوجيهه جُمعت مواد البناء وأدوات الإنجاز بجهد جماعيّ أشعرهم أنّ قيمة الإنسان في ما يحسنه من عمل. وأنّ كلّ أمّة بحاجة إلى قائد يرسم معالم نهضتها ويقودها إلى إعادة اكتشاف كينونتها وتفجير طاقاتها في أوجه الخير..

الخطوة الأولى كانت طوعيّة بتوجيه من ذي القرنيْن؛ تمثّلت في جمع كلّ قطعة حديد أو نحاس، أو أيّ معدن فوق أرضهم، وتكديسها في منفذ ضيّق بين جبليْن. وهذه مقدّمة الإنجاز التي تعاون القوم جميعا على إنفاذها لإقامة هذا السدّ، فلما صارت موادّه الأوليّة كتلة ضخمة بمستوى ارتفاع الجبليْن، تولى ذو القرنيْن ترتيبها وتوضيبها وتمتينها ورصّ قطعها ورفع مستواها فوق وجه الأرض ليُطاول ارتفاعُها امتدادَ الجبليْن لتتحوّل السّلسلة الجبليّة كلّها إلى سدّ متلاحم لا منفذ له من أمام ولا من وراء: ((حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ)) (الكهف: 96)، بوضع بقايا الحديد والحجارة وكلّ ما يصلح لردْم الفجوة الفاصلة بين السدّيْن، فصارت قطع الحديد أشبه بهيكل معدنيّ غالق للثّغر الفاصل بينهم وبين يأجوج ومأجوج.

بهذه الخطوة العمليّة نقل ذو القرنين أقواما، كانوا لا يكادون يفقهون قولا ولا يجتمعون على رأي ولا يعرفون ما بين أيديهم من ثروة، نقلهم من الفقه البارد إلى حركة الفعل الباني للإنسان. فلمّا شاهدوا الممرّ الضيّق بين الجبليْن مسدودا أدركوا أنّ ذا القرنيْن هو الأمل الذي كانوا ينتظرونه ليسدّ المنفذ الذي كان يهاجمهم منه يأجوج ومأجوج. رأوه يُسدّ “بخردة” كانت مهملة في ثقافتهم، فأدركوا أنّ الفكر أنفع من المال. والرّأي أزكى من تكديس ثروة لا تجد يد صانع. عندها نشطوا في استكمال ما كان حُلما.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!