-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الغرب يفقد تركيا!

الغرب يفقد تركيا!

بات واضحا اليوم أن تركيا قد فلتت من يد الغرب إلى غير رجعة. لقد أصبح فوز الرئيس رجب طيب أردوغان بعهدة رئاسية جديدة قاب قوسين أو أدنى بعد إعلان المرشّح الحاصلِ على المرتبة الثالثة في الدور الأول للانتخابات الرئاسية تأييده له.

وَقَع هذا الخبر كالصاعقة على الإعلام الغربي. لقد تصرَّف المرشح الثالث للرئاسيات في تركيا كوطنيٍّ تجاه بلده ورَفَض المغامرة بتأييد قوى المعارضة التي كانت تعتقد أنه أقرب إليها، خاصة في مواقفه المؤيدة لإعادة المهاجرين ورفض توجهات أردوغان الخارجية. لم تبق سوى أيام قليلة ويتحقق ما كان مُنتَظَرا أن يحدث بتركيا بعد مرور قرن من إسقاط الخلافة العثمانية. ستعود تركيا إلى ريادة الشرق، وتنسحب تدريجيا من مخطط ضمِّها إلى المشروع الغربي. وستكون لذلك انعكاسات جيوإستراتيجية كبيرة على مستقبل الاتحاد الأوروبي والسياسة الأمريكية في المنطقة ومصير الكيان الصهيوني…
سيبدأ قرنٌ جديد في تركيا، ومعه يبدأ العد التنازلي للهيمنة الغربية على العالم الإسلامي بكل ما لذلك من انعكاسات على جميع بلدان المنطقة.
لذلك اعتبرت الانتخابات الرئاسية في تركيا لسنة 2023 مختلفة عن سابقاتها.. ولذلك راهن الغرب أن يكون الفوز فيها لمعارضي أردوغان، ولذلك تجده اليوم يشعر بالخيبة وقد ذهب مُخطَّطُه أدراج الرياح. ولعل الأمر يعود بالدرجة الأولى إلى وعي الشعب التركي بأنه يعيش لحظة تاريخية فارقة.. رغم الكثير من المؤشرات السالبة التي برزت في هذا البلد في السنوات الأخيرة، المتعلقة بالتضخُّم المتنامي يوما بعد يوم، وإضعاف العملة التركية، والصعوبات المعيشية المتزايدة، ومخلفات كارثة الزلزال الأخير الكبيرة.. كل هذه المؤشرات السالبة لم تؤثر على العَقد غير المرئي الذي وقّعه غالبية الأتراك بينهم وبين أنفسهم، والمتضمن ضرورة تجاوز المشكلات الاقتصادية المؤقتة التي يعرفونها والمضيِّ قُدُما في طريق استعادة المكانة التاريخية لبلدهم ودورها الحضاري بعيدا عن الوقوع في أحضان مخططات التغريب التي وضعها لهم أعداء تركيا التاريخية.. وهكذا، تم تكذيب كافة التوقعات التي تنبَّأت بفوز ساحق للمعارضة من الدور الأول، وتم إفشال مشروع إجهاض تجربة أردوغان التاريخية ومحاولة إفراغها من محتواها الحضاري والاقتصادي والسياسي على حد سواء. وبلا شك ستكون هذه التجربة الناجحة نموذجا يُقتدى به في العالم الإسلامي من ناحية طريقة الوصول إلى الحكم أو الاستمرار فيه، ومن ناحية طريقة بناء الاقتصاد الوطني والتحول إلى مصافّ الدول المتقدِّمة، ومن ناحية إدارة الصراع بين الأقطاب الدولية الكبرى المتصارعة على مَن يُهمين على العالم.
لقد بتنا على عتبة قرن جديد من تاريخ أمتنا الإسلامية، علينا إدراك دورنا فيه ككتلة وسطى ذات وزن حضاري واقتصادي متميز قادرة على أن تؤدّي دورا مهما في التوازنات الدولية المقبلة، بل لعلنا على عتبة انتقال حضاري جديد.. كما دخلنا في حالة تبعية وانقسام وتشتت وهيمنة القوى الاستعمارية التقليدية بعد سنة 1923، سنشرع في دخول دورة حضارية جديدة في سنة 2023 بعد مرور قرن بالتمام والكمال عن الأولى. وسيكون عنوان هذه الدورة استعادة المكانة الدولية واستكمال السيادة على الثروات الوطنية، واللِّحاق بركب الصناعات المتقدمة في كافة المجالات، وإعادة بناء دولنا المستقلة ذات السيادة، ولِمَ لا إعادة التوازن المفقود للعالم، توازن يكون على أساس من العدل والمساواة والحرية وحق الأمم في أن تكون كما تريد بعيدا عن النموذج الغربي المفروض بالقهر والقوة والاستعباد الذي استمر طيلة القرنين التاسع عشر والعشرين ومازال يريد أن يبقى.. لولا قدرة الشعب التركي على قول: لا!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!