-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
في حوار للشروق العربي

الفنانة الفلسطينية سناء موسى: نشهد رحيل الجيل الأول للنكبة آخذا معه الكثير من الأسرار

 طارق معوش
  • 379
  • 0
الفنانة الفلسطينية سناء موسى: نشهد رحيل الجيل الأول للنكبة آخذا معه الكثير من الأسرار
أرشيف

صوت من الجليل الفلسطينيّ، حملت التراث من فؤاد الجدّة الشجرة إلى قلوب الجماهير المبثوثة، وطافت به في أرجاء الأرض تبشّر بتهليلة جديدة، تهليلة النصر هذه المرّة؛ لأنّ عصا موسى لم تشقّ الأرض دون الفلسطينيّ؛ ولأنّ يعقوب أبصر من ريح يوسف ومن دمه. من هنا يجيء التراث كورسًا من الحبّ؛ ودليلًا على البقاء، ومن هنا كان الضياء، وكان الصوت، وكان السناء.

رحلة مع فنّانة فلسطينيّة مفعمة بالحبّ والتراث؛ جعلت من قضيتها فنًّا تُسعد به أبناء وطنها في أزقة أرض الزيتون، تغني لهم ومعهم وتوحد صفوفهم على كلمات أغنية تراثية من الذاكرة لم تطلها أيادي الاحتلال وإن حاولت..

الفنانة سناء موسى في حوار خاص لمجلة الشروق العربي.

الشروق: لنبدأ بالجديد ومن “ترويدة بدوية” وما هي حكايتها؟

– تنتمي هذه الترويدة لشمال فلسطين. في إطار اهتمامي بالبحث عن التراث الشفوي الفلسطيني تعرّفت إلى السيدة لطفية سمعان من سمحاتا في الجليل، بعد تدمير منزلها لجأت مع إخوتها إلى حيفا. طرحت عليها أسئلة للتعرّف إلى أغاني النساء تحديداً، فتذكرت هذه الترويدة التي كانت تغنى للعروس لدى خروجها من منزلها.

لدى اللقاء بها كانت لطيفة في أواخر سبعينيات العمر ولم يبق في ذاكرتها سوى هذه الكلمات. بدوري ولسنوات سألت أخريات عن كلمات هذه الترويدة من دون تحقيق النجاح. للأسف الذاكرة تذوي وتذبل كما الصوت الذي يبدأ قوياً ويبدأ بالاختفاء ليبقى الصدى الذي لا يدوم حتى. وما غنيته هو صدى ما تبقى من ذاكرة لطيفة سمعان التي توفيت قبل سنوات وأخذت معها هذا اللحن إلى الغيب.

الشروق: كم آلمك هذا؟

– أن تذبل الذاكرة وتزول إشارة مخيفة بالنسبة لي. نحن كفلسطينيين نشهد رحيل الجيل الأول للنكبة وهو يأخذ معه الكثير من الأسرار، والألحان وغير ذلك من الحكايات. من المؤكد أن الكثير من قصصنا الشعبية سترحل مع حامليها ولن نعرفها أبداً. علينا أن نستدرك هذا الخطر وأن نجتهد لتوثيق أكبر قدر ممكن من تاريخنا الذي تمّ بتره من سياقه وجذوره، لينتقل إلى مخيمات اللجوء والشتات في فلسطين وخارجها.

الشروق: هل البحث في التراث الفلكلوري مهمة أفراد؟ أم هناك دعم رسمي فلسطيني؟

– بصراحة حتى الآن لا يزال العمل مهمة أفراد في أكثر من مكان، وكذلك عمل مؤسسات كمركز الفن الشعبي، الذي قام بجهد توثيقي في مناطق عدة في فلسطين خلال الثمانينيات. ما جُمع رائع، إنما ثمة محاور تحتاج للسؤال.

للأسف وعلى المستوى الرسمي ليس هناك أي عمل مقنع أو جاد في هذا المجال. وإن حصل أي جهد رسمي فسيأتي متأخراً جداً ودون جدوى. فالحكايات التي ينقلها الأبناء عن الجدات تختلف حين نسمعها منهن مباشرة.

يشرّفني أن أُعرف بفنّانة التراث ولا أستطيع أن أغنّي شيئًا لا يعبّر عنّي

الشروق: بين البوم “إشراق” و”هاجس”… مسافة ثماني سنوات، هل تعمدين إلى وقفات تأمّل كبيرة بين عمل وآخر؟

– حقيقة لا أتعمّد ذلك، لكن أنا لا أغنّي شيئًا لم يتمخّض عن تجربة، وهذه التجربة يجب أن تختمر وتنضج؛ حتّى يتسنّى للآخر أن يشاركني فيها، وكلّ هذا يحتاج إلى وقت. أنا لا أستطيع أن أغنّي شيئًا لا يعبّر عنّي، تخيّل معي أن أغنّي شيئًا عن حياة الإنسان على كوكب الزهرة، الفكرة يمكن أن تكون ممتعة وجميلة، غير أنّني لن ألمس أيّ شيء حقيقيّ؛ لأنّه ليس هاجسي حاليًّا.

أنا سأغنّي ما ينبع من حزني ومن فرحي، ومن تجربتي ومن تجربة آبائي؛ وعليه، من المهمّ أن يأخذ العمل وقتًا كافيًا وفي النهاية، فالقصّة ليست بعدد الأسطوانات أو الأغاني.

الشروق: ما التراث بالنسبة إلى سناء موسى، وقد عُرفت بفنّانة التراث منذ الـ 2000؟ وكيف ترين علاقة الفنّ بالتراث؟

– يشرّفني أن أُعرف بفنّانة التراث، وأنّ اسم سناء موسى يحيل على التراث. التراث اعتبره قصّتي وتاريخنا، والتراث هو سحر الكلمات والأغاني،. أغاني البوم “إشراق” كان انتقاؤها من مئات الأغاني، أعتبرها أغانيّ الشخصيّة، هذه الأغاني هي سناء موسى، وكلّ أغنية في هذه الأسطوانة تتحدّث عن سناء موسى، وليس فقط عنّي، عن كلّ سيّدة فلسطينيّة، وهذا سرّ نجاح “إشراق” دون أيّ مكنة إعلاميّة؛ ببساطة لأنّ العمل منّا؛ لأنّها أغاني كلّ فلسطينيّ وكلّ عربيّ. تخيّل مثلًا أن أنشد “طلّت البارودة والسبع ما طلّ”، أو أن أنشد “يا خيل سالم باش روحتولي؟”، في النهاية نحن نتحدّث عن نفس القصّة.

أن يعيش المرء كفنان في فلسطين هو في غاية الصعوبة

إلا أنني أشعر دائمًا بأنني فنانة محظوظة لكوني أعيش في بلد النضال

الشروق: ماذا يعني أن تكون فنانًا في فلسطين؟ وما التحديات التي تتعامل معها بشكل منتظم؟

– ليس من السهل أن تكون فنانًا بغض النظر عن مكان تواجدك في العالم. ومع ذلك، فإن الأمر أكثر تعقيدًا وصعوبة في بلدنا. فالفنان يحتاج إلى الحرية، فهي الرئة التي يتنفس من خلالها وهي المحرك الرئيسي لأفكاره. ولهذا، أن يعيش المرء كفنان في فلسطين هو في غاية الصعوبة في ظل غياب البيئة الحاضنة للفنون والفن.

فلا يوجد في بلدنا مقومات الحياة الفنية، لا يوجد مسرح ولا سينما ولا معرض ولا متحف ولا مؤسسات فنون ولا يوجد دعم من الحكومة لدعم الفنون.

ولكني أتفهم أن هناك أولويات في الحياة، أهم هذه الأولويات هي توفير العيش الكريم للناس. ولكن مع هذا لا يوجد عيش كريم للناس. كما أننا نرزح تحت حظر السفر. نعيش تحت حصار خانق أفقدنا الكثير من الفرص وجعلنا ضعفاء جدًا في الكثير من الأمور.

أن تعيش كفنان في هذه الظروف يعتبر إنجاز وتحد كبير. ورغم كل ما ذكر أعلاه إلا أنني أشعر دائمًا بأنني فنانة محظوظة لكوني أعيش في بلد النضال، فهي المكان الملهم لي، لأنها منطقة مليئة بالتناقضات والتغيرات وهذا كله يجعلني أكثر إبداعًا لإيماني بأن هذه الحياة الخاصة يمكن الاستفادة منها في بناء الأفكار الفنية، وهذه الفرصة الوحيدة التي تجعلني مختلفة بين زملائي الفنانين. فأجد هذا الأمر إيجابيا ومحفزا لإنتاج فن من نوع خاص يحمل قضايا إنسانية الهدف منها الوصول إلى العالم برسالة وهي أن الفن هو طريقة للحوار وطريقة لخلق التساؤل والتبادل الثقافي.

الشروق: برأيك، ما الذي يحتاج إليه الفنان، في مواجهة طُغيان السياسة والمذهبيّات والتحزّبات والطائفيّة؟

– لقد طغت الحياة السياسية على حياتنا طغيانًا أخذ علينا كل مسلك، وغمر بيوتنا وشوارعنا وكل زاوية من حياتنا. وما عدنا نرى إلاّ من خلال هذا الطغيان.

نحن في أمّس الحاجة إلى سلامة الفكر، إلى الصحو. الفنان اليوم، يعيش فترة صعبة، ناقمة على تاريخه، متجسّسة على خصوصياته، مريعة بما فيها من فقر وجوع وقهر وقتل بحقّه. فإذا لم يتمرّد الفنان ويدافع عن وجوده الفردي، فسوف يفقد وجهه وملامحه. للفنان سحرٌ، إن تُرك للمذهبيين والطائفيّين والسياسيين، فسوف يُمحق كلّ ما يميزه من رؤية خاصة للحياة أو فهم متفرّدٍ للتاريخ أو تعاطف خلاّقٍ مع البشر. يصير هذا التمرّد إلى حتميّةٍ كلّما اشتد الصراع السياسي واحتدمت الخصومات، ويبدو أننا نعيش زمن الذّروة.

الجزائر قريبة وحاضرة في تاريخنا ووجداننا.

الشروق: وهل هناك “ما يكفي” من الفنّ “لإنقاذ” العالم؟

– إننا نقاسي شحًّا في الإبداع (كما قلت). علينا أن نُخصب التربة، نتأمل ونُنتج. ونربش في تراثنا وتاريخنا وحين نفترض أن الفنَّ إنسانيٌّ في الجوهر، يبقى سؤال “أهو جيّد أم رديء”، وبذلك يكون الفنُّ وسيلة لتعزيز الاندفاع، لا وسيلة للكبت والتجميد.

الشروق: أين أنت من السينما؟

– تستهويني السينما ولم أطرق بابها أبداً، وهي بنظري الأكثر جاذبية بين كافة أنواع الفنون، وسأبقى فقط شغوفة بهذا الفن. في بعض أغنياتي على المسرح أحاول رسم بعض المشاهد كما في “طلت البارودة” لوضع المتلقي في صورة الأغنية. وكذلك أجتهد لتكون هذه المشهدية متوافرة في الأسطوانة.

الشروق: كلمة للجزائر…

– “آه” الجزائر… أتنهّد عندما أتحدّث عن الجزائر، للجزائر مكانة خاصّة؛ احتضنت فلسطين في أكثر الظروف حرجًا, علاقة قويّة جدًّا، فيها محبّة متبادلة بيننا.

الجزائر… أبسط ما يُقال – هي في القلب، بشكل طبيعيّ وعفويّ، قريبة وحاضرة في تاريخنا ووجداننا.

الشروق: لا يمكن لي أن أختم حواري معك دون أن أسأل عن الحبيبة فلسطين؟

– فلسطين في القلب وسأظل أغني من أجلها، ومن أجل حرية شعبها دوماً، ذلك الشعب الذي وصفه الراحل سميح القاسم بمنتصب القامة ومرفوع الهامة يمشي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!