-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفن في زمن الكوليرا

حسان زهار
  • 588
  • 1
الفن في زمن الكوليرا
ح.م

ربما لم تكن رائعة الكاتب غابريال غارسيا ماركيز “الحب في زمن الكوليرا” مجرد رواية عابرة كما تعبر في حياة البعض النساء والحكايات، فلقد كانت تلك الرواية على ما يبدو تستلهم أحداثا عظيمة ستظهر في المستقبل، ولعل أبرزها حديثنا اليوم في الجزائر، بعد أن اختلط الحابل بالنابل، بين قضايا الثقافة المنتحرة على أبواب وزارة الثقافة، وبين الأوبئة المنقرضة التي عادت من أسوار وزارة الصحة ومعهد باستور، بحيث نكون أمام رائعة من نوع آخر هي “الفن في زمن الكوليرا”.
قبل أن يظهر وباء الكوليرا في الجزائر مؤخرا بهذا الفجور، ظلت البلاد تترنح على وقع صراع الديكة بين الداعين إلى إقامة الحفلات الغنائية في الولايات أيام الصيف، وبين المعارضين الذين ابتكروا طريقة لمقاومة الرداءة الفنية عبر إقامة الصلوات الجامعة في الساحات، للتعبير عن رفضهم لموجة الفن الهابط التي أرادت الجهات الوصية فرضها على مناطق كثيرة من البلاد تعرف بأنها محافظة، وقد كان مبرر الجهات الداعمة لموجة الفن الهابط الذي يتصدره مع الأسف شرذمة من فناني الكباريهات والفنانين المخنثين، أن المجتمع بحاجة إلى الثقافة والفن، وأن الأموال التي تصرف في القطاع هدفها تحقيق التنمية وإخراج البلاد من التخلف.
والغريب في الحكاية، أن الجماهير الغاضبة التي واجهت تلك الحفلات الماجنة بالصلاة والدعاء، كانت ترفع شعارات محددة وواضحة، منها أن الناس ليسوا ضد الفن والثقافة التي تحترم تقاليدهم ودينهم، لكنهم يفضلون بدل انفاق الأموال في الحفلات الماجنة أن يتم استغلال تلك الأموال في توفير الشغل للشباب وتعبيد الطرقات، والأهم أن يتم استغلال تلك الأموال في توفير المستشفيات والمياه الصالحة للشرب وإصلاح أنابيب الصرف الصحي.
ولم يمض وقت طويل على تلك المواجهة التي شغلت بال الرأي العام الوطني، خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي، أين تبادل فيها الطرفان انواع التهم والسباب، حتى تفجرت قضية الكوليرا، ليتضح لنا البون الشاسع بين أصحاب الطرح الموضوعي الذين يطالبون أولا بتوفير مستلزمات الصحة العمومية من مستشفيات ومنظومة استهلاك صحية تحافظ على حياة الناس، وبين الذين لا يهمهم ذلك في شيء، ويركزون على توفير الرقص لكل الناس وبأي ثمن، حتى وإن كان هؤلاء المساكين يعانون الجوع والفقر وأنواع الأمراض الفتاكة والمنقرضة.
لقد كان يمكن القبول بفكرة أن يكون الفن قبل الخبز، في تحايل واضح على أصحاب الفكرة المجنونة المقابلة “الخبز قبل الديمقراطية”، في حال ما إن كان هذا الفن هادفا يحمل قضية يسعى من خلالها أصحابها إلى تحرير الانسان من كافة أنواع القيود والاستعباد، لكن الحاصل أن الفن عندنا للأسف، وهو كما حاله في باقي العالم العربي إلا ما رحم ربي، هو مجرد صرخات “محششين” يسعون من خلال موظفيهم إلى إغراق الناس في حالات قصوى من التخدير، لكي لا تكون لهم رؤية أو مشروع أو قضية.
نحن إذن بالفعل نعيش أجواء الفن في زمن الكوليرا، الفن الذي فقد قيمته الراقية في توعية الجماهير، وتحول إلى مخاطبة الغرائز، حري به أن ينتشر في وسط الأوبئة والأمراض الفتاكة، وأن تكون الكوليرا اليوم، كما كان الجرب بالأمس، وربما الطاعون غدا لا قدر الله، عنوانا بارزا له، نسأل الله في خضم هذا السقوط والرداءة السلامة للجميع.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • شخص

    رجاءاً إحتروا ضحايا الكوليرا