-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

الفن والقصة الوطنية

باري لوين
  • 312
  • 1
الفن والقصة الوطنية
ح.م

سعدتُ بحضور عرضين فنيين رائعين خلال يوم الاحتفال بالذكرى الرابعة والستين لاندلاع ثورة نوفمبر. أما الأول، فكان عرضا لملحمة “نوفمبر… سجلُّ الخلود”، التي لخَّصت تاريخ الجزائر وكفاحه ضد الاستعمار وتصديه للإرهاب الذي عصف بالجزائر في التسعينيات لتدخل بعدها البلاد مرحلة الأمن والاستقرار. وحضرت أيضا أوبريت “ليلة الأقدار”، حيث امتزج كل من الموسيقى والرقص في لوحة جميلة تعبِّر عن العيش معا في سلام في جزائر يعمُّها الأمن والتضامن والانسجام.
ولقد أدركت من خلال هذين العرضين مدى أهمية الروايات التاريخية والقصص الوطنية بالنسبة إلى أي بلد، فهي بمثابة مرجع للهوية الوطنية. وبناء على ذلك، يلعب الفن دورا مهما لإيصال هذه الروايات والقصص إلى الشعوب، فهي مرآة تعكس ماضي الأمم وحاضرها ومستقبلها. وفي هذا الصدد، أودُّ أن أعرض لكم أمثلة من الفن البريطاني، رأيت أنها تعبِّر عن تاريخ المملكة المتحدة وهويتها.
ساهمت مسرحيات شكسبير في تطوير الرواية البريطانية. وقد عرض في أحد مسرحياته، على سبيل المثال لا الحصر، الخطاب الشهير للملك هنري الخامس (Henry V) الذي ألقاه قبل معركة أجينكور (Agincourt) ضد الجيش الفرنسي؛ إذ وصف فيها الملكُ جيشه بـ”عصبة الإخوة-“Band of Brothers لتشجيعهم والتضامن معهم، ليُستعمَل هذا الاسم، بعد 500 سنة، كعنوان لبرنامج تليفزيون أمريكي!
وللشعر أيضا دورٌ في القصة التاريخية للأوطان؛ ففي الأسبوع المقبل، سنُحيي ذكرى الجنود البريطانيين الذين فقدناهم في الحرب العالمية الأولى، ونرتدي وردة الخشخاش على ملابسنا كرمز لتضحياتهم النفيسة. وقد استوحينا هذا التقليد من قصيدة “في حقول الفلاندز” لجون مكري John McCrae، الذي يتكلم فيها عن زهرة الخشخاش، وكانت من بين أولى الزهور التي نمت في مدافن الجنود بعد الحرب العالمية الأولى.
أما بالنسبة إلى الفن التشكيلي، فعندي في مكتبي الخاص صورة غير أصلية من أعمال الفنان ل. س. لوري Lawry))، يعبِّر فيها عن العمال الفقراء وهم يعبُرون الشارع أمام المصانع في مطلع القرن العشرين. وتذكِّرني أيضا بالكفاح الطويل من أجل الحصول على حق مشاركة الشعب في اقتصاد البلاد وسياستها، فها نحن اليوم نحتفل بـ100 سنة من حصول المرأة البريطانية على حق التصويت.
خلال الشهر الجاري، نحتفل في السفارة بالمساواة بين الجنسين، فلا يزال دور المرأة محدودا في مجال الفن وأحيانا لا يُكتب حتى اسمها على الأعمال الفنية، فمثلا لا تحتوي أعمال النسيج بايو-Bayeux tapestry ” اسم من صنعها، وهي التي تعتبر مرحلة مهمة في تاريخ المملكة المتحدة وفنها. المعروف أن أمير نومندي هو من طلب هذه الأعمال لكنها لا تحمل اسم الحرفيات البريطانيات اللواتي صنعْنَها (وهذا ما يظهر جليا في الكتابة اللاتينية الموجودة عليها التي تقول: صنعتها نساء لكن مجهولات).
أما في مجال الموسيقى، فيحضرني العرض الموسيقي لبيلي إليوت Billy Elliott، الذي يدور موضوعه حول صراع راقص بالي شاب ومعاناته من التحيُّز الجنسي، لينتصر في النهاية ويحقق نجاحا باهرا. وهذه القصة دليل على أن الرجال أيضا يعانون من اللا مساواة بين الجنسين، وليست المرأة فقط.
وفي ذات السياق، تعدُّ الأوراق النقدية فنا مهما أيضا يحتفى من خلاله بهوية المملكة المتحدة؛ إذ تحتوي ورقة 20 جنيهاً على صورة العالم الاقتصادي الأسكتلندي آدم سميث، وذلك دليلٌ على التزام المملكة المتحدة بمبدإ التجارة الحرة.
أما فن العمارة والهندسة، فيتجلى في مبنى وزارة الخارجية في لندن، الذي يحكي قصة تعامل المملكة المتحدة مع العالم في القرن الثامن عشر. ولا تزال رسالتها النبيلة الداعية إلى السلام والتعايش والتسامح سارية إلى اليوم. ويمكنكم القيام بجولة افتراضية من خلال موقع الوزارة : https://blogs.fco.gov.uk/fco-virtual-tour/
ولا يفوتني في هذا المقام أن أتكلم عن فن النحت، إذ يوجد بساحة البرلمان بلندن تماثيل لشخصيات تاريخية مهمة كرؤساء وزارات من الملكة المتحدة والكومنولث، نذكر منهم الرئيس إبراهام لنكون، والرئيس نلسون مونديلا، ومهاتما غاندي الذي نُصِّب له تمثالٌ للاحتفاء بالدور الذي أداه في استقلال الهند عن بريطانيا. وأيضا تمثال السيدة ميليسنت فوست Millicent Fawcett ، وهي إحدى زعيمات الحركة التي طالبت بحق المرأة في التصويت.
إن الاحتفال بالقصة الوطنية هو أيضا احتفالٌ بالقصة الإنسانية العالمية. فلقد رأينا روح الترحيب والتعايش نفسيهما الأسبوع الماضي خلال العرض الموسيقي بالقاعة البيضوية بملعب 5 جويلية، عندما قام الفنانون الجزائريون الشباب بدعوة السفراء الأجانب إلى خشبة المسرح، ليؤكد ذلك على أنه لا يوجد تناقضٌ بين الاعتزاز بالوطن ورواياته التاريخية وبين التعايش مع الآخر واحترامه.
يقال إن الصورة بألف كلمة، لهذا أدعوكم إلى زيارة صفحتي على تويتر والاستمتاع بمقاطع من الأوبريت المصور: @BarryLowen

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • محمد

    هل قرأ ممثلو الجزائر هذا المقال لسفير بريطانيا العظمى؟نعم إنها قائدة الدول المستعمرة للشعوب والتي ارتكبت في حق الإنسانية أبشع الجرائم.لكن سفيرها اليوم في الجزائر المستقلة يعطينا درسا عما يجب أن يدلي ممثل الدولة التي تريد أن تربط علاقات متينة اقتصاديا وثقافيا.لقد أتحفنا السيد السفير بملخص ثقافي وتاريخي عن الشعب الذي يمثله حين يحضر حفلات أقيمت بمناسبة قيام الثورة الجزائرية.انطلق من تاريخ بلادنا المعاصر ليعرج على سرد ما يزخر به الأنجليز من شخصيات أمدت العالم بأرقى الأعمال الحضارية ونوه باهتمام بلده بما خلفته بعض الشخصيات من مختلف البلدان الأجنبية.ألم يؤسس هذا السفير لعلاقات مستقبلية طيبة مع بلدنا