الفوانيس والبخور… تقاليد رمضانية جديدة ببيوت الجزائريين!

لم يعد التحضير لشهر رمضان يقتصر على تنظيف المنازل واقتناء التوابل والأواني الجديدة، كما كان في السابق، بل تحول اهتمام أرباب البيوت نحو الديكور الرمضاني، وجعله جزءا لا يتجزأ من الاستعدادات الأساسية لدى الكثير من العائلات الجزائرية، إذ أصبح الفانوس والبخور والإضاءة ذات الطابع الشرقي مؤخرا من بين العادات الجزائرية الحديثة التي تضفي أجواء خاصة على البيوت، متأثرين بالثقافة الشرقية التي تعكس قدسية الشهر المبارك، وفي نفس الوقت الجمع بين الأصالة والمعاصرة.
روائح البخور الزكية تنبعث من المحلات، وتتلألأ أنوار الفوانيس المعلقة، معلنة عن أجواء رمضانية مبكرة، كما تحولت الأسواق الشعبية والمحلات العتيقة إلى معارض مفتوحة للديكورات والمستلزمات الرمضانية، التي يتوافد الجزائريون عليها لاقتناء ما يضفي على منازلهم لمسات مميزة استعدادا لاستقبال الشهر الفضيل.. هذا، ما وقفت عليه “الشروق”، في جولة لها بالسوق الشعبي لساحة الشهداء في العاصمة أين يصطف عشرات الزبائن أمام مداخل المحلات الخاصة ببيع الزينة الرمضانية، حيث تعرض الواجهات الزجاجية لهذه المحلات مجموعة متنوعة من الفوانيس بمختلف الأحجام والألوان، حيث يجد الزائر نفسه عند الدخول إلى المكان وسط عالم من الإضاءة الدافئة التي تعكس روحية رمضان، كما تتدلى الفوانيس المصنوعة من المعدن والزجاج المزخرف، بعضها يحمل نقوشا هندسية شرقية، وأخرى بألوان زاهية تجذب الأنظار، إقبال معتبر لمسناه على اقتناء هذه الأنواع من الزينة التي تعتبر غير مألوفة بالمجتمع الجزائري خلال سنوات وعقود مضت، بعدما أصبح تقليدا لبعض العادات الشرقية من خلال التأثر بمواقع التواصل الاجتماعية.
أسعار تنافسية للزينة الرمضانية بالأسواق
إلى جانب هذه الزينة المختلفة والأواني النحاسية، بأشكال هندسية خاصة عبارة عن “الهلال والنجمة”، تنوعت البخارات ذات التصاميم العصرية الموجودة بالرفوف، إضافة إلى ملاقط خاصة بالبخور مصنوعة بإتقان، وعلب بخور فاخرة ذات نكهات متنوعة، منها العود والمسك والعنبر، التي تعتبر من أكثر الأنواع طلبا في هذه الفترة.
اقتربنا من أحد التجار للاستفسار عن الأسعار، حيث بادرنا الأخير بالحديث مباشرة عن الإقبال الكبير الذي تشهده هذه الديكورات المتنوعة هذا العام غير مهتمين بأسعارها، قائلا إن العائلات الجزائرية تغيرت أذواقها مع مرور الزمن إذ أصبح اغلبهم يرغبون في عيش أجواء رمضان بكل تفاصيلها، والبحث عما يلبي هذه الرغبة من خلال اقتناء هذه الأغراض التي أغرقت بها الأسواق مؤخرا، مضيفا أن المقتنيات لا تقتصر على الزينة فحسب، بل هناك طقوس يومية شرع الجزائريون في إتباعها مع حلول شهر رمضان، على غرار إشعال البخور مساء لتعطير البيوت وغيرها من العادات..
ويوضح المتحدث أن الطلب ارتفع بشكل ملحوظ هذا العام، خاصة على الفوانيس الكبيرة التي يبلغ سعرها ما بين 600 و900 دينار، بينما تتوفر الفوانيس الصغيرة بمبلغ 350 دينار، أما ملاقط البخور الأنيقة، فيباع الواحد منها بـ 250 دينار، فيما تعرض علب البخور المكونة من 10 حبات بسعر 300 دينار، وأشار محدثنا إلى أن بُعد المسافة لم تعد تشكل عائقا أمام عشاق الزينة الرمضانية، على حد قوله، فقد أتاح أصحاب المحلات خدمة التوصيل، مع خيار الدفع عند الاستلام، ما يسهل عملية الشراء لمن لا يستطيعون زيارة المحل، وأضاف المتحدث أنه استقبل شخصيا طلبات من مختلف الولايات، كما يركز زبائنه على الجودة والتصميم المميز، خاصة أن الفوانيس المستوردة من دول عربية مثل مصر ولبنان أصبحت تلقى رواجا كبيرا بالجزائر…
مؤثرون يروّجون لمستلزمات رمضان بصيحات جديدة
وتلعب مواقع التواصل الاجتماعي دورا مهما في تغير الأذواق والعادات، حتى إنها أصبحت قوة رقمية تدفع الكثير من العائلات إلى تبني عادات رمضانية جديدة، لا سيما في الجزائر، ومع اقتراب شهر رمضان، تشرع صفحات على الفايسبوك وإنستغرام وتيكتوك، في نشر صور وفيديوهات مفعمة بالأجواء الرمضانية، تخص عملية تزيين المنازل بمستلزمات تقليدية وحديثة، مثل الفوانيس المضيئة، المآزر الخاصة بالمطبخ والمطرزة بعبارات رمضانية استعدادا لأجواء الطهي خلال الشهر الفضيل، وأغراض الصلاة المزخرفة، حيث يتبادل رواد هذه المواقع والمنصات صورا خاصة بركن الصلاة المنظم، أو طرق تقديم الطعام في وجبات الإفطار والسحور، وسجادات الصلاة المميزة التي يروج لها عبر المؤثرين.
خلق أجواء مميزة لتعزز الشعور بالاحتفال والترابط العائلي
وفي هذا الإطار، يرى المختص في علم الاجتماع مسعود بن حليمة في حديثه لـ”الشروق”، أن شهر رمضان بالنسبة للجزائريين لا يقتصر فقط على الطقوس الدينية والتجمعات العائلية بل أصبح يحمل أبعادا اجتماعية وثقافية جديدة تعكس التحولات التي يشهدها نمط الحياة اليومية للمجتمع الجزائري، مضيفا أن بعض العادات شهدت تطورا ملحوظا خلال السنوات الفارطة خاصة بعد جائحة كورونا، أين استحواذ سحر المواقع الافتراضية على حياة الجزائريين، قائلا إن هذا التغير الجديد يعكس حاجة المجتمع إلى خلق أجواء خاصة تعزز الشعور بالاحتفال والترابط، بالإضافة إلى رغبتهم في مواكبة الموضة الحديثة التي تسوق لها المنصات الرقمية، حيث يسعى الجزائريون إلى أحياء أجواء رمضان لكن بأسلوب عصري يلبي أذواق الأجيال الجديدة، على حد قول المتحدث ذاته.