الفيزا بدل الاعتذار

رشيد ولد بوسيافة: boussiafa@ech-chorouk.com
مرة أخرى تتأكد نية فرنسا في عدم الاعتراف والاعتذار عن جرائم الاستعمار في الجزائر، رغم مطالبة الجزائر بهذا الإجراء الرمزي منذ مدة وربط ذلك بتوقيع معاهدة الصداقة بين البلدين، والمثير في الموضوع أن ساركوزي اختار الجزائر ليدشن بها حملته الانتخابية غير الرسمية من أجل الوصول إلى مبنى الإليزي، قدم تبريرات غريبة لإصرار فرنسا على عدم الاعتذار.ساركوزي الذي سبق له أن وصف سكان الضواحي الباريسية الذين ثاروا ضد التهميش والإقصاء بالحثالى أراد أن يبيض صورته بكعكة “الفيزا”، لكنه ظل وفيا لسياسة التجاهل التي يعتمدها الرسميون الفرنسيون تجاه المطلب الجزائري الرئيسي وهو الاعتذار، وقال إنه من غير الممكن أن نطلب من الأبناء تقديم اعتذار عما ارتكبه آباؤهم، كما أشار إلى أن الماضي الاستعماري هو مأساة مشتركة للشعبين.
وهي تبريرات غريبة تؤكد وجود اختلال في القيم والمفاهيم لدى السياسيين الفرنسيين، الذين حشروا أنفسهم في شأن تركي داخلي وأقروا قانونا “شاذا” يجرم من لا يعترف بمذابح قالوا إنها ارتكبت في حق الأرمن من قبل الدولة العثمانية، فيما يصرون على عدم الاعتراف بما ارتكبه أسلافهم بل “كبارهم” في حق الجزائر شعبا ووطنا ودينا ولغة.
لازالت نظرة الاستعلاء من قبل الفرنسيين للجزائريين مستمرة، كما لازال مركب النقص يسيطر على أذهان الكثير من الجزائريين، وزيارة ساركوزي وما أحاط بها من تهليل واهتمام خاص بالكعكة التي حملتها معها وهي تسهيلات الحصول على الفيزا، كلها عوامل تؤكد هذا المعنى، وسوف لن يتردد الفرنسيون في الاعتراف بجرائم الاستعمار والاعتذار وربما التعويض، عندما نكون نحن جديون في المطالبة بذلك، لأنه إلى غاية الآن لم يتجاوز الأمر حد الكلام والتصريحات الفارغة.
عندما يكون البرلمان التركي أكثر فاعلية ويشرع قانونا يدين مجازر الاستعمار في الجزائر، فإن السياسيين الفرنسيين يمكنهم أن يتريثوا ويقدموا ما شاءوا من التبريرات حتى ولو صادمت المنطق، وخالفت الأعراف الدبلوماسية، وعندما نمتلك مؤسسات حقيقية تفرض ما يريده المجتمع حتى ولو عارض المسؤولون، فإن مسائل الاعتراف والاعتذار والتعويض عن جرائم الاستعمار ستكون تحصيل حاصل.