القفز من الصخور.. متعة تُفقد الحياة وتقعد على كرسي متحرك

يتواصل مسلسل حوادث القفز في البحر من مرتفعات وصخور عالية، فرغم تحذيرات المختصين ومصالح الحماية المدنية والأطباء من العواقب الأليمة لها إلاّ أنّ تلك التحديات تجذب مئات الشباب ومنهم، للأسف، من يفقد حياته في لحظات متعة ومغامرة يلفظ على إثرها أنفاسه.
وتستهوي المرتفعات الشاهقة الشباب المجازفين الراغبين في تحقيق أكبر قدر من المتعة المحفوفة بالمخاطر، حيث يفرّون إلى الشواطئ الصّخرية التي يجدون فيها ضالتهم، فتجدهم ينجرفون نحو تلك المخاطر دون وعي ودون تقدير العواقب.
وغالبا ما تسجّل تلك الحوادث الأليمة في الشواطئ الصخرية غير المحروسة وفي أوساط المراهقين والشباب الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و30 عاما، حيث تستقبل المستشفيات المتخصصة في إعادة التأهيل الحركي عشرات الحالات التي تتلقى العلاج والذي يدوم أشهرا عديدة وقد يصل إلى سنوات من أجل استعادة جزئية للحركة.
الكسر في فقرات العنق أكثر الإصابات
ويعتبر الكسر في فقرات العنق من أخطر الإصابات التى قد تؤدي بالإنسان إلى الموت المباشر أو الشلل الرباعي في لحظة فارقة، وكثيرا ما تنتشر هذه الحوادث في موسم الاصطياف مع شباب في مقتبل العمر نتيجة القفز من أعلى الصخور البحرية أو خطأ في تقنية القفز أو عدم تقييم العمق فيصاب الشاب في الصخور الموجودة في القاع وتؤثر الكسور بصفة مباشرة على نخاعه الشوكي.
مصالح الحماية المدنية تحذر
وفي هذا السّياق، أفاد المكلف بالإعلام على مستوى مديرية الحماية المدنية النقيب نسيم برناوي في تصريح لـ”الشروق، بأن التردد على الشواطئ الممنوعة للسباحة لاسيما ذات طابع صخري والتي تستهوي فئة الشباب والمراهقين بدافع القيام بالقفز من الصخور والمرتفعات، تبقى خطيرة جدا لما ينتج عنها من حوادث لا يحمد عقباها وهي في الغالب حوادث مميتة أو ينجم عنها حالات إعاقة وشلل أو مخاطر أخرى يندم عليها المرء.
وكشف النقيب برناوي عن تسجيل الحماية المدنية عدّة حالات وفاة بهذه الأماكن خاصة الاصطدام بالصخور لسوء تقدير المسافة سواء خارج الماء أم الصخور الموجودة تحت الماء، وغالبا ما يصاب المرء في رأسه إصابات بليغة تؤدي للوفاة فورا أو إصابات خطيرة تقعده في المستشفى في العناية المركزة ومن ثم يكون مصيره الوفاة أو الشلل، “وللأسف اغلب الضحايا هم في مقتبل العمر أطفال ومراهقون وشباب”.
ولفت برناوي نسيم الانتباه إلى أن تكرر حوادث السقوط في هذه الأماكن يتطلب يقظة لدى الأهل والآباء وضرورة منعهم أبناءهم من التردد على هذه الشواطئ، خاصة الأطفال الصغار بدون مرافقة لأنهم لا يدركون حقيقة الخطر وبالنسبة إليهم يبقى الأمر مجرد لعب ومرح وتباهي أمام الناس بقدراتهم البدنية أو القفز من أماكن عالية في جو المشاحنة بين الشباب،”لذا على الأولياء تحسيس أولادهم بعدم التوافد على هذه الأماكن، لأن المتوافدين عليها يقطنون غالبا بالقرب منها باعتبارها شواطئ جوارية”.
حملة “ما تغامروش بحياتكم” لحفظ الأرواح
بدورها تنشط العديد من الجمعيات الوطنية والمحلية في تعزيز البعد التوعوي والتحسيسي بمخاطر الغطس والقفز من الصخور والمرتفعات ومن هؤلاء “الجمعية الوطنية للعمل التطوعي التي أطلقت حملة تحت شعار “ماتغامروش بحياتكم” على خلفية الحوادث المتكررة سنويا أما المتعلقة بالغرق أو الغطس والقفز في البحر.
ودعت الجمعية إلى التقيد بتعليمات وإجراءات السلامة وعدم القيام بالمناورات الخطيرة كالغطس أو القفز من أعالي الصخور فقد تكون هذه اللحظة الأخيرة في حياة الشخص أو سببا في إعاقته، كما ركزت على الإنقاذ دون مجازفة وتعريض النفس للخطر.
إصابات خطيرة تؤدي إلى الشلل والموت
من جانبه أفاد البروفيسور مصطفى يعقوبي، رئيس مصلحة جراحة العظام بمستشفى بن عكنون بالعاصمة، أنّ الصيف ملازم لمثل هذه الحوادث التي باتت آفة تهدد المصطافين خاصة الشباب بين أعمار 15-23 عاما وهي تضاف إلى مخاطر الغرق المسجلة بشكل متزايد، متأسفا لمحاولات الاستعراض والتباهي التي تؤدي بحياة أشخاص في مقتبل العمر.
وأوضح البروفيسور يعقوبي أن المغامرة بالقفز من المرتفعات لا تتعلق بالبحر فقط وإنما نجدها حتى في السدود والمسطحات المائية الممنوعة من السباحة.
وأرجع المختص الأمر إلى غياب الوعي بمدى الخطورة التي تترتب عن هكذا سلوكات فهؤلاء الشباب يغامرون بحياتهم وبصحتهم لأنّه إذا نجا من الموت فيقضي ما تبقى من حياته حبيس كرسي متحرك وسيصاب بإعاقة دائمة وشلل لجميع أعضائه فأي مستقبل ينتظر هؤلاء الشباب الذين سيتحولون إلى عبء على أنفسهم وعائلاتهم وعلى المجتمع.
وأكد البروفيسور يعقوبي أن الحادثة تكون مفاجئة وينجم عنها أضرار كثيرة منها اعوجاج العمود الفقري وتضرر النخاع الشوكي وتقطعه وفي هذه الحالة لا يمكن وصله أو تعويضه ولا يمكن إنقاذ حياة المريض، كما أن تأثير الحادث على منطقة الرأس قد يسبب نزيفا في المخ يقتل مباشرة، ويمكن أن تصيب الحادث مؤخر العنق الذي يؤدي أيضا إلى الموت المحقق، وقد تصيب الحادثة منطقة الظهر فتؤدي حسب المختص إلى شلل في الأطراف السفلية للجسم.
ونبه المختص إلى أنّ تأثير هذه الحوادث لا يتوقف على الشواطئ الصخرية وإنما حتى على الشواطئ الرملية المسموحة بالسباحة في أماكن قريبة من الشاطئ، لذا يجب الانتباه والتريث قبل المغامرة.
ويتطلب علاج مثل هذه الحالات حسب البروفيسور يعقوبي أشهرا عددية وسنوات طويلة والأكثر من ذلك هي الأزمة النفسية التي يصاب بها والتي قد تجعله يفكر في أمور غير جيدة ومنهم من حاول الانتحار.
ودعا البروفيسور إلى الصرامة في التعامل مع هذه الحالات فرض عقوبات مع تعزيز العمل التوعوي واللجوء إلى التوعية بالصدمة وتقديم حالات لشباب ضحية هذه الحوادث للإدلاء بشهاداتهم.