-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“الكارانطيطا” أهمّ وأولى!

جمال لعلامي
  • 763
  • 0
“الكارانطيطا” أهمّ وأولى!

ينتقد بغض مرتادي الصالون الدولي للكتاب، تزاحم الكثير من الزوار على أكشاك صاندويشات “الشوارمة” و”الكارانطيطة” أكثر من تدافعهم على الكتب خلال فترة المعرض، والحقيقة أن في هذا التشخيص واللوم، الكثير من التضخيم والتهويل، فلو انعكست الصورة، وغابت هذه الأكشاك، لانتفض المنتقدون أنفسهم، ورسموا صورة سوداوية عن تنظيم المعرض، وتساءلوا كيف بإمكان الكتاب أن ينجح في غياب “ملء البطون”؟
فعلا، صدق المثل القائل: “كي تشبع الكرش تقول للرّاس غني”، فهل يُعقل يا جماعة الخير، أن يُرغم زائر قادم من الشرق أو الجنوب أو الغرب، أو حتى من ولاية بعيدة بالوسط، إلى “لافوار” بالعاصمة، ثم عندما يدخل المعرض، ويتجوّل لساعات بين أروقته، لا يجد مكانا قريبا يُسكت به “نداء” بطنه وجوع أبنائه الذين يُرافقونه من أجل القراءة؟
أعتقد، أن الإشكالية أكبر بكثير، في أن تختزل بهذه الطريقة، وفي هذا المشكل البسيط، فيتم إغراق معرض الكتاب الذي يعرض أكثر من 300 عنوان في قضية “الشوارما” و”البيتزا” و”الجاج المحمّر”، فالكثير منّا زار معارض عالمية مختلفة في عدّة بلدان رائدة في مجال “عرض السلع”، لكن أكشاك شحن البطون، كانت جزءا لا يتجزّأ من هذه المهرجانات!
لن تكون ثقافة الاستهلاك، بأيّ حال من الأحوال، تهمة معلّبة، ولا شبهة، تطارد هؤلاء أو أولئك، طالما أن للاستهلاك عدّة معان وتفسيرات وأهداف، فلا يُمكن للعقول أن تستهلك كتب فلسفة وتاريخ وجغرافيا وعلوم وطب وكيمياء واختراعات، ما لم تستهلك البطون “شوارما” وخبز وجبن وشيكولاطة، وكلما شبعت “الكرش” جيّدا استوعب العقل أكثر وبسرعة!
يستحيل الفصل بين العقل والبطن والقلب، فبلغة بسيطة: هل يُمكن لجوعان أن يقرأ كتاب “ابن خلدون” أو “ابن تيمية” ويستوعب ما تحت سطوره وما فوقها دون كلل ولا ملل؟.. هل يمكن للقلب أن يهتز لمشاعر إنسانية صادمة حين يكون بطن القارئ خاويا على عروشه؟.. أليست البطون الفارغة أكثر خطرا وتهديدا من العقول الخاوية والقلوب الميّتة؟
كاذب هو من يدّعي زورا وبهتانا بأنه “قادر على شقاه” من أجل ربط بطنه والإضراب عن الطعام لساعات طويلة، في معرض مثل المعرض الدولي للكتاب، أو المعرض الدولي للسيارات، وغيرهما من الصالونات التي يتزاحم فيها الناس على ما يُسكتون به احتجاج بطونهم، أكثر من تزاحمهم على السلع المعروضة، وهذا بطبيعة الحال، ظاهرة صحية، وعالمية، لا يُمكنها أن تعقّد أو تدفع إلى “الحشمة” والريبة، فمن سدّ جوعه استقام لسانه وعرف ما يقول وما لا يقول أو يفعل!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!