“الكينغ” خالد في البيت الحرام!
نزول ملك الراي الشاب خالد ضيفا على المملكة العربية السعوديّة الأسبوع الماضي، صنع الحدث عربيّا وجزائريّا في اتجاهين مختلفين، الأول يخصّ الانفتاح الفني في البلاد، والثاني يتعلقّ بزوبعة العمرة التي أدّاها الرجل قبل صعوده ركح الغناء، وهذا ما يعنينا الآن.
في الأصل، أنّ العبادة سلوك خاصّ، ومسألة شخصية تندرج ضمن الحريات الفرديّة، وبالتالي لا يحقّ للآخرين الحكم أو التعليق عليها، فضلا عن التشكيك في نواياها أو النيل من المتعبّد بها!
لكن المؤسف هو أنّ عمرة “الكينغ”، والتي لا تهمّنا في الحقيقة إلا كنموذج، كشفت عن آفة التديّن المزمنة لدى الكثير من الناّس، حيث كنّا نظنّ أنّ المجتمع قد تجاوز، بعد تجربة مريرة، ربط الدين بالمظاهر الخارجيّة والأطر الحزبية والحركيّة والانتماءات الأيديولوجيّة، ودخل طور ما يسمّى بالتدين الاجتماعي المتحلّل من التنظيمات واللافتات، إذ لم يعُد شرطًا أن تتحزّب أو تتهيكل أو تصطبغ بلون ما لتكون متديّنا، كون الالتزام الديني صلة بين العبد وربّه، لا دخل للآخرين فيها.
لقد تابعنا على مواقع التواصل الاجتماعي، كيف انبرى كثيرون للتهكم والسخريّة وإثارة التساؤل الخبيث حول دوافع زيارة مغنّي “راي” لبيت الله الحرام، مع أنه مسلم موحّد، وكأني بهم يشبهونها ضمنيّا بتدنيس المدوّن الصهيوني المدعو “بن تزيون” مؤخرا للحرم النبوي في المدينة المنورة!
إن تلك السجالات الافتراضية التي تدثّرت بالدفاع عن صورة الإسلام الصحيح، حيث راحت تحشر الآيات والأحاديث النبوية في غير محلّها، وهي تغمز في عقيدة وإيمان وسرائر الخلق، هي أبعد ما تكون في حقيقتها عن فهم الدين أصلاً، وقد ذهب أصحابها ينازعون مالك الكون في صفاته العُلى وأسمائه الحُسنى، وهم يتكرمون على أخلاّئهم بصكوك الغفران، في حين يمنحون خصومهم تأشيرة العبور نحو النيران!
ربّما قد يستهجن البعض الكتابة في هذه القضيّة، ويعتبرها جزئية لا تستحقّ الإثارة من أصلها، نقول إذا كانت المسألة تتوقف عند حادثة أو شخص بعينه، فذلك صحيح، لكن اللافت في الأمر أنها تفضح المستور في فكر وتديّن حرّاس المعبد في المجتمعات الإسلاميّة، وهذا في غاية الخطورة، لأنّ كثيرًا من خلفيات التطرف والتكفير وسفك الدماء بين المسلمين، إنّما نشأت منذ منطق الوصاية على الدين، لتتحوّل إلى تجارة بائرة، يهلك مروّجوها في الدنيا والآخرة.
من قيم الإسلام العظيمة أنّ العبادة والتدين لا تحتاج إلى وسطاء، والصلة بالخالق لا تستدعي المرور عبر الحاجب، ومن ثمّة لا أحد، مهما سما في مدارج السالكين طريقهم إلى الله، موكّل بمحاسبة العباد أو المنّ عليهم بإسلامه، إذ أنّ الهادي وحده يمنّ على الجميع أن أرشدهم للإيمان.
إنّ سماحة الإسلام الحنيف قوامها الرحمة والرأفة وحبّ الخير للنّاس، وذاك هو الدافع الرئيس في السعي لهداية المُذنبين ونصح الغافلين منهم، دون كبرياء ولا رياء، أمّا الشماتة والتشفّي والاستعلاء باسم الإيمان، فليست من أخلاق الإسلام في شيء، ناهيك أن تكون منهجًا في الدعوة إلى الحقّ القويم.
لا تزال الأمة تعاني من عللها، طالما ظلّ أفرادها مرضى بتديّن مغشوش في باطنه، وفاسد في مظهره!