-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

“المثالية” هوس المرأة العصرية

نسيبة علال
  • 1437
  • 0
“المثالية” هوس المرأة العصرية
بريشة: فاتح بارة

الأنثى بطبعها كائن يمضي حياته سعيا للبروز والتميز، سواء في مظهرها أم إنجازاتها أم علاقاتها الاجتماعية، يمكن أن يقودها هذا للبحث عن المثالية في الكثير من جوانب حياتها أيضا، ما قد يستنزف من جهودها المادية والنفسية، فهي تعطي دون حدود سواء مع أطفالها، زوجها، حماتها وكل المحيطين بها، لكنها في الأغلب لا تحصل على التقدير المستحق ولا تعود إليها ثمار تضحياتها وعطائها، وهنا تجد بعض السيدات أنفسهن إما أمام اضطرابات نفسية عميقة، أو إعادة ضبط لسلوكهن يرغمهن على العزلة الاجتماعية.

الزوج والأبناء.. كيف يتحول هؤلاء من مصدر للسعادة إلى مسبب للتعاسة والاكتئاب

أصبح شائعا في أوساط النساء، منذ الانفتاح الكبير عبر السوشل ميديا، سباقهن في محاولة إرضاء الزوج وإغرائه ومنح الأبناء تربية إيجابية، ما يجعل الأسرة مستقرة وسعيدة وناجحة شكليا، في حين إن الدراسات الاجتماعية والنفسية، أظهرت عكس ذلك تماما، فقد زادت متطلبات النساء أضعاف ما كانت عليه في السابق، سواء من الماديات التي تساعدهن على لعب دور المرأة المثالية، أم حاجتهن إلى تلقي الثناء والتقدير والتبجيل لمساعيهن، وبحثهن المستمر عن التكريم.. تقول السيدة بشيرة، 43 سنة، أم لولدين: “أكرس وقتي كله لخدمة أسرتي، حتى إنه لا يتسع للاهتمام بنفسي، وبما أنني حرمت من الدراسة باكرا، أجتهد لصناعة الحلويات، وأخصص كل مداخيلي للدروس الخصوصية وتوفير الكماليات لأبنائي وزوجي الموظف البسيط..” بشيرة مستاءة جدا من عدم تقدير أسرتها لمجهودها وتضحياتها من أجلهم، في الوقت ذاته ساخطة من نتائج أبنائها المتردية، وإهمال زوجها، “.. لا أجد طريقا للتراجع عن نمط حياتي الحالي، مصابة أنا بالإحباط الدائم وأعاتب نفسي سرا باستمرار”.

السعي إلى المثالية سبيل الجنون عندما تفشل عمليات التجميل في تحسين صورهن

قد تعتقد بعض السيدات أن حصولها على جسم منحوت ووجه مشدود إلى جانب تميعها في معاملة الزوج يجعل منها امرأة مثالية لا يجب أن تتعرض للخيانة أو للإهمال.. فكرة تقود عشرات السيدات يوميا إلى عيادات التجميل، ينفقن الغالي والنفيس على مظهرهن، ويخسرن ما تبقى على الثياب والهدايا والعزومات، ثم فجأة لا يحصلن على النظرة المنتظرة.. تقول فاتي، 39 سنة، صاحبة صالون للحلاقة والتجميل ببرج البحري: “لدي بنتان، الجميع يشهد بتربيتهما الحسنة، نتائجهما ممتازة، وبيتي منظم على الدوام، أنا سيدة أعمال وأعتني بزوجي جيدا، مع هذا أشعر بأن الجميع يرمقني بعين النقص ويبحث عن عيوبي، لهذا خضعت لعمليات تجميل، فقدت الوزن وعدلت أنفي وذقني وجفني، اعتقدت أنني بهذا أصبح امرأة كاملة أبهر زوجي والجميع..” فاتي، وكخطوة أخيرة، زارت العيادات النفسية ومدربي التنمية، وفهمت بعد كل ما أنفقته، أنه لا يجب أن تبحث عن المثالية في أعين الغير مادامت تشعر بها لنفسها تقول: “العبارة التي غيرت منعرج حياتي قالتها طبيبتي الدكتورة زيوش: “إذا وصلنا للمثالية يوما ما، فقد انتهت رحلتنا ورسالتنا في الحياة، يجب أن نشعر بالنقص، ويشعرنا به الآخرون كي نستمر في التحسن والتطور دائما، كل الذين نشدوا المثالية في أنفسهم أو في علاقاتهم، انتهى بهم الأمر إلى الاكتئاب أو الجنون”.

تقدير الذات والعمل على تطويرها يفرض على المحيط احترام خصوصيتك

المقارنة، في نظر الأخصائية النفسانية م. بركان، والدخول في سباق وهمي مع الغير، من ظواهر الأجيال الجديدة، وركض المرأة خلف مراكز الصدارة الافتراضية، بات يخلف المزيد من المشاكل النفسية والآفات الاجتماعية، حيث وبدل خلق استقرار أسري، نشهد اليوم أعلى الأرقام في إحصائيات الطلاق والتفكك، وبدل الوصول إلى السلام الداخلي، نلاحظ المرأة خاصة في المجتمعات العربية، تعنف ويتم اضطهادها، وتلجأ إلى الاكتئاب والانتحار.. في الواقع، كل هذا، راجع إلى سلوكها غير المدروس واعتقادها أنها كلما قدمت أكثر، تلقت المزيد من الحب والاهتمام والتقدير.. وهذه فرضية خاطئة. صحيح أن الزوجة مطالبة بتقديم أفضل جهودها لرعاية أسرتها، مع هذا لا يجب أن تهمل العناية بنفسها ظاهريا ومعنويا، وتطور من ذاتها كلما سنحت الفرصة، وبهذا تعلم المحيطين بها احترام مساحتها الخاصة.

مقالات ذات صلة
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!
أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!