-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المدارس العليا للأساتذة: بين المطرقة والسندان!

المدارس العليا للأساتذة: بين المطرقة والسندان!
ح.م

 يبدو أن الطاقم المسيِّر حاليا لشؤون وزارة التربية متفهّم إلى حد كبير لمشاكل المدارس العليا للأساتذة، وهذا خلافا لما كانت عليه الحال قبل نصف سنة. ذلك هو الصدى الإيجابي الذي يصلنا من حين إلى آخر من وزارة التربية، لاسيما في موضوع أولوية التوظيف. كيف لا يكون الأمر كذلك والخريجون تربطهم بهذه المؤسسة الحكومية عقود تلزمها بتوظيفهم؟!

مطرقة وزارة التربية

 ليس سرا أن الطاقم السابق لهذه الوزارة قد تعمّد التمويه وعدم الالتزام بهذا العقد مستندا إلى ذرائع لا تنطلي إلا على مغفل. وجميل اليوم، أن تستدرك الوزارة الأمر وتعيد الأمور إلى نصابها في مجال التوظيف ومرافقة الخريجين.

لكن العائق الرئيسي الآن، أمام تطور المدارس العليا للأساتذة، هو الوزارة الوصية (وزارة التعليم العالي والبحث العلمي) التي تتمادى في احتقارها لهذه المدارس. فمنذ سنوات كانت هذه المؤسسات تعيش بين مطرقة وزارة التربية -التي كانت تسعى إلى إقصاء خريجيها بكل الوسائل- وبين سندان وزارة التعليم العالي التي كان يوجد في طاقمها (ولا يزال) من لا همّ له سوى كسر شوكة المدارس العليا للأساتذة بعنجهية واحتقار قلّ نظيرهما… وكأن هذه المؤسسات تمثل بني صهيون في الجزائر.

ونحن اليوم نلاحظ أن مطرقة وزارة التربية قد خفّ وقْعها على المدارس العليا للأساتذة، وأملنا أن تواصل في هذا الاتجاه لصالح البلاد والعباد. وما يظل يؤرق المدارس في هذه المرحلة هو سندان وزارة التعليم العالي.

سندان وزارة التعليم العالي

وحتى يدرك القارئ التصرف المشين لوزارة التعليم العالي في حق المدارس العليا للأساتذة منذ سنوات، ومُضيّها الآن في هذا الاتجاه، نضرب 3 أمثلة:

المثال 1. الاستهانة بمذكرات التخرج

 خلال هذه السنة، أصدرت وزارة التعليم العالي قرارا تلزم به المتقدم لنيل شهادة التأهيل الجامعي أن يكون قد أشرف على “مذكرة ماستر”. ومن المعلوم أن الأساتذة يشرفون على ما يسمى “مذكرات تخرج” (وليس “مذكرات ماستر”) في المدارس العليا للأساتذة. وهذا وفق ما تنص عليه نصوص المناهج المتبعة في هذه المدارس.

وعندما تقدم زملاء بطلب التأهيل مرفقا بمذكرات تخرج (بوصفها مكافئة لمذكرات الماستر) تم رفض ملفاتهم بدعوى أن “مذكرة التخرج” لا تعوض “مذكرة الماستر” في نظر الوزارة! وهذا على الرغم من أن طلبة المدارس الذين يلتحقون بالتعليم الثانوي يقضون 5 سنوات (كما هو الحال في الماستر) للحصول على شهاداتهم، تتوَّج بمذكرة تخرج يدوم إعدادها 8 أشهر… بينما يتم إعداد مذكرة الماستر خلال 6 أشهر أو أقلّ.

فهل يستطيع مسؤول وزارة التعليم العالي -صاحب هذا القرار- تبرير رفضه؟! أما تبريرنا فهو أن هذه الفئة من المسؤولين تستهين بما يأتيها من المدارس وتتعمد الدوْس على منجزاتها.

المثال 2. تعطيل أعمال اللجنة الوطنية

خلال 2018، قررت وزارة التعليم العالي تشكيل لجنة وطنية للمدارس العليا للأساتذة من نحو 20 عضوا يمثلون كافة المدارس، إضافة إلى ممثلين عن وزارة التربية. وقد كُلفت اللجنة بعدة مهام ترمي إلى تطوير هذه المدارس وتسطير خارطة طريق لها. ورغم مرور أزيد من سنة على إنشاء هذه الهيئة لم تعط الوزارة الوصية الضوء الأخضر لتنطلق اللجنة في أشغالها رغم أن كل شيء جاهز لديها. لماذا؟ هل يستطيع المسؤول تبرير هذا التقاعس والتعطيل المتعمّد؟

المثال 3. وَأْد البحث العلمي في المدارس

بين عشية وضحاها، قررت وزارة التعليم العالي قبل بضع سنوات غلق باب تحضير الدكتوراه في المدارس العليا للأساتذة، وكذا الماجستير دون تقديم بديل لذلك أو الحث على إيجاده. بل قال قائلهم: “لا شأن لكم بالبحث العلمي، والمطلوب منكم تكوين المكونين لا غير”!

ولما اشتد الضغط على الوزارة، وذرًا للرماد في العيون، وافقت في شهر ديسمبر 2017 على فتح ماستر لا طعم له ولا رائحة: ففضلا عن أن فتحه كان في منتصف السنة الدراسية، قررت الوزارة ألا يسجل فيه إلا أساتذة التعليم المتوسط العاملون في الميدان! وهنا يُطرح سؤال: كيف سيمارس هؤلاء الأساتذة مهامهم في المتوسطات ويتابعون في آن واحد دروس مقررات الماستر بطريقة جدية؟! وكيف سيتصرف طالب في هذا الماستر إن كان مكان عمله يبعد مئات الكيلومترات عن مكان الدراسة؟ والأدهى، أنه بلغنا آنذاك بأن وزارة التربية أصدرت تعليمة تمنع فيها أساتذتها من التسجيل في الماستر حرصا على مصلحة التلميذ!

وفوق كل ذلك ألزمت الوزارة الأستاذة بالمدارس العليا أن يكون محور هذا الماستر هو التعليمية… حتى لو كانوا من غير أهل هذا الاختصاص! ثم تنازلت في مرحلة موالية عن هذا الشرط. وبعد كل هذه الفوضى التي تلت قرارات الوزارة يتساءل الطلبة: ما الفائدة من هذا الماستر إن لم تكن بعده إمكانية مواصلة الدراسة في نفس الاختصاص؟

لعل القارئ يتساءل عن مرافق البحث العلمي والموارد البشرية اللازمة لتكوين طلبة الدراسات العليا، ويتصور أنها غير متوفرة في المدارس… وهو ما قد يبرّر موقف الوزارة. لتوضيح ذلك يكفي أن نذكر، على سبيل المثال، بأن مدرسة القبة وحدها تمتلك 14 مخبر بحث تغطي مختلف الفروع العلمية، وهي كلها معتمدة من قبل الوزارة الوصية، ومنها ما نالت درجة الامتياز في تصنيف الوزارة ذاتها، ويعمل في مرافقها عشرات الباحثين على عشرات مشاريع البحث وافقت عليها المديرية العامة للبحث العلمي، وقد أشرفت خلال العشر سنوات الماضية على نحو 270 طالب دكتوراه.

ومع ذلك أبت الوزارة -في الوقت الذي لا تجد فيه مؤطرين لطلبة الدكتوراه في الجامعات- إلا أن تعرقل مسيرة هذه المخابر وتحرمها من مواصلة نشاطاتها في إطار الدراسات العليا!

تلك هي صورة لمعاناة المدارس العليا للأساتذة … معاناة أرادتها فئة ظالمة في وزارة التعليم العالي بدون وجه حق. فمتى ستُرفع هذه المظالم؟!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
4
  • salem

    الاستاذ سعد الله مشكور عن كل هذه التوضيحات, وسؤالي هو: ماالذي يقوم به مسؤولو هذه المدارس لحماية مصالح مؤسساتهم وطلبتهم؟؟؟؟؟ ام انهم يتقاضون مرتبات المسؤولين ويتقاعسون عن الحراك امام الوضع الكارثي لهذه الهياكل ......

  • مجيد/ باتنة

    الكارثة هم منع خريجي المدارس العليا من مواصلة دراستهم(الماستر) وكانهم أعداء الوطن رغم انهم أنجب الطلبة

  • بوزاري عبدالمالك

    Bravo Si Khaled pour ces éclaircissements clairs, nets et précis. Maintenant les questions qui se posent sont : Nos Responsables, ont-ils réellement une stratégie pédagogique et scientifique pour ces Ecoles? Ou par incompétences ou pour d'autres raisons cachées, sont-ils juste en train de briser toute institution qui commence à montrer des prémices de production scientifique sérieuses et une bonne formation de graduation. Pour se convaincre, il suffit de jeter un œil sur tous les rapports et toutes les propositions d'amélioration de gestion de nos parcours de formation et de recherche.

  • محمد حازي

    لا يخفى عن احد أن تواجد أية مؤسسة تحت اسقف قطاعية متعددة يعرضها في الغالب الى متاعب شتى بدل أن يحسن من أمورها لا سيما في غياب التنسيق المحكم بين هذه المظلات. الأمر يضحى أعقد وأمر ان ساءت النيات وساد التناحر بينها. خصوصية مهام المدارس العليا من حيث الأهمية والحساسية تقثضي جدية دؤوبة وشجاعة كبرى لدى المسؤولين لتسطير المهام والغايات وتحديد الادوار لتتسنى معرفة كل فاعل ثم محاسبته على مفاعيله.