-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المدارس العليا للأساتذة: ضرورة إصلاح الإصلاح !

المدارس العليا للأساتذة: ضرورة إصلاح الإصلاح !

أشرنا في نهاية شهر جانفي الماضي في مقال تحت عنوان “انقذوا المدارس العليا للأساتذة”، صدر في هذا الركن لصحيفة الشروق، إلى أن من الإهمال الصارخ الذي تعاني منه هذه المدارس أن مناهجها ظلت بدون إصلاح منذ نحو ربع قرن. وهذا أمر لا يتقبله عقل أي مدرّس أو مربّ. والآن تسعى وزارة التعليم العالي بمعية وزارة التربية إلى إصلاح هذه المناهج وإعادة النظر في مدة الدراسة لكل من سيتولى مهنة التعليم في مراحله الثلاث (الابتدائية والمتوسطة والثانوية). وتقضي القوانين الجديدة، فيما تقضي، بإلزام الطالب مزاولة الدراسة خلال 6 سنوات على الأقل في المدرسة العليا للأساتذة بعد حصوله على شهادة الباكلوريا إذا ما أراد امتهان التدريس في التعليم الثانوي (بدل 5 سنوات) و 5 سنوات لأستاذ التعليم المتوسط (بدل 4 سنوات)… إنه لأمر عُجاب.

السؤال المُلِحّ

هل إضافة هذه السنة يلبي مطلبا بيداغوجيا؟ أي هل الزاد العلمي الذي كان يتحصل عليه الطالب خلال 5 سنوات غير كاف للقيام بمهمة التدريس في المرحلة الثانوية؟ والسؤال نفسه مطروح بخصوص أستاذ التعليم المتوسط والابتدائي؟ هل هناك حاجة تربوية لتمديد سنوات التكوين لهؤلاء الطلبة في المدارس العليا للأساتذة؟ لا أبدا !!
بطبيعة الحال، فإن كان طلبة المدارس العليا يقضون جل أوقات سنوات الدراسة في الإضرابات والتوقفات عن الدراسة فلا مدة تكفي ليستوعبوا مستلزمات التدريس في مختلف مراحل التعليم ! على سبيل المثال، عرفنا خلال جائحة كورونا تقليصات كبيرة في البرامج المدرسة وحلولا ارتجالية فرضتها صعوبة الظروف الصحية ترتب عنها منح شهادات لم تكن كما يجب أن تكون. ولا شك أن مفتشي التعليم لاحظوا ذلك عند زياراتهم الميدانية للخرّجين الجدد.
في مطلق الأحوال، لا يمكن تبرير السنة الإضافية بضرورات بيداغوجية أو تكوينية. ولهذا السبب فالمنطق السليم يقول إنه لا حاجة لطالب قضى بنجاح 5 سنوات في المدارس العليا أن يمدد إقامته فيها سنة إضافية حتى يكون مؤهلا للتدريس في المرحلة الثانوية. علينا أن ندرك تمام الادراك أن الضرورة البيداغوجية والتكوينية هي الضرورة الوحيدة التي تلزمنا بتمديد فترة التكوين. لكن ما العمل وقد قررت السلطات أن التكوين عليه أن يدوم 6 سنوات بالنسبة لمدرسي التعليم الثانوي، والمشكل ذاته مطروح على مدرسي المرحلتين الأخرييْن؟

مساوئ خيار إضافة سنة دراسية

ليس لهذا الخيار أي عامل إيجابي جدير بالذكر، فهو خيار نستغرب كيف أن الدولة لجأت إليه لأننا لم نجد فيه إلا المساوئ التي تعود بالسلب على ميزانية البلاد وعلى وقت الطالب. ذلك أن أي إصلاح في منظومة التعليم يجب أن يكون مبنيًا على دراسة شاملة تُراعي الجوانب التربوية والاقتصادية والاجتماعية لضمان تحقيق الأهداف المسطرة دون تحميل الدولة والطلبة أعباءً إضافية غير مبررة.

العبء المالي

إن إضافة سنة دراسية كاملة يعني تحميل الدولة أعباء مالية إضافية، تشمل تكاليف التكوين -من مرافق تحتية وموارد بشرية (إداريين وأساتذة)، وكذا تكاليف الإيواء، والإطعام، والنقل الجامعي، والمنح الدراسية. في ظل التحديات الاقتصادية التي تواجهها الجزائر وغيرها من البلدان، يُطرح السؤال الطبيعي التالي: هل من الحكمة استهلاك موارد مادية وبشرية إضافية؟ والوصاية تعلم أكثر من غيرها كم تكلف خزينة الدولة سنة دراسية للطالب الواحد. لا نحتاج إلى البرهان على أن إضافة سنة دراسية سادسة في ملمح هذا التكوين يدخل بكل بساطة في باب التبذير وهدر المال العام.

هدر وقت الطالب

من منظور الطالب، فإن قضاء ست سنوات في التكوين قبل الالتحاق بسلك التعليم الثانوي يُعتبر استنزافًا لوقت ثمين من عمره، خاصة إذا لم تُترجم هذه السنة الإضافية إلى مزايا مهنية ملموسة من شأنها تحسين الأداء الميداني للموظف المعني. كما أن لهذا الوضع أثره النفسي السيئ على الطالب وعلى مساره المهني والاجتماعي… وهذا شعور كل مواطن يدرك أن وقته يذهب هباءً ولا يستغله فيما يفيده.

الحلول المقترحة

حتى لا نعود إلى الوراء في موضوع مدة الدراسة بعد أن صدرت قوانين رسمية، لعل الاقتراح الأنسب هو أن يتم ما يلي:
تُخصّص السنوات الخمس الأولى للتكوين في مادة التخصص والمواد المجاورة في المدارس العليا للأساتذة، تقدم فيها المحاضرات والأعمال الموجهة والأعمال التطبيقية داخل المدارس العليا. وتتخللها مقررات في التعليمية، سيما تعليمية المادة. ويغادر الطالب بعد ذلك المدرسة العليا مغادرة نهائية. وينتهي مشواره فيها كطالب.
في بداية السنة السادسة: يتم تعيين الطالب الناجح في السنوات الخمس كأستاذ متربص في اختصاصه، ويرافقه أستاذ خبير ميدانيا طيلة السنة (حتى حضوريا) داخل القسم مع إلزام المتربص بحجم ساعي مخفف. لا ننس، في هذا السياق، أن تعيين هؤلاء الطلبة كمتربصين في السنة السادسة يساهم في سدّ الحاجة إلى المدرسين، خاصة في المواد العلمية والتقنية. ويتيح هذا التعيين للطلبة فرصة تطبيق المعارف النظرية في بيئة تعليمية حقيقية، مما يعزز من كفاءتهم المهنية.
لضمان نجاح التكوين في السنة السادسة، يُقترح إنشاء “مراكز وطنية لتكوين ومرافقة خريجي المدارس العليا” تتولى تكوينا عن بعد للأساتذة المتربصين. وفي هذا الباب، يُقترح أن تكون هناك 3 مراكز من هذا القبيل: مركز في المدرسة العليا ببوزريعة خاص بالعلوم الإنسانية، ومركز في مدرسة القبة خاص بالمواد العلمية، ومركز في مدرسة وهران أو سكيكدة خاص بالمواد التقنية.
تُسند إلى طواقم هذه المراكز مهمة الإشراف على التكوين الميداني وتنظيم دورات تدريبية وورشات عمل للأساتذة المتربصين والتنسيق مع المفتشين لتقديم الدعم والخبرات للأساتذة المتربصين في الميدان. كما تقوم المراكز بتقييم أداء المتربصين بوضع آليات تعليمية مناسبة لذلك.
عندما يعلن المركز المذكور في نهاية السنة السادسة –بالاتفاق مع المفتشين الميدانيين- أن الأستاذ المتربص قد أدى مهامه بنجاح، يتم ترسيمه تلقائيا في سلك أساتذة التعليم الثانوي. والطريقة نفسها تطبق على أساتذة المرحلتين المتوسطة والابتدائية.
إن تعيين الطلبة في السنة السادسة كأساتذة متربصين، مع توفير الدعم والمرافقة المناسبة، يمثل خطوة إيجابية نحو تحسين جودة التكوين وتلبية احتياجات القطاع التربوي. ويتطلب هذا النموذج تنسيقًا محكمًا بين مختلف الجهات المعنية لضمان تحقيق الأهداف المرجوة. نتمنى أن تجد هذه الاقتراحات أذنا صاغية لدى السلطات المعنية لفائدة البلاد والعباد.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!