-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المدرسة الموازية.. مدرسة لا يتبناها أحد!

بقلم: عيسى جرادي
  • 440
  • 1
المدرسة الموازية.. مدرسة لا يتبناها أحد!
أرشيف

بحكم الأمر الواقع، هي مدرسة قائمة وتتسع وتحكم قبضتها على المجتمع المدرسي، سوى أنها لا تملك ترخيصا ولا عنوانا يمكن الاهتداء إليه، ولا دفتر شروط يلزمها بشيء، لكنها مدرسة إذا ما تعلق الأمر برقم أعمالها وعدد المنتسبين إليها ومدى تأثيرها على المدرسة النظامية (العمومية والخاصة)، بل يمكن القول إنها تتمدد على حساب هذه الأخيرة، وقد تسحب منها تمثيل المجتمع المدرسي!
في مقابل المدرسة الخاصة المرخصة، يمكن التعبير عنها بمدرسة السوق السوداء التي تنشط بعيدا عن عين الرقيب الرسمي، وهي موازية فعليا لنظيرتها العمومية، إذ ما انفكّت تقتطع منها مقوّمات المنافسة واستقطاب التلاميذ بالزخم ذاته، لتزيد عليها بفرض منطقها المادي على أولياء التلاميذ.
لم يعد الانتماء إلى هذه المدرسة يشكل هاجسا لأحد، فتحت عنوان “الدروس الخصوصية”، تصبح العائلات المعنية بدراسة أبنائها ملزمة بدفع أعباء ضخمة من أجل أن يتلقى أبناؤها ما يعتبر دروسا خاصة.. يسري الاعتقاد بشأنها أنها لازمة من لوازم النجاح.
في الماضي، كانت هذه الدروس تقدَّم في البيوت وفي نطاق محدود للغاية، وقبل ذلك لم تكن موجودة أصلا، فكيف طفت على السطح؟ وكيف نمت باعتبارها ظاهرة جامحة تملك تأثيرا بالغا على الوسط المدرسي؟ وهل من مزايا بيداغوجية أو تربوية توفرها مما يغيب عن المدرسة العمومية؟ وهل من فرصة لضبطها وتأطيرها؟
للإجابة عن هذه الأسئلة وغيرها، أسجّل هذه الملاحظات التي يمكن أن تمثل مدخلا لاستيعاب حقيقة وكينونة هذه المدرسة التي لا يتبناها أحد، أي بما لا يلقي مسؤولية ما يحدث فيها على عاتق أي أحد، وربما عنت بالنسبة إلى البعض الشيء الذي يستفيد منه الجميع، فيصمت عنه الجميع، من دون أن يكون لأحد الحق في انتقاده.
1. هذه المدرسة تنمو باستمرار وتتسع قاعدة استقطابها، فما بدأ دروسا خاصة محدودة يتلقاها بعض التلاميذ من باب “الدعم المدرسي” الخارجي، انتهى إلى أن يشكّل مدارس حقيقية يزداد عدد مرتاديها كل سنة دراسية، ولغياب أيِّ معطيات رقمية بشأن عدد الوافدين عليها، يمكن أن نخمِّن أن الرقم مليونيٌّ وليس أقل من ذلك.

تدير “المدرسة الموازية” أرقام أعمال فلكية؛ فما يدفعه التلميذ ثمن هذه الدروس لا يتعلق بالقدرة المالية لعائلته، بل بما تفرضه هذه الجمعيات أو حتى الأساتذة من إتاوة، ولولا أنّ هذا النشاط مربحٌ للغاية ويدرُّ ريعا ضخما لأصحابه، لما بلغ نشاطها هذا الحجم، من دون دفع أي ضريبة أو رسم مساهمة في الميزانية المحلية، بتقدير أن كل نشاط مربِح هو نشاط خاضع للضريبة قانونا

2. قائمة في كل زاوية وفي كل حي وفي أي مكان، في المدينة كما في الريف، فهي مدرسة الجميع إلا من عجز عن أداء مستحقاتها المالية، ولسهولة الإعلان عنها تحوّلت إلى مدرسة شعبية بامتياز، سوى أنها لا تقدِّم تعليما مجانيا.
3. لا تخضع لأي ضابط قانوني من حيث الترخيص لها، ومراعاة شروط الدراسة فيها، فهي موجودة وكفى، وفي أي محلّ يتاح تجميع التلاميذ فيه، وربما تحدَّثنا عن غياب الشروط الصحية التي تلزم بها المدارس عادة تبعا لعدد التلاميذ المنتمين إليها.
4. تنشط تحت غطاء الجمعيات ذات الطابع الثقافي أو الاجتماعي في الغالب، إذ يكفي أن تضيف إلى قانونها الأساسي بندا يسمح لها بتقديم دروس دعم وتقوية، ليصبح المجال مفتوحا للذهاب بعيدا في ممارسة هذا النشاط غير المتحكَّم فيه، والذي يصبح هو المسيطر، بل لعله النشاط الوحيد الذي ستهتمّ به الجمعية، لأنه النشاط الوحيد المربِح، وقد يكون هو سبب وجودها أصلا.
5. لا توقيت لديها ولا عطلة أسبوعية أو فصلية أو سنوية، وهي ليلية ونهارية معا، ويبقى أن العامل البيداغوجي الوحيد الذي يراعى في نشاطها، هو أن ينتمي الدرس المقدَّم إلى المنهاج الرسمي لا أقلّ ولا أكثر، ما عداه فهو خارج نطاق الاهتمام.
6. لا تخضع لأيِّ رقابة من أيِّ جهة رسمية صحية كانت أو تربوية، أو حتى أمنية، أعني ما تعلق منها بالحوادث المدرسية، باعتبار ظاهر نشاطها المعلن أنها مجرد جمعيات ثقافية أو اجتماعية، فلا تدعو لمراقبتها وتفتيشها، وبهذا يسهل تفعيل نشاطها غير المؤطر.
7. تعنّت التلميذ الذي يلزَم أحيانا بالتخلي عن حضوره في المدرسة النظامية ليتسنى له الالتحاق بها، وفي أي توقيت يتاح لذلك.. بل يسود الانطباع لديه أن الالتحاق بها قد يفوق في أهميته نظيرتها العمومية، وإن النجاح يمر عبرها حتما.
8. تقبّلها المجتمع المدرسي باعتبارها أمرا واقعا لا مناص منه، ولم نسمع عن أي مبادرة لدراسة وتشخيص التأثيرات -مهما كانت طبيعتها- التي تلحقها بالمدرسة العمومية، المحضن الطبيعي للتلميذ وليس العكس، فجرى التسليم بوجود هذه المدرسة، ولم يعد يتحدث عنها أحدٌ إلا من بعض التصريحات التي لا تغني في شيء.
9. صمتت عنها الجهات الرسمية كأن لم تكن، ولم تكلف نفسها عناء النظر في هذه الظاهرة تربويا، وانعكاسها على الوضع الاجتماعي والثقافي للأسرة، التي تجد نفسها ملزَمة بمسايرة أمر واقع لم توجده لكنها عالقة فيه.
10. على مستوى الجدوى البيداغوجية، نجد فيها أفواجا بتعداد أشبه بالمدرَّج الجامعي، ولنا أن نتصور كيف يمكن أن تقدَّم دروس دعم لأفواج بهذه الضخامة، إلا أن تكون سمعة الأستاذ هي ما يجلب التلاميذ لتبقيهم أسرى وضع غير طبيعي، أقرب إلى الوهم منه إلى فائدة تُجنى منها؟
11. تُثقل كاهل العائلات التي سجّلت بندا جديدا في لائحة نفقاتها الشهرية، وهي هذه المصاريف الملزَمة بدفعها تحت إلحاح التلميذ الذي يجد أقرانه يتلقون “دروس دعم” لا يحظى بها هو، فتنتهي العائلة إلى الانخراط في العملية طائعة أو مكرهة، خاصة وأنها لا تقتصر على تلاميذ أقسام الامتحانات الرسمية، بل طغت على كل المستويات من دون استثناء، من الأولى ابتدائي إلى الثالثة ثانوي.
12. تدير أرقام أعمال فلكية؛ فما يدفعه التلميذ ثمن هذه الدروس لا يتعلق بالقدرة المالية لعائلته، بل بما تفرضه هذه الجمعيات أو حتى الأساتذة من إتاوة، ولولا أنّ هذا النشاط مربحٌ للغاية ويدرُّ ريعا ضخما لأصحابه، لما بلغ نشاطها هذا الحجم، من دون دفع أي ضريبة أو رسم مساهمة في الميزانية المحلية، بتقدير أن كل نشاط مربِح هو نشاط خاضع للضريبة قانونا.
13.أحدثت تأثيرا سلبيا على المدرسة النظامية من حيث:
– استنفاد جهد الأساتذة الذين ازداد ارتباطهم بها على حساب وظيفتهم الأصلية.
– الشروع في إفراغ المدرسة النظامية ابتداء من شهر جانفي من كل موسم دراسي، لتبدو هذه الأخيرة خالية وكأنها في عطلة مسبقة!
– رسخت انطباعا لدى التلاميذ، أن نجاحهم مرهون بالانتساب لهذه المدرسة، وليس بما يتلقونه في المدرسة النظامية ليكون حافز نجاح لديهم.
– الخشية أن تبتلع هذه المدرسة غير المعلنة في يوم ما ما يسمى “المدرسة العمومية” التي ستستقر على هامش الوسط التربوي، ليجري التفكير في “خوصصتها”، وهي التي كانت الأصل قبل ذلك، وربما تولت مهام المدرسة النظامية بصورة أو أخرى عندما تعجز هذه الأخيرة عن أداء الدور المنوط بها، لتبدو عاجزة في أعين ألتلاميذ وأوليائهم.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
1
  • يوسف

    ادا كان التلميذ يسأل أستاذه أثناء شرحه للدرس بأنه لم يفهم نقطة ما ، ياته الجواب من عند أستاذه اذهب أعمل الدروس الخصوصية(les cours) و ربما تجده هو من يقدم تلك الدروس الخصوصية ادا أين الخلل؟