-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع
وجهات نظر

المرأة المستوردة

الشروق أونلاين
  • 1258
  • 0
المرأة المستوردة
ح.م

آه يا جدتي..

إن هذه المرأة المستوردة لا تعيش على القيم التي عاشت عليها جدتها، يجب أن يكون هذا واضحا جدا، فحين كانت جدتها في سنها، – وجدّتها لم تتعرض لهذا الغزو العلماني – كانت ترى أن حياتها هي في أسرتها، وأن طموحها يدور حول البيت والأبناء والزوج، وأن أهدافها التي يجب أن تحققها في هذه الحياة، هي أن تكون ربة بيت متميزة بإتقانها كل ما يحتاجه البيت حتى فن الخياطة، وأن تتعلم من أمها أساليب التبعّل وفن إدارة الخلاف مع الزوج بل فن إدارة الزوج، وكل ما يتعلق بالبرمجة العصبية له ولأمه ولأهل بيته كافة، وكذا كل فنون التواصل التي تنفعها في إدارة المجالس واللقاءات، وما ينبغي قوله وما لا ينبغي قوله وما يفهم من حركات العين ونبسات الشفاه، مما يدرّس اليوم في علم التواصل الحديث، كما تتعلم منها كل ما يتعلق بعلم الاقتصاد الأسري وكيف تستطيع أن تقيم أود الأسرة بأقل التكاليف، كما تتعلم منها فنون الطب الشعبي والعلاجات الأولية للجروح والكدمات والأمراض المتكررة، فتجد في مطبخها عدّة الطبخ وعدة العلاج وعدة الضيافة، فحين تستجمع الفتاة هذه الفنون كلها، يكون هدف آخر من أهدافها المرسومة سلفا قد تحقق بالموازاة مع ذلك، ألا وهو نقاء الصفحة وبياض الاسم بحيث لا توسم بنقيصة ولا تتهم بجريرة، فهذا من أهم أهدافها التي تسعى للحفاظ عليها في مسار حياتها، كي تكون لالاّتي ومولاتي بالتعبير المحلي، وتستحق الزوج المناسب ذا المكانة العالية والسمعة العظيمة، وهنا يتلاشى دور الجمال إلى حد كبير، وتكون قيمة المرأة ليس فقط في جمالها وسعة عينيها.

هذا ما كانت تفكر فيه جدتها، وهذا ما سارت عليه، وهكذا ربت ثمانية أبناء، وربما عشرة، كلهم مهندسون وأطباء ودكاترة ومعلمون، وكلهم أسوياء محترمون عظماء.

أما فتاتنا التي نتحدث عنها، فقد وجدت لائحة أخرى من الأهداف، وقائمة أخرى من التحديات، وقيما أخرى توجه مسار حياتها.

الزواج ليس كل شيء..

فأول القيم التي تعيش عليها فتاتنا اليوم، أن “الزواج ليس كل شيء”، كلمة صغيرة، تحوي كل شيء، إنها ترسم في عقلها الصغير خارطة طريق.

نعم، الزواج في هذه المنظومة الجديدة ليس كل شيء، بل هو آخر ما تحتاج إليه فتاة لا ترى عيبا في ممارسة الحب خارج إطار الزواج، وفي أثناء الدراسة، وفي أروقة الجامعة، فما الحب إلا علاقة شريفة ربما تؤدي إلى الزواج، وربما تؤدي إلى زنى شريف تحت خيمة من حب فيها كل معاني الإخلاص والوفاء والتضحية، فتضحي من أجله ضحت شيء، حتى بتلك البكارة التي ينظر إليها المتخلفون (جدتها) أنها علامة الشرف.

الزواج ليس كل شيء، وهذا ما يجعلها ترفض الشاب الذي تقدم لها في سن العشرين، بحجة أنها لم تحقق نفسها بعد، وكيف تحققين نفسك يا أختي الكريمة؟ إنها تحقق نفسها عبر خارطة الطريق الذي سنتحدث عنها بعد قليل، والتي يأتي في آخر مراحلها الزواج، وما هو الزواج، إنه كل ما يمكن أن تتحويه كلمة “مشاكل” من معنى، بخلاف الحب الرومانسي على شاطئ البحر، والذي يصور في كل الكليبات والأفلام والمجلات على أنه العلاقة الراقية بين الرجل والمرأة، علاقة صادقة ليس فيها حواجز وأعراف وخرافات، إنها علاقة إنسان بإنسان، ويا سلاااام.

ثم ينتج عن هذه العلاقة بين إنسان وإنسان، إنسان آخر صغير، يبكي ولا يعرف لم هو في هذا العالم بدون أب كانت وظيفته أن يجيد فن الكذب على أمّه المغفلة، ويعتصر لها من لسانها كلمات الغرام، لأنه يدرك أن قلبها بحاجة إلى ذلك العصير الاصطناعي، وهي التي صدقت كلماته وصدقت أن الزواج ليس كل شيء، ثم اكتشفت فيما بعد أنه كان يكذب عليها، اكتشتفت ذلك بعد فوات الأوان.

الزواج ليس كل شيء، ومالكي زربانة على راسك، باقي الحال مازال صغيرة، حتى إذا أكل الدهر منها كل شيء جميل، وأخذت الدراسة والوظيفة من بهائها وبرائتها وضيائها، تغيّر الخطاب، وتغير المجتمع، وتغيرت نظرة الناس، وأصبحت الكلمات التي تسمعها تدور حول معنى : “ضبري على راسك” أي تصرفي وابحثي لك عن زوج، ولكي تضبر على رأسها تعزل كل يوم تلك المناطق المثيرة من جسدها وتبرزها وتشدّ عليها حتى تظهر من بعيد، وقبل أن تخرج من بيتها وقد استخدمت كل الألوان والأصباغ التي يمكن أن تجذب النظر، تنظر في المرآة وتحدث نفسها: اليوم سيكون يوم حظي، وتستمر على ذلك سنوات وسنوات، تتودد لكل من ابتسم لها تظن أنه ابن الحلال، وهو في الغالب ابن الحرام، فلقد تعود أن ينال هذه الشهوة بأشكال وألوان مع بنات من مختلف الأعمار، وبتكلفة لا تتعدى ثمن جلسة في مقهى أو غداء في مطعم، مع سيارة وغرفة وها هو ينال كل ما يريد، فلم يتكلف ويتشنق ويخنق نفسه بعقد الزواج، حتى هو “باقي صغير”.

في هذه الفلسفة الجديدة، الزواج مشقة ومسؤولية، والحب سمو وإنسانية، والمرأة الذكية هي من تضبر على رأسها، وفي ذلك فلتتنافس المتنافسات.

لقد اضطررت إلى استخدام بعض المصطلحات لأني لم أجد في اللغة العربية ما يقوم مقامها، فمصطلح “التضبار على النفس”، يجمع كل صور المعاناة والذل الذي تتعرض له الفتاة من أجل أن تفوز بما كانت مستكبرة عنه في بداية حياتها، حين كانت تظن أن الزواج ليس كل شيء، وأن خارطة الطريق التي رسمت لها كانت مجرد فقاعات، وأن حياتها بدون الزوج والأبناء جحيم لا يطاق، مهما حققت من مكانة وجمعت من أموال، ولست أريد أن أتحدث عن معاناتهن الآن، فالكل يعرف ذلك، ولكن أريد أن أهدم هذه الكلمة الخبيثة “الزواج ليس كل شيء” وأقول لك أختي الفتاة بصدق وحرقة “الزواج هو كل شيء”.

ليس عقلك هو ما يحدد ذلك، بل فطرتك التي فطر الله الناس عليها، ولست أنا من يحدد فطرتك، إنه القرآن الكريم، لأن الله الذي يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير((ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير)) هو الذي بين لنا في أكثر من موضع أن المرأة خلقت ليسكن إليها الرجل، وأنها ((لباس لكم وأنتم لباس لهن)) فلم يخلق الله المرأة لتعيش وحدها، ولم يخلق الرجل ليعيش وحده، فلذلك أنت لست محتاجة إلى أن تتطلبي استقلالية، كيف تتطلبين الاستقلال وأنت خلقت لتكوني زوجة، وما الزوجة والزوج إلا شيء واحد وكيان مستقل مندمج بعضه في بعض كاندماج اللابس بثيابه الملبوسة!

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!