-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

المغرب العربي وعودة لكلمات الشابي

المغرب العربي وعودة لكلمات الشابي

عرفت الساحة الفلسطينية في الثلاثينيات انتفاضة شعبية عظيمة ، وفي حدود ما تعيه الذاكرة فإن قيادات الدول العربية آنذاك سارعت، لا إلى دعم الانتفاضة بل إلى إجهاضها بوعود قُدمت وآمال زُرِعت، وضاعت التضحيات في الهواء.

وكنت قلت في الحديث الماضي إن ” القيادات العربية (الحالية) كان عليها أن تعقد القمة الشاملة قبل يوم 27 فبراير، لكن بدا وكأن المطلوب هو أن تكون هذه القمة “مباركة لأمرٍ واقعٍ يتم فرضه على الوطن العربي”.

“وهنا تبدو رائحة توجّه يزكم الأنوف ولا يُشرف القيادات العربية في مجموعها”.

وأفهم أن عنوان حديثي…. “هل هي مؤامرة صهيو-أمريكو- “عربية ؟ !!” قد ضايق البعض ولعله كان وراء بعض التعليقات التي تناولته، لكن …ماذا أفعل والحال هو الحال، ولا يمكن تغطية الشمس بغربال.

وسيكون من السذاجة أن أتصور أمرا غير ذلك والحديث يدور حول قمة استثنائية تعقدها مجموعة دول في المشرق العربي، أدركت بعد دمار غزة أن هناك قمة استثنائية مطلوبة، في حين كان يجب أن تٌعقد هذه منذ شهور وشهور، على الأقل للتخفيف من عدد الضحايا ومن حجم الدمار، وألا تكون مقصورة على دول بعينها، منها من مارس التطبيع مع العدو الصهيوني، وبعضها بالغ في حماسه للتعاون مع “أبناء العمّ” على حساب الأشقاء ورابطة الدم.

وعبد الباري عطوان على حق وهو يتساءل عن سبب “تَغيِيب أهلنا في الاتحاد المغاربي عن القمم المشرقية”، خصوصا وأن إحدى دول المغرب العربي تمارس الآن مهمة العضوية غير الدائمة في مجلس الأمن، مما يعطيها إمكانية مواصلة العمل الذي تقوم به بالتنسيق مع دول إفريقية في مقدمتها جنوب إفريقيا لدعم مطالب الأمة بالنسبة للقضية الفلسطينية.

وهنا نفهم سر الفتور الذي تُحس به شرائح كثيرة في المنطقة تجاه قمة الـ27 فبراير، ولدرجة أن هناك من لا يتردد في المطالبة بألا تشارك الجزائر في القمة إلا بمستوى متدنٍّ من المسؤولين، حتى لا تجد نفسها في وضعية شاهد الزور أمام عملية ممنهجة لتصفية القضية الفلسطينية، تذكر بما عرفته الثلاثينيات.

ولست في حاجة للتذكير بمناورات البلطجي الأمريكي الذي يعطي الكيان الصهيوني إمكانية مواصلة العدوان، ويطمئنه إلى أن واشنطن سوف تدعم كل ما تراه إسرائيل.

وأنا لا أخفي تشاؤمي مما أراه وأحس به، وإذا كنت لا أدعي معرفة الغيب ولا أعرف قراءة الفنجان، لكنني أقول، بيقين المواطن البسيط، إن الأمل في إجهاض العملية التآمرية التي تستهدف المنطقة بأسرها يعتمد على قوتين، أولاها المقاومة الفلسطينية التي تجسد إرادة شعب غزة، رغم أنف من تعرفون من مرتزقة القضية الفلسطينية.

والقوة الثانية هي القوات المسلحة المصرية، وهي الوحيدة القادرة على أن تعطي القيادة السياسية المقدرة على مواجهة ما تتعرض له من ضغوط يعلم الله مداها، خصوصا بعد أن تحالف الشمال والشرق على إغراق أرض الكنانة بالديون.

وهنا، علينا أن نحذر من المحاولات التي يقوم بها البعض للتستر على مواقف الذلة والخنوع والدياثة.

وأجد نفسي مضطرا لتكرار ما سبق أن قلته في بعض تعليقاتي، من أن المشكلة مع ذلك البعض أنه يتغرغر بمقولات تم تسريبها لنا هدفها أن نتناسى قاعدة أساسية تتجسد في قول الإمام مالك: لا يُصلح آخر هذه الأمة إلا ما أصلح أولها، والمعنى العميق هو أن هناك قواعد حياتية ثابتة لا تتغير، وخصوصا في مجال الصراع مع الأعداء.

وحتى ولو تغيرت الصياغة، فإن المضمون يظلّ هُوَ هُوَ.

والقول بأن ” الزمن تغير والعالم تغير” صحيح، ولكنه يكون غابا مقولة حق لتسريب باطل هدفه ترسيخ اتهام باطل بالادعاء أن”بعض العقول بقيت على حال الخمسينيات والستينيات”.

وما قاله الإمام البشير الإبراهيمي في الثلاثينيات من أن “ما أُخذ اغتصابا لا يُسترد إلا غلابا، هو نفس المعنى الذي هتف به الرئيس جمال عبد الناصر في الستينيات بقوله إن ما أُخذ بالقوة لا يُسترد إلا بالقوة، وهو على وجه التحديد ما سارت عليه المقاومة الفلسطينية، التي يحاول البعض الالتفاف حول نصرها لتحقيق هدف الكيان الصهيوني ومن وراءه.

وهذا يؤكد ما تعلمناه من أن الطابور الخامس لا يقل خطرا في أي صراع عن بقية الطوابير، ويتأكد ما نستنتجه من “حكاية الثور الأبيض”، ومن مقولات كمثل “ألقاب مملكة في غير موضعها”، بل ومن تعبيرات عميقة المغزى مثل “مَنْ يَهُن يَسهل الهوانُ عليهِ”.. أو “ما لجرحٍ بميتٍ إيلامُ” أو الذي يسجله مثل شعبي جزائري يُحذّرُ من “خاين الدار”…..

وبالتالي فإن الاتهام بأننا نعيش في الماضي ونكرر شعاراته ونطبق منطلقاته مردود على قائليه، لأن هناك ثوابت لا تتغير ما دامت هناك حياة، ولو لم يكن هناك حياء.

ورحم الله أبو القاسم الشابي، القائل من بين ما قاله.

ومن لا يحبُّ صُعودَ الجبالِ * يَعِشْ أبَدَ الدَّهرِ بَيْنَ الحُفَرْ

هو الكونُ حيٌّ يحبُّ الحَيَاةَ * ويحتقرُ الميْتَ مهما كَبُرْ

فلا الأُفقُ يَحْضُنُ ميتَ الطُّيورِ* ولا النَّحْلُ يلثِمُ ميْتَ الزَّهَرْ.

وهذه هي إرادة المغرب العربي التي يريد أن يتجاهلها البعض في المشرق العربي.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
0
معذرة! لا يوجد أي محتوى لعرضه!