الناجي الوحيد من سقوط الطائرة العسكرية يعود إلى عائلته بالشلف
زارت “الشروق” الناجي الوحيد، نمير جلول في بيته بسيدي عيسى ضواحي بلدية توقريت في الشلف لحظة وصوله، فوجدناه يجلس على كرسي مسند للحائط وبجواره عكازاتاه الحديديتان، فرحب بنا كثيرا وعلامات التعب وأثار العمليات الجراحية بادية على كامل جسده ووجهه وعنقه ورجليه وما خفي تحت الملابس أكثر، فخصته المصالح الاستشفائية بـ29 يوما راحة لاسترجاع قوته وسد حاجته من العلاج النفسي ورفع معنوياته من خلال تواجده بين أصدقائه وأقاربه، بعدما شفي تماما من جراحه، وتوقفه عن تعاطي الأدوية حسبه، قبل دخول رمضان، ويتلقى حاليا تأهيلا حركيا، حيث يعرف جلول صعوبة في النطق قد يسترجعها من خلال الجو العائلي الذي يجده بين أهله وزملائه، بحيث تميز فور وصوله بالعفوية والرغبة الكبيرة في التأمل والتحدث لزواره الذين حولوا بيته إلى شبه عرس كبير، بعض النسوة ورفقائه وأقاربه دخلوا عليه وأعينهم تذرف دمعا، ويتأملون في وجهه قبل معانقته ودعواتهم له بالشفاء.
جلول “الحمد لله أنا بخير”
”الحمد لله أنا بخير وأبلغ سلامي لكل الأصدقاء والشعب الجزائري، ولم أنس أي واحد، ولن أنسى تضامن الشعب الجزائري معي، فقد تلقيت أحسن التكفل بالمستشفى وبالمناسبة أزف سلامي لكل الأطباء والممرضين وعمال المستشفى العسكري، وأطلب الصبر لذوي رفقائي الشهداء وعن لحظة سقوط الطائرة “يقف ويتنهد قليلا ويقول: “تلك اللحظة عبارة عن حلم أسود ومعجزة، لقد شاهدت انفجار الطائرة أمام عيني.. وقع كل شيء في لحظة ارتطمت الطائرة بجناحها بجبل فرطاس، وكنت أجلس في الخلف قرب النافذة، وعند اصطدام الجناح بسطح الأرض ظهرت فتحة كبيرة فقفزت منها بكل عفوية، وعند وصولي إلى سطح الأرض الذي لم يكن بعيدا، بقيت واقفا بين الصخور وسط الثلج والضباب، فتأملت حينها المشهد، واشتعلت الطائرة وانفجرت وشاهدت تناثر الجثث والأشلاء على سطح الجبل، ثم أغمي علي ولم أستفق من غيبوبتي إلا بعد فترة طويلة، واليوم الحمد لله، تحسنت صحتي وأنا بخير، وصمت كل أيام رمضان من اليوم الأول، وبعد خروجي من المستشفى، تم نقلي برفقة عائلتي على متن طائرة خاصة من قسنطينة إلى المطار العسكري بالشلف”.
الأم فاطمة: أحمد الله على نجاة ولدي
”الحمد لله، لازمت ابني منذ فيفري الفارط ومكثت معه طيلة 6 أشهر ونصف تقريبا، واليوم وبعد عودته كأنه ولد من جديد، أتذكر أول نظرة لي إليه بالمستشفى، لم أتعرف عليه، وفقدت الأمل، ولم تبق عندي ذرة في عودته للحياة، وطلب مني الأطباء أن أتحمل النتيجة: حياته أو موته، ثلاثة أشهر لم أذق طعم النوم، لكن ابني كالوردة ذبل ثم عاد للحياة، وذلك بفضل دعاء 40 مليون جزائري له بالشفاء، ثم بفضل الطاقم الطبي للمستشفى العسكري بقسنطينة، الذين منحوني كل الثقة، ولم أشعر بالغربة وكأنني في بيتي، وأقدم شكري لكل الأطباء، وخاصة سكان ولاية قسنطينة، وبمناسبة ليلة القدر والعيد، أطلب الصبر لذوي الضحايا، وان يدخل أبناؤهم الجنة”.
الأب عيسى:
”ستة أشهر من المعاناة”
زرته ست مرات، كل مرة تكلفني حوالي مليونين سنتيم، حقا رئيس بلدية توقريت منحني سيارة في المرة الأولى، تنقلت بها إلى قسنطينة، وما بعدها بقية أتحمل أعباء وتكاليف التنقل، لأن رئيس البلدية وعدني بمنحني السيارة لكنه اشترط علي إرجاعها في يومها، وهذه الفكرة لا تساعدني، لأنني أضطر للمبيت في فندق خاص بالزوار يتكفلون بهم مجانا، فزيارتي الأولى والثانية فقدت فيهما كليا الأمل في عودة ابني للحياة، حتى الثالثة، أين فتح عينيه عاد إلي الأمل، وذلك بفضل سهر أطباء المستشفى وعزيمتهم وقدرة الله التي كانت الأقوى، ودعاء الشعب الجزائري له. وبخصوص المرحومين فقد ماتوا شهداء، وأرجو الله أن يدخلهم جناته، ويقوي صبر أهلهم، فانه حقا شعور قوي لقضائهم هذا العيد بدونهم، ولكن الله سيعوضهم عنهم خيرا في الدنيا والآخرة”.