النظام المغربي يستنجد بمغمورين للردّ على ستورا

ركب النظام المغربي “موجة” التباكي على بوعلام صنصال، ولكن ليس من أجل الدفاع عن الكاتب الفرنسي، بقدر ما هو يحاول الاستثمار في تصريحاته المتعلقة بالتاريخ والجغرافيا، لترويج أسطوانته البالية، أو ما يسميها “أراضيه الحقة”، استنادا إلى ما نص عليه دستور المملكة العلوية.
ولدعم تصريحات بوعلام صنصال، التي أبطل مفعولها المؤرخ المعروف، بنجامان ستورا، في برنامج سابق بث على قناة تلفزيونية عمومية فرنسية الأسبوع المنصرم، استعانت أذرع النظام العلوي في الرباط بمؤرخ فرانكو ـ مغربي مأجور، يدعى بيرنار لوغان، للدفاع عن كلام صنصال، ومهاجمة بنجامان ستورا، لأن هذا الأخير باعتباره الأكثر صدقية وموثوقية، فضح صنصال وأبطل مفعول كلامه.
وكان الكاتب الفرنسي الموجود رهن الإيقاف بالجزائر، قد زعم بأن مناطق بالغرب الجزائري، مثل معسكر وتلمسان، كانت قبل الاحتلال الفرنسي تابعة للمملكة العلوية، غير أن بنجامان ستورا استغرب أن يصدر مثل هذا الكلام من شخص بوصف كاتب، وخاطبه قائلا: “لقد نسي صنصال حدثين تاريخيين في الغرب الجزائري يتعين عدم نسيانهما. إن معسكر كانت عاصمة المقاومة الجزائرية التي كان يقودها الأمير عبد القادر في السنوات الأولى للاحتلال الفرنسي. والأمير عبد القادر هو بطل وطني في مخيال الجزائريين. الأمير عبد القادر هو من معسكر. أما تلمسان فهي مسقط رأس أب الحركة الوطنية الجزائرية، مصالي الحاج”.
وكتب بيرنار لوغان مقال رأي في صحيفة مغربية يملكها منير الماجيدي، الكاتب الخاص للعاهل المغربي، محمد السادس، اعترف من خلاله بأن نواة المملكة المغربية الحالية انطلقت من إمارتي فاس ومراكش، وهي الحالة ذاتها تقريبا التي تنسحب على الجزائر، التي ورثت إمارتين كانتا مزدهرتين، وهما بجاية وتلمسان، والكلام لصاحب المقال.
ثم ينطلق بيرنار لوغان الذي لم يكشف عن هويته إن كان كاتبا أو مؤرخا، ليقول بأن المملكة العلوية هي امتداد لكياني فاس ومراكش، ليدلل على استمرارية الدولة المغربية عبر التاريخ، غير أنه وفي لحظة من لا موضوعية مكشوفة، يتراجع في الحالة الجزائرية ليقول: “نحن في الواقع أمام إمارات (يقصد بجاية وتلمسان)، رغم أنها كانت مزدهرة، لكنها لم تشكل نواةً لدولة مسبقة”.
ولم يكن هذا سوى تمهيد من الكاتب المأجور، ليزعم لاحقا بأنه “عندما نزلت القوات الفرنسية في سيدي فرج عام 1830، لم تكن الجزائر موجودة كدولة”، وهو الكلام الذي يردده في كل مرة، الساسة الفرنسيون وآخرهم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، في لقاء مع شبان فرنسيين، ونقلت بعض تفاصيله صحيفة “لوموند” الفرنسية في خريف 2022، وكان سببا في قرار السلطات الجزائرية سحب السفير من باريس حينها، محمد عنتر داود.
والغريب في أمر هذا الشخص أنه يقول الشيء ونقيضه، فتارة يقول إن فرنسا هي من جاءت بتسمية “الجزائر”، ثم يعود ليقول في موضع آخر إن الدولة العثمانية كانت تسميها “إيالة الجزائر”، مع أن الوجود العثماني كان سابقا للاحتلال الفرنسية للجزائر.
وبدا من خلال ما كتبه لوغان، أن الرجل لا يطيق حديث المؤرخين عن تاريخ الجزائر العريق، من أصحاب الموثوقية العالية، مثل بنجامان ستورا، الذي هدم في لحظة واحدة أطروحة النظام المغربي وأذرعه، الذين يحاولون التشكيك في هزيمة الجزائر لفرنسا، وصناعة أعظم ثورة في التاريخ الحديث، وهو ما يعوز المملكة العلوية، التي تعيش على أوهام تاريخية لا يصدقها حتى المغاربة أنفسهم.
كما لم يتجرأ الكاتب نفسه ليقول بأن النظام المغربي الحالي، يقف تاريخه عند بداية الحماية الفرنسية على مراكش في سنة 1912، وأن الماريشال هوبير ليوطي، هو مؤسس المملكة المغربية الحالية، التي أقامت له تمثالا ضخما في مدينة الدار البيضاء المغربية حتى اليوم، أي بعد نهاية هذه الحماية الفرنسية بـ78 سنة.