النوفمبريون.. والذين من قبلهم
أبدأ باستنزال شآبيب رحمة الرحمن الرحيم على شهداء الجزائر المجاهدة من عهد الاحتلال إلى استعادة الاستقلال. وأدعو بالخير العميم لبقايا المجاهدين الذين صدقوا ما عاهدوا عليه الله، ولم يبدّلوا تبديلا، وأحيّي شعبنا المجاهد الذي آثر أولئك المجاهدين على نفسه وأهله، فاقتسم معهم قليل موجوده لاستعادة كرامته ووجوده.
كثيرا ما تساءلت عن سبب “فشل” مجاهدينا في القرن التاسع عشر في طرد فرنسا المجرمة، وبعضهم جاهدها خمس عشرة سنة وأكثر، بينما نجح “النوفمبريون” في طردها مذمومة مدحورة منكسرة في بضع سنين.
إن إمكانات فرنسا في القرن التاسع عشر لا تكاد تذكر أمام إمكاناتها في النصف الثاني من القرن العشرين، حيث أصبح لديها الطيران، وأجهزة الاتصال، ووسائل المواصلات، كما أن إمكانات حلفاء فرنسا في القرن التاسع عشر غير إمكاناتهم في النصف الثاني من القرن العشرين، الذين يمثلهم الحلف الأطلسي المجرم، بقيادة “طليعة الانحطاط”، الشيطان الأكبر الولايات المتحدة – على الباطل – الأمريكية.
إن أهم سبب – في رأيي – في “فشل” أولئك ونجاح هؤلاء، هو أن أولئك جاهدوا فرنسا “تفاريق”، فعبد القادر كان يجاهد في ناحيته، وأحمد باي كان يجاهد في جهته، وكذلك المقراني، والمجاهدة فاطمة نسومر، وبوعمامة، وابن شهرة، وبو بغلة وأخاموخ، وأولاد سلطان.. بينما جاهد “النوفمبريون” في جميع أنحاء الجزائر ونقلوا جهادهم إلى عقر دار عدوهم، فأكرمهم الله بأن جعلهم سببا رئيسا لا في تحرير الجزائر فقط، بل في “نهاية الأمبراطورية” – الفرنسية – كما عنون مذكراته المجرم الجنرال راؤول صالان (fin d’un empire)..
لقد أدركت “جمعية العلماء المسلمين الجزائريين” أن “داء” الشعب الجزائري هو “التفرق” فحاربته حربا شديدة، وعملت – طيلة ربع قرن – قبل إعلان الجهاد في 1954 – وماتزال – في سبيل “وحدة الشعب الجزائري”، الذي ييسّر تحقيقها وحدة الدين..
إن دعوة “جمعية العلماء” للوحدة الوطنية ليست كدعوة “البوليتيكيين”، الذين يؤمنون بالوحدة وجه النهار، ويكفرون بها آخره.
إن “وحدتنا الوطنية” لن تكون متينة وصلبة وعصية على اعدائنا ما لم تكن مبنية على “وحدتنا الدينية”.. فلنعض على هذه الوحدة الدينية الإسلامية بالنواجد، ولنعتصم “بحبل الله جميعا”، ولا نتفرق.. وإلا – لا قدّر الله – أصبنا بما أصيب به من فرّقهم الشيطان والأهواء، وقلنا مع الشاعر:
سلام على كفر يوّحد بيننا وأهلا، وسهلا بعده بجهنم