الوزارة أمرت بتنفيذ المطالب… احتجاج طلبة الطب إلى أين؟!
دخلت احتجاجات طلبة العلوم الطبية في الجزائر أسبوعها الثالث على التوالي، فيما قدمت وزارة التعليم العالي والبحث العلمي كل الضمانات لتلبية طلباتهم من خلال حرصها على عقد اجتماعات دورية بإشراك كل المعنيين، فيما تحاول بعض الأطراف الخارجية الصيد في المياه العكرة من خلال الترويج لمنشورات تحريضية، القصد منها زرع البلبلة واختراق احتجاجات الطلبة وتسييسها، إلا أن وعي الطلبة الجزائريين وحرص الوزارة على احتواء الاحتجاجات سيظلان أكبر من المحاولات الدنيئة للتدخل في شؤون الجزائر.
وحرص وزير التعليم العالي والبحث العلمي البروفيسور كمال بداري على الاستماع لانشغالات طلبة الطب المحتجين منذ منتصف شهر أكتوبر الماضي وإيجاد حلول لها، فيما لا تزال الحركات الاحتجاجية متواصلة عبر مختلف الكليات للأسبوع الثالث على التوالي.
ومنذ أول اجتماع جرى بتاريخ 19 أكتوبر المنصرم، أولت وزارة التعليم العالي اهتماما بالغا لهذه القضية من أجل إيجاد حلول لانشغالات ممثلي طلبة العلوم الطبية (طب عام، طب أسنان، صيدلة)، حيث أمر الوزير بداري بحل المشاكل التي تقع تحت وصاية دائرته الوزارية، لاسيما المتعلقة بالمنحة والتربصات وعديد الانشغالات المتعلقة بالتكوين في طب الأسنان والصيدلة.
وبادرت الوصاية إلى تحقيق مخرجات الاجتماع حتى لا تبقى حبرا على ورق من خلال عديد المراسلات لمديري المؤسسات الجامعية ومنها تلك المتعلقة بتفعيل التعويضات المالية الخاصة بالتربصات الميدانية في الوسط المهني (المستشفيات الجامعية) لفائدة طلبة العلوم الطبية في السنة الأخيرة من مسارهم الدراسي، فضلا عن اقتناء محفظة المستلزمات البيداغوجية لطلبة طب الأسنان المسجلين في السنة الثالثة من أجل تمكينهم من التكوين والتطبيق الأمثل للتخصص.
فتح باب للتصديق على شهادات خريجي العلوم الطبية
وسبقت هذه المراسلة استجابة سريعة لمطلب رفع عدد مناصب الالتحاق بمسابقة الدراسات الطبية والتي وصلت 4045، مع تشكيل فرق عمل تضم ممثلي طلبة كليات العلوم الطبية وإطارات وزارة التعليم العالي لتقديم اقتراحات تخص رفع المنحة وقيمتها المالية، فضلا عن الشروع في إحصاء حالات طالبي توثيق الشهادات عبر منصة رقمية.
ولم تكتف الوزارة بذلك، إذ بعد أكثر من أسبوعين على هذا الاتفاق، وبناء على الاجتماعات التي عقدت بهذا الشأن أمرت الوزارة بفتح المجال لتصديق الوثائق البيداغوجية، وفقا لمراسلة صادرة بتاريخ 05 نوفمبر 2024 موجهة للجامعات والأقسام المعنية.
9 اجتماعات في ظرف 3 أسابيع
وفيما واصل الطلبة احتجاجاتهم، إلا أن الوزارة فتحت أبوابها من جديد للمعنيين من أجل إيجاد حلول لمطالبهم وحثهم على الرجوع لمقاعد الدراسة، إذ بلغ عدد الاجتماعات على مدار 3 أسابيع 9 اجتماعات، تكللت في مجملها بمحاضر رسمية مع ممثلي الطلبة في جميع تخصصات العلوم الطبية، وتم التكفل بها من قبل قطاع التعليم العالي والبحث العلمي بمجمل المطالب الـ09 التي رفعها طلبة العلوم الطبية في لائحتهم الوطنية، وآخرها الاجتماع الذي جرى يوم السبت 9 نوفمبر الجاري بحضور ممثلي طلبة العلوم الطبية (طب. صيدلة طب الأسنان) وممثلي قطاع الصحة ورئاسة الأمين العام للوزارة عبد الحكيم بن تليس، حيث خصص اللقاء لمناقشة الانشغالات والمطالب الخاصة بطلبة العلوم الطبية، والتي ترتبط بممارستهم على مستوى مصالح المؤسسات الاستشفائية.
وخلص اللقاء الذي بادرت به وزارة التعليم العالي، السبت، كوسيط لحل انشغالات الطلبة المقترنة بممارستهم على مستوى المصالح الاستشفائية، إلى الاتفاق على تنظيم اجتماع لاحق مع ممثلي الطلبة في غضون 03 أسابيع لتقييم الوضعية، وهذا بعد الاستماع لمداخلات ممثلي الطلبة ذات الصلة بقطاع الصحة، والتي تمحورت، أساسا حول دعم ميادين التربصات الميدانية باللوازم التي يحتاجها طلبة العلوم الطبية على مستوى المصالح الاستشفائية وصيانة التجهيزات لاسيما بالنسبة لطلبة طب الأسنان، فضلا عما يوفره قطاع التعليم العالي في هذا الشأن.
هذه هي مطالب الطلبة ذات الصلة بقطاع الصحة
وانصبت مطالب الطلبة خلال اللقاء على ضرورة إعادة تصنيف الصيادلة وأطباء الأسنان في سلم الوظيفة العمومية، ورفع المناصب المخصصة لتوظيف حاملي شهادات التعليم العالي في العلوم الطبية، مع تسوية وضعية بعض عيادات طب الأسنان الموطنة داخل كليات الطب، فضلا عن تفعيل وظيفة الصيدلي المساعد ومنع التكوينات غير القانونية في مجال بيع الأدوية واستخدام أشخاص غير مؤهلين في ممارسة نشاط البيع المذكور، واستحداث مراكز استشفائية جامعية في محيط كليات الطب في الجنوب، مع تمكين الطلبة الداخليين من رفع مبلغ التعويض عن الخدمات الاستشفائية، وتعويض عن المناوبات التي يقومون بها، وشملهم بالاستفادة من منحة العدوى.
ممثلو وزارة الصحة يردون على انشغالات الطلبة
ومن جانبهم، أكد ممثلو وزارة الصحة الحاضرون في الرد على انشغالات طلبة العلوم الطبية على جاهزية مشروع القانون الأساسي الخاص بممارسي الصحة العمومية، والذي يتضمن تصنيفات جديدة للأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان حسب مدة تكوينهم، والذي استوفى مجمل مراحل الدراسة على مستوى الهيئات المختصة، فضلا عن تخصيص الدولة لمناصب مالية سنويا لتوظيف حاملي شهادات العلوم الطبية، في حين يبقى عدد كبير منها في حالة شعور.
وأشار ممثلو وزارة الصحة إلى تقدم مراحل إعداد مشروع النص التنظيمي لمهنة الصيدلة الصيدلي والصيدلي المساعد، مع التنويه بحصرية بيع الأدوية لدى الصيدلي، وهو مشروع النص الذي يلزم الصيادلة الخواص بتوظيف صيادلة مساعدين، مع تسجيل 10 عمليات عدة لإنجاز مراكز استشفائية جامعية على المستوى الوطني بما في ذلك ولايات الجنوب، إضافة إلى وجود العديد من المصالح الاستشفائية الجامعية على مستوى مؤسسات الصحة العمومية المستغلة كميادين تربصات، وتم الاتفاق على تكليف اللجان القطاعية المشتركة مع وزارة الصحة بمعاينة عيادات طب الأسنان الموطنة داخل كليات الطب لتسوية وضعيتها نهائيا.
وفي سياق ذي صلة، سجل ممثلو وزارة الصحة التزامهم بتبليغ وزير الصحة بالمطالب ذات الصلة بالتعويضات المالية لفائدة الطلبة الداخليين، وفقا لما تم الاتفاق عليه في الاجتماعات السابقة التي نظمتها وزارة التعليم العالي والبحث العلمي.
وفي ختام اجتماع السبت، ذكر الأمين العام للوزارة ممثلي الطلبة بضرورة استئنافهم للدراسة بداية من يوم 6 نوفمبر 2024، وفقا لما تم الالتزام به خلال اجتماع 5 نوفمبر الجاري .
لقاءات موسّعة لمناقشة كل المطالب
والتزم وزير التعليم العالي والبحث العلمي، منذ أول اجتماع مع الطلبة المحتجين، بإجراء لقاءات موسّعة لمناقشة جميع الانشغالات التي دفعتهم للإضراب عن الدراسة، وهو ما تجسّد واقعيا خلال الاجتماع الذي جرى يوم 5 نوفمبر 2024، والذي حضره ممثلو طلبة العلوم الطبية (طب، صيدلة، طب الأسنان) فضلا عن ممثلي قطاعات وزارية، الصحة والعمل والتشغيل والضمان الاجتماعي والصناعة والإنتاج الصيدلاني ومديري الجامعات وعميد كلية الصيدلة جامعة الجزائر 1، وشركاء اجتماعيين (نقابة الأساتذة الاستشفائيين الجامعيين، الاتحادية الوطنية للتعليم العالي والبحث العلمي والنقابة الوطنية للصيادلة الخواص) حيث خصّص اللقاء لمناقشة الانشغالات والمطالب الخاصة بطلبة العلوم الطبية، وذلك تتويجا لسلسلة اللقاءات المماثلة التي سبق وأن تم تنظيمها معهم ابتداء من يوم السبت 19 أكتوبر 2024 تحت إشراف السيد الوزير.
حرص وتأكيد على تنفيذ محاضر الاجتماع الأول
وتم التأكيد، خلال الاجتماع، على الإجراءات المتخذة من قبل لتنفيذها والمتعلقة برفع مناصب الالتحاق بالتخصّص إلى 4045 منصب، ومنح المترشح الناجح في المسابقة مهلة شهر واحد لتأكيد تنازله وتعليق مشاركته لمدة سنة واحدة في حال التنازل بعد هذا الأجل، على أن يتم العمل بهذا الإجراء بدءا من السنة الجامعية المقبلة، كما تم الاتفاق على مراعاة سعة كل كلية طب وملحقة في ضبط تعدادات طلبة السنة الأولى في العلوم الطبية بدءا من السنة الجامعية 2025-2026، بناء على مقترحات الكليات المعنية، مع إجراء تقييم منتظم من الجانب البيداغوجي والتسييري للملحقات التابعة لها، واتخاذ كل الإجراءات اللازمة لتحسين ظروف تمدرس الطلبة فيها، مثلما عبّر عنه ممثلو الطلبة.
وأعلمت الوزارة الحاضرين بتوزيع الدفتر على طلبة طب الأسنان والصيدلة، في انتظار توزيع الدفتر الخاص بطلبة الطب قبل 15 نوفمبر 2024، والتأكيد على تشكيل اللجنة المشتركة بين قطاعي التعليم العالي والصحة، والتي ستشرع في القيام بمعاينات ميدانية عبر كل الكليات والملحقات وميادين التربصات بدءا من يوم 06 نوفمبر 2024 لإحصاء الاحتياجات وجرد النقائص، والتي ستتوج بتقرير مفصّل يرفع إلى وزيري القطاعين.
متابعة الانشغالات ذات الطابع الخاص
وفي سياق ذي صلة، تم تكليف اللجنة البيداغوجية الوطنية للصيدلة بمراجعة فترات التربصات الميدانية الخاصة بطلبة الصيدلة، وتعميم التربص إلى سنوات أخرى من مسار التكوين.
أما بخصوص تحضير شهادة ثانية توازيا مع التكوين في العلوم الطبية، فقد تم تكليف اللجان البيداغوجية الوطنية للفروع الثلاثة (طب، صيدلة، طب الأسنان) بتحضير مشاريع عروض تكوين مماثلة مثل مناجمنت الصحة على مستوى الكليات الأخرى، وفتحها للطلبة بدءا من الدخول الجامعي 2025-2026، وتكليف الندوة الوطنية لعمداء كليات الطب بوضع مخطط تأطير بيداغوجي يسمح بالاستغلال المشترك لقدرات التأطير المتاحة على المستوى الوطني المرافقة الكليات والملحقات التي تشهد نقصا في التأطير لاسيما بجامعات الجنوب بشار الأغواط، ورقلة، في انتظار تدعيمها بمناصب مالية جديدة لدعم موردها البشري، مع تأكيد متابعة قطاع التعليم العالي لمختلف الانشغالات ذات الطابع الخاص لكل فرع (طب، صيدلة، طب الأسنان) بصفة منتظمة ضمن لجنة متابعة قطاعية بمشاركة ممثلي طلبة العلوم الطبية.
ممثل طلبة الطب: “نطالب بتحقيق المطالب الاستعجالية”
وفي المقابل، أكد الجمعي الفاروق، ممثل دفعة السنة الخامسة بكلية طب العاصمة في الاجتماعات الوزارية، بأنهم لم يتحصلوا على أي نتيجة ملموسة في أرض الواقع لحد الساعة وهو ما جعلهم يواصلون الاحتجاج إلى غاية الآن، ليقول:
“وضعنا مطالبنا كلها في يد وزارة التعليم العالي، ونحن متمسكون بتلبية المطالب الاستعجالية أولا كشرط لعودتنا لمقاعد الدراسة”.
وأضاف الطالب في تصريح لـ”الشروق”، إنه “يمكن تطبيق هذه المطالب الاستعجالية الخاصة برفع التجميد عن التحقق من الشهادة ورفع منحة الطلبة وتسقيف عدد الملتحقين بالتخصّصات الطبية في القريب العاجل”.
وأردف المتحدث: “نحن واعون بأن هناك مطالب تحتاج وقتا ولكننا نتمسّك بتطبيق فعلي للمطالب المستعجلة بإصدار مراسيم وقرارات وزارية تنفيذا لما ورد في الاجتماعات”.
وشدّد ممثل الطلبة على أن أهم مطلب لهم يكمن في الإفراج عن آلية التحقق من الشهادة والتي تكتسي أهمية بالغة في مسار طالب الطب من خلال القيام بالتربصات في الخارج، موضّحا بأن هذا المطلب لا علاقة له بالأطباء الذين يريدون الهجرة للخارج وإنما يخص مستقبل الطلبة وتكوينهم، وهو ما له فائدة أولى لخدمة المريض وتحسين نوعية التكوين بدرجة أولى.
كما أشار إلى أن كل مطالب الطلبة تصب جميعها في سبيل الرفع من نوعية التكوين لدى طلبة الطب، ولدى المختصين والأطباء العامين، قائلا: “طالبنا بزيادة عدد المراكز التكوينية من مستشفيات عمومية وجامعية، والحد من العدد الهائل لطلبة الطب المقبولين في التخصّصات الطبية، ووضع إستراتيجية للتوظيف مع وزارة الصحة للقضاء على أزمة الأطباء البطالين الذين وصل عددهم لرقم مخيف”، بالإضافة إلى مطلب رفع مناصب الأطباء المتخصّصين كل سنة بسبب النقص الفادح في كل ربوع الوطن، وتوفير الإمكانات للتربص وفتح المستشفيات الجامعية في الجنوب.
طلبة الطب يردون: “نحن واعون ونتبرأ من محاولة التدخل الأجنبي”
وردّ الجمعي بصفته ممثل طلبة الطب على محاولات المساس بإضراب الطلبة والتدخل في الشؤون الداخلية للجزائر، من خلال صفحات الذباب الإلكتروني التابعة للمخزن، والتي أقحمت نفسها في قضية إضراب الطلبة بالقول: “نحن نتبرأ ونستنكر أي محاولة لتسييس الإضراب الخاص بطلبة العلوم الطبية”.
وشدّد على أن “هدفنا من الإضراب كان وما زال من أجل تحسين جودة تكوين الأطباء في الجزائر، كلنا وطنيون نحب بلادنا ولا نريد سوى أن ترقى الخدمات الطبية في الجزائر للمستوى العالمي”.
وأكد ذات المتحدث في السياق: “نحن طلبة واعون بمحاولات التدخل ونتبرأ من أي أياد خارجية ومن أي محاولة لركوب الإضراب وتسييسه، ونحن على ثقة بأن الدولة ستلبي مطالبنا لتحسين القطاع الصحي في الجزائر”، منوّها بأن الأطباء وطلبة الطب بكل تخصّصاته هم مواطنون جزائريون بالدرجة الأولى لهم حقوق وواجبات، وأن أي إضراب أو احتجاج ما هو إلا وسيلة للمطالبة برفع وتحسين الجودة والخدمات من أجل تقديم الأفضل لهذا الوطن، على حد تعبيره.