-- -- -- / -- -- --
إدارة الموقع

اليهود العرب.. هل لهم دورٌ في التطبيع العربي الإسرائيلي؟

محمد بوالروايح
  • 1316
  • 3
اليهود العرب.. هل لهم دورٌ في التطبيع العربي الإسرائيلي؟
الأرشيف

مخطئٌ من يعتقد بأن الساسة في “إسرائيل” هم وحدهم من خطط لعملية التطبيع مع الجانب العربي، فهناك أيضا اليهود العرب الذين اقتنعوا بأن أقصر الطرق لتحقيق حلم العودة إلى الوطن الأمّ هو العمل على إزالة الحواجز الدينية والتاريخية بين الدول العربية و”الدولة العبرية”، بعد أن ضاقوا بالحكومات الإسرائيلية المتعاقبة ذرعا، التي لم تفلح أي واحدة منها في جعلهم مواطنين كغيرهم من الإسرائيليين، فلا يزال هؤلاء -كما يدَّعون- يعامَلون في “إسرائيل” على أنهم مواطنون من الدرجة الثانية بسبب أصولهم العربية. ففوبيا العربي مستقرَّة في الضمير الإسرائيلي الإشكنازي على وجه الخصوص، فالإشكناز ينظرون إلى اليهود العرب نظرة مريبة ويرون أن ولاءهم ليس لإسرائيل وإنما للدول التي جاؤوا منها.

إن تهمة خيانة “إسرائيل” التي تلاحق اليهود العرب، جعلتهم يفكِّرون في العودة إلى بلدانهم، ولأن هذه العودة صعبة أو مستحيلة بالنسبة إلى الغالبية منهم، بالنظر إلى رفض المجتمعات العربية وبعض الحكومات العربية لأيِّ هجرة يهودية عكسية، فقد فكر اليهود العرب في حيلة كبيرة تحقق لهم حلم العودة أو تضمن لهم على الأقل حرية التنقل مستقبلا بين أرض الميعاد وأرض الميلاد، فوجدوا ضالتهم في التطبيع العربي الإسرائيلي فانخرطوا فيه بقضِّهم وقضيضهم، وضغطوا على القيادة السياسية من أجل جعل هذا التطبيع واقعا معيشا، وهو ما استجابت له هذه القيادة ومضت فيه سرا في أطواره الأولى، قبل أن تصدع به وتُخرجه إلى العلن في آخر العهدة الترامبية.

يجمع المحللون للشأن الإسرائيلي على أن بنيامين نتنياهو لا يمثل في حقيقة الأمر إلا واجهة سياسية في مسلسل التطبيع الذي ما كان له أن يوجد ويصل إلى هذا الحد إلا بزيادة الضغط من اليهود العرب. قرأت في “أخبار سويسرية Swissinfo ” مقالا بعنوان “اليهود المغاربيون بين الهوية الممزقة والدور المحتمل”، يؤكد إلى حد بعيد فرضية أن يكون لليهود العرب دورٌ محتمل في التطبيع العربي الإسرائيلي وخاصة منهم اليهود المغاربيين على أساس أنهم الفئة الغالبة بين اليهود العرب لاعتبارات تاريخية يطول شرحها. ويرسم المقال صورتين متباينتين لليهود المغاربيين، صورة الجماعة الموزعة بين ثلاثة نوازع: نازع الاستجابة للنداء الصهيوني الذي يحرِّض على الهجرة إلى الأرض الموعودة، ونازع العودة إلى الوطن الأم، ونازع الوفاء للموطن الأوروبي الذي احتضنهم بعد أن طُردوا و”أخرجوا من “ديارهم” في الأندلس وفي كثير من الدول العربية، وصورة الجماعة التي -على هوانها داخل “إسرائيل”- تسعى إلى أن يكون لها دورٌ ريادي في عملية التطبيع العربي الإسرائيلي في ظل المتغيرات الإقليمية والدولية والقابلية العربية غير المسبوقة للتعايش مع اليهودي الذي كان لسنوات عند العربي “الشيطانَ الأكبر” الذي يتوجب رجمُه، ومما جاء في المقال سالف الذكر في هذا الشأن: “.. أما اليوم، وبعد أن تغيرت العديد من المعطيات، هناك من يتنبأ بدور أكبر لليهود المغاربيين والمنحدرين من أصول عربية عموما في أي تسوية مقبلة بين الفلسطينيين والإسرائيليين.. ومع حصول تقارب سياسي، ما انفكت علاماته تطفو على السطح بين الدولة العبرية وأكثر من بلد مغاربي خلال السنوات الأخيرة، تنامى دور يهود شمال إفريقيا الذين لعبوا دور همزة الوصل وكانوا في قلب الاتصالات بين الجانبين. لم تكن تلك الوساطة ترمي فقط إلى تهيئة الأجواء للخطوات التطبيعية المعلنة لاحقا، وإنما شكلت أيضا فرصا للعودة إلى المدن والأحياء التي شبَّ في غبارها أطفالٌ يهود أصبحوا بعد هجرة آبائهم إلى فلسطين مواطنين إسرائيليين”.

قد يسيء بعض الناس تأويل ما صدرت به هذا المقال من أن اليهود العرب يعامَلون في “إسرائيل” على أنهم يهودٌ من الدرجة الثانية فيسارع إلى الحكم عليَّ بالتناقض في الكلام إذ لا يمكن -حسبهم- أن يكون لجماعة هذا وضعها وتموضعها في “إسرائيل” كل هذا الدور في عملية التطبيع العربي، ولكن الحقيقة أن اليهود العرب على الرغم من ذلك يشكلون قوة سياسية متنامية، لأنهم استطاعوا أن يرسِّخوا أقدامهم في السياسة فخرج منهم سياسيون إسرائيليون لهم وزنُهم في إدارة دواليب السياسة في هرم سلطة الاحتلال، ويتفق هذا الكلام مع ما جاء في المقال سالف الذكر على هذا النحو: “وعلى رغم أن اليهود العرب يصنَّفون في الدولة العبرية بوصفهم مواطنين من الدرجة الثانية، بالنظر لأنهم من “السفارديم” (اليهود الشرقيين)، فإن بعضهم نجح في تسلق سلم السياسة وارتقى إلى مناصب رفيعة، مثل الأمين العام الأسبق لحزب العمل الإسرائيلي نسيم زفيلي (من أصل تونسي) ووزير الخارجية الأسبق ديفيد ليفي (المولود في المغرب) وخلفه سيلفان شالوم (المولود في تونس)”.

إن قوة اليهود العرب ليس في موقعهم وترتيبهم في سلم المواطنة في “إسرائيل” بل في قوة من يمثلهم ويتحدث باسمهم ويدافع عنهم من سياسييهم ومؤرخيهم وإعلامييهم، فللقرار السياسي والذكاء التاريخي والتألق الإعلامي دورٌ حاسم في هذا المجال ينبغي أن لا يُغفَل، وهنا تجدر الإشارة إلى أن اليهود العرب يمتلكون قوة ضغط هائلة في هذا الجانب تجعلهم عنصرا لا غنى عنه في أي مسعى تطبيعي أو غيره، فبنيامين ستورا الجزائري المولد والذي يدير ملف الذاكرة ممثِّلا للجانب الفرنسي يمكن لأفكاره وطروحاته التاريخية أن تقنع عددا من الحكومات العربية بجدوى التطبيع مع “إسرائيل” من أجل -كما يدَّعي- فك عقدة العداء العربي الإسرائيلي وبناء مجتمع عربي عبري يعيش فيه العرب واليهود جنبا إلى جنب كما كانوا في سابق عهدهم.

إن أخشى ما أخشاه من جانب بنيامين ستورا أن يعمل أو يحمل على إدراج ملف اليهود “المطرودين” -كما يزعم- في النقاشات المتعلقة بملف الذاكرة ليحقق لإخوانه من اليهود العرب حلما تاريخيا ظل يراودهم منذ رحيلهم من الجزائر –وليس ترحيلهم- كما يدَّعي في كتابه “المنافي الثلاثة”، هذا أمرٌ غير مستبعد الوقوع من جانب ستورا ومن الجهة التي عيَّنته ومن الجماعة التي ينتمي إليها، ولكنه مستحيل التحقق من جانب الجزائر لأنها ماضية بحكم مبادئها العربية والقومية الثابتة على رفض أي عودة يهودية أو عودة الأقدام السوداء.

يظهر دور اليهود العرب في عملية التطبيع العربي الإسرائيلي جليا في حالة المغرب، فليست الهِبة الترامبية السخية بالاعتراف بـ”السيادة” المغربية المزعومة على الصحراء الغربية هي العامل الوحيد الذي حفز المغرب على التطبيع مع “إسرائيل”، ولو أن هذه الهِبة الترامبية تمثل مكسبا سياسيا وإقليميا للمغرب، بل هناك عامل آخر لم يحسب له كثيرٌ من المحللين السياسيين حسابا وقد كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عن جانب مهم منه، جعل -كما كتب بعض الإعلاميين- التطبيع المغربي الإسرائيلي أمرا متوقعا وغير مفاجئ، كتبت “نيويورك تايمز”: “إن العلاقة المغربية الإسرائيلية ترجع جزئيا للعدد الكبير من اليهود في المغرب، فكثير منهم كان يهاجر إلى هناك. وتشير بعض التقديرات لوجود حوالي مليون إسرائيلي ينحدرون من أصول مغربية”.

إن الحديث عن مليون إسرائيلي من أصول مغربية يعيشون في إسرائيل ليس بالأمر الهين لأن هذا العدد هو بحجم “دولة خليجية” ويمكن أن يشكل عامل ضغط على الحكومة الإسرائيلية لدفع مسار التطبيع العربي الإسرائيلي بالسرعة القصوى المتاحة وخاصة أنه يشكل رغبة جامحة لكثير من اليهود المغاربة من أجل تحقيق حلم العودة إلى الوطن الأم.

 إن الواقع العربي الراهن يؤكد- بما لا يدع مجالا للشك- بأن قطار التطبيع العربي الإسرائيلي سيتوقف في الرباط ولن يصل إلى تونس والجزائر، وهذا التأكيد يستند إلى معطيات كثيرة، منها أن أعداد اليهود في تونس في تناقص مستمرّ، فمدينة جربة على سبيل المثال التي كانت إلى وقت مضى تضمّ أكبر تجمع لليهود والمدارس التلمودية لا يزيد عدد اليهود فيها عن ألفي شخص بعد أن كان عددهم خمسة آلاف أو يزيدون في الستينيات من القرن الماضي، ويضاف إلى ذلك أن القيادة التونسية الحالية وشريكها في الحكم “حركة النهضة”، وأكبر الأحزاب الديمقراطية في تونس رافضة لمبدأ التطبيع مع إسرائيل جملة وتفصيلا، بل ذهب الرئيس التونسي قيس سعيّد في أثناء المناظرة الخاصة بالرئاسيات التونسية إلى العمل -في حالة فوزه بالرئاسة- على دسترة تجريم التطبيع مع إسرائيل وهو ملتزم إلى حدِّ الآن بهذا الأمر.

أما الجزائر فتعدُّ من دون منازع ومن دون أدنى شك الصخرة العربية التي تتحطم عليها “سفينة التطبيع”، فهي الدولة المغاربية والعربية الوحيدة التي جاهرت برفضها للتطبيع مع إسرائيل جملة وتفصيلا رغم الضغوط الممارسة عليها لإلحاقها بركب المهرولين المنبطحين.

أضف تعليقك

جميع الحقول مطلوبة, ولن يتم نشر بريدك الإلكتروني. يرجى منكم الإلتزام بسياسة الموقع في التعليقات.

لقد تم ارسال تعليقكم للمراجعة, سيتم نشره بعد الموافقة!
التعليقات
3
  • ITER mohammed

    أستاذ جامعي على عيني ورأسي لكن المقال ليس فيه شيء من الأكاديمية ويردد عقيدة الدولة في الطرح ،شخصيا اتفق مع الكاتب في ان قطار الديبلوماسية الاسرائيلية متوقف حاليا في الرباط لكن ستركبون فيه ولو من بعد حين، الامر ليس بالتمني والرغبة في ذلك، لكنه هو الواقع ، رغم كل الكلام الجميل المنمق الذي يتسامى ويتعالى ويتغنى بعزة النفس وينجر حتى إلى العجرفة وإخراج ابناء العم حتى السفارديم منهم من صنف الإنسانية ، الأيام بيننا اخوتي، مع تحيات مغربي صادق

  • علي عبد الله الجزائري

    فكرة مستوحاة من نظام استعماري بداه الارهابيون الصليبيون
    فرنسا حاولت محو الهوية والفرد الجزائري عن طريق المعمرين الاوروبيين
    نفس الشيء المعمرين الاوروبيين الذين ابادوا شعوب اصلية في امريكا واستراليا وجنوب افريقيا
    راجع كتاب الحرب القذرة BLACK WAR
    للمؤرخ البريطاني Nicholas Clements
    بحيث يصبح المحتل يشكل قوة دمغرافية على حساب سكان الاصل بالابادة والتهجير واستقدام افراد وجماعات موالية له
    في فلسطين اكثر اليهود عرب منهم يهود الفلاشا لكن اقلية تعاني تمييز لاصولها الافريقية
    مقارنة بالعرب
    200 الف يهودي عراقي
    اكثر من مليون يهودي مغربي
    بضعة الاف من يهود مصر و سوريا و اليمن و سلطنة عمان

  • okba

    اليوم عرفت ان اغلب اليهودهم عرب..مقال رائع شكرا علي التنوير