.. انتهازيون يغزون الشواطئ!

تستمر الحرب ضد “بلطجية” الشواطئ، لكنها حرب تحتاج إلى مزيد من الدعم وتعاون السلطات المحلية والمجتمع المدني، فرغم تأكيد الدولة على مجانية هذه الفضاءات لتمكين “الزوالية” من الاستمتاع بموسم اصطياف في بلادهم بأقل التكاليف، إلاّ أن الشكاوى التي تصل رؤساء البلديات الساحلية، وجمعيات حماية المستهلك تكشف عن معاناة حقيقية لمصطافين في عديد الشواطئ، التي يحتلها أصحاب”الباركينغ”، والدخلاء، وحتى المستفيدون من رخص كراء أجزاء منها.
وفي عزّ ارتفاع درجات الحرارة، والإنزال البشري على الشواطئ، لا تخلو هذه الفضاءات، من إزعاج وسيطرة المتجاهلين للقوانين، والمتواطئين الذي يبحثون عن الربح على حساب المواطن البسيط والعائلات القاصدة للبحر رفقة أطفالها بحثا عن الراحة والاستجمام.
شواطئ محتلة والمجانية مجرّد شعار!
ومن خلال جولة استطلاعية قادت “الشروق”، إلى شواطئ بولايتي الجزائر العاصمة، وتيبازة، وقفنا على تلاعبات “البلطجية”، وانتهازيتهم، حتى في بعض الشواطئ غير المحروسة التي باتت مقصدا للعائلات بحثا عن المجانية.. شباب وأطفال وكهول يزعمون أنّهم يملكون ترخيصا لتسيير حظيرة السيارات.
ولا يقل سعر تذكرة الحظيرة عن 200 دج، ناهيك عن المظلات التي يصل سعرها في أبسط الشواطئ إلى 700دج، أمّا الطاولات المرفقة بأربع كراسي فيطلب أصحابها مبالغ يتراوح بين 1000دج و1800دج.
البداية كانت من الشاطئ العائلي المحاذي، لتعاضدية العمال بزرالدة، أين كان إقبال العائلات لا يتوقف، بينما في مدخل الشاطئ، يهرول إليك أصحاب “الباركينغ”، متظاهرين بمنح حرية قبول أو رفض دفع مبلغ ركن السيارة، الذي لا يقل عن 200 دج، ويبدو أنّ هذا السلوك وسيلة للإفلات من قبضة السلطات المراقبة لسير الشواطئ المجانية أو مصالح الدرك.
وبحسب جولة “الشروق، التي شملت شواطئ محروسة وأخرى غير محروسة في سيدي فرج وزرالدة ودواودة، تبيّن أنّ أغلب تذاكر الشباب الذين يدّعون أنهم يملكون تراخيص من البلدية لا تحمل ختم هذه السلطات المحلية.
ولا يتعلق الأمر، بحسب ما وقفنا عليه، بمشكل الحظائر، وركن السّيارات، فقد اشتكى الكثير من المصطافين الذين صادفناهم، من هيمنة الخواص الذين استفادوا من رخص تسيير بعض الأجزاء من الشواطئ، وتجهيزها بكراسي وطاولات ومظلات، حيث أنّ هؤلاء لم يلتزموا بشروط منح هذه الرخص، وراحوا يسيطرون على مواقع إستراتيجية ومطلوبة من طرف المصطافين، واحتلال بعضهم كل الشريط الأمامي القريب من مياه البحر.
الفايسبوك.. بوابة التعبير عن المعاناة في الشواطئ
وتعكس بعض الصور والتعاليق التي يتداولها روّاد منصات التواصل الاجتماعي هذه الأيام، وجود الكثير من الخروقات والمشاكل التي تعترض المصطافين، والاعتداءات من طرف أصحاب”الباركينغ”، فقد وصل سعر تذكرة ركن السيارة في إحدى الشواطئ بمنطقة بومرداس حسب ما نشر عبر”الفايسبوك”، إلى 500 دج، وهذا بعد أن شهد الشاطئ إقبالا منقطع النظير.
فيما تداول روّاد “الفايسبوك”، صورة للدرك الوطني وهم يقبضون “بلطجية” حظائر الشواطئ بتيبازة، قائلا “صورة تبرد القلب..العاقبة للشواطئ المتبقية إن شاء الله في ولاية بومرداس.. راهي هاملة”.
ولم تخل منصات التواصل الاجتماعي في الجزائر من تلك الصور المزعجة للمصطاف، حيث انتشرت صورا تعكس استحواذا على الشاطئ وخاصة مساحاته القريبة من مياه البحر، من طرف أصحاب الكراسي والطاولات والمظلات الذين استفادوا من تراخيص تسمح لهم باحتلال جزء فقط من هذه الشواطئ، فالصور المتداولة تظهر عائلات في شواطئ بجيجل وبومرداس وتيبازة، تجلس بعيدا عن مياه الشاطئ وخلف تلك المظلات نصبت كحاجز بينهم وبين البحر.
جمعيات حماية المستهلك تستقبل شكاوى لا متناهية للمصطافين
وفي هذا السياق، قال الدكتور مصطفى زبدي، رئيس المنظمة الجزائرية لحماية المستهلك وإرشاد،في تصريح لـ”الشروق”، إنّ لوائح الإعلام عن الشواطئ المتنازل عنها للخواص، وكذا أسعار الخدمات واللوازم التي يتم كرائها للمصطافين، غائبة تماما، موضحا أن بعض الشواطئ تستغل بأكملها من طرف بعض الأشخاص ويمنع دخول “الزوالية ” إليها حيث يفرض اصطحابها مبالغ مالية على المصطافين.
ولم ينف مصطفى زبدي، وجود تواطؤ مع بعض المسؤولين المحليين، في بعض المناطق الساحلية، وهذا من خلال طبيعة الشكاوى التي تصل جمعيته، وقال إن هنالك ظواهر تزعج راحة المصطافين فالتنازل عن بعض الأجزاء من الشاطئ لبعض الخواص لا يعني احتلال الرصيف والشاطئ بأكمله.
ودعا المتحدث إلى إشراك المجتمع المدني من خلال الجمعيات المحلية لتسيير الشواطئ واختيار الشباب الذين يستفيدون من رخص تسيير الحظائر وأجزاء من الشاطئ، حيث هناك بحسبه، عائلات تعاني تدني القدرة الشرائية، والجمعيات يمكن لها أيضا أن ترافق مثل هذه العائلات إلى الشواطئ.
5 بالمائة فقط من الوكالات السياحية استفادت من رخص تسيير الشواطئ
وفي هذا السياق، أكد رئيس النقابة الوطنية للوكالات السياحية، نذير بلحاج مصطفى، لـ”الشروق”، أنّ المعاناة في الشواطئ موجودة رغم التأكيد عن مجانية هذه الفضاءات، مشيرا إلى أن الرحلات السياحية التي تقوم بها بعض الوكالات إلى البحر، تكشف عن سيطرة بعض الدخلاء على الشواطئ.
وقال بلحاج “حسب ما اطلعنا عليه في الميدان فإن أقل ما يصرفه المصطاف البسيط في الشواطئ من أجل السباحة فيها، هو مبلغ 5 آلاف دج”.
وعاب نذير بلحاج، الحصة التي استفادت منها الوكالات السّياحية فيما يتعلق بتسيير الشواطئ، وهي لا تتعدى نسبة 5 بالمائة، حيث قال إن بعض الوكالات فقط ساهمت في هذا التسيير، فيما لا تهتم أغلبها، وهذا أمر جعل الوضع عبر الشواطئ غير متحكم فيه.
ويرى رئيس النقابة الوطنية للوكالات السياحية، نذير بلحاج مصطفى، أن أصحاب الفنادق يمتلكون خبرة واسعة في تسيير الشواطئ، حيث يصبح بإمكان بعض المصطافين الحجز في فندق ساحلي، والتمتع بالمقابل في الشاطئ التابع له.
أميار متذمرون بعد إعفائهم من تسيير الشواطئ
واشتكى بعض رؤساء البلديات في العاصمة من توكيل مهمة تسيير الشواطئ إلى ديوان التسلية والترفيه “أوبلا”، وتجريدهم من مسؤولية مراقبة وتسيير هذه الفضاءات ومنح الرخص المتعلقة بها، حيث أصبح 59 شاطئا مسموحا للسباحة من ضمن 71 شاطئا، تحت رعاية مؤسسة واحدة.
وأكّد رئيس بلدية برج الكيفان، إسماعيل عمارة، أن الكثير من الشكاوى تصل المجلس الشعبي البلدي، من قبل مصطافين يعانون هيمنة بعض الأشخاص في شواطئ على مستوى إقليمه، وقال إنّ تجريد أميار العاصمة من مسؤولية تسيير الشواطئ ومنح التراخيص لاستغلال مساحات منها، أمر غير مقبول.
ويرى المتحدث أن رؤساء البلديات هم الأولى بالشواطئ، والحظائر المتعلقة بها، قائلا إن شباب المنطقة ينظرون إليهم على أنهم هم من يتولون مسؤولية هذه الأماكن، في حين أن الحقيقة أنّ رئيس البلدية في بلديات العاصمة خارج دائرة كل ما يتعلق بموسم الاصطياف في الشواطئ.
ومن جهته، قال رئيس بلدية عين طاية، محمد راتني، لـ”الشروق”، إن تجريد “المير” من مسؤولية تسيير الشواطئ والحظائر المتعلقة بهذه الفضاءات، زاد من عدد الشكاوى التي تتهاطل يوميا على المجلس الشعبي البلدي من المصطافين، وبعض الشباب الذين لم يستفيدوا من رخص “الباركينغ”، وكراء اللوازم كالكراسي والمظلات.
وأكّد أنّ الأميار وأعضاء المجلس الشعبي البلدي، كمسؤولين محليين أدرى بمشاكل المنطقة، والفئة التي تستحق الاستفادة من الرخص الخاصة بالشواطئ، كما أن بعض البلديات فقيرة وتعول على موسم الاصطياف لتحسين مداخيلها، حيث أنّ إعفاء “المير” من تسيير الشواطئ وحظائرها، لا يمنح فرصة الربح وزيادة الميزانية.
واستغرب المتحدث تولي البلدية مهمة دفع مستحقات الإنارة العمومية، في حين أنّ ديوان تسيير الحظائر والتسلية والترفيه “أوبلا”، هو من يستهلك الكهرباء من خلال توليه المسؤولية على الشواطئ في العاصمة.
وقال محمد راتني، إنّ التأكيد من طرف السلطات على إعادة تسيير الحظائر لرؤساء البلديات يبعث على الأمل، حيث يمكن بعد ذلك أن تصبح الحظائر بالشواطئ تحت وصاية الأميار في العاصمة، علما أنّها الآن تحت مسؤولية مؤسسة تسيير الحظائر.
القوانين موجودة والتجاوزات مستمرة!
وأكّد الكثير من المحامين لـ”الشروق”، أنّ الجانب القانوني لمجانية بعض الشواطئ، وطرق استغلال بعضها من طرف الخواص، واضح ومحدّد، ولا توجد به أي ثغرات، لكن التطبيق على أرض الواقع يعود حسبه، لتهاون السلطات المحلية في بعض البلديات الساحلية.
وقال المحامي لدى مجلس قضاء الجزائر قدور حنفي، إن المتابعات القضائية فيما يخص التجاوزات في تسيير الشواطئ أو احتلالها من طرف بعض الدخلاء، تكاد لا يسمع بها في المحاكم، حيث لا توجد منازعات بشكل يسمع به الجميع أو على الأقل أصحاب الجبة السوداء.
ومن جهته، يرى المحامي نجيب بيطام، أن المسؤولية تقع على عاتق المنتخبين المحليين، والجمعيات المحلية، موضحا أن القانون موجود، لكن الجهة التي تمثل الطرف المدني أو التي تتأسس أمام الجهات القضائية ضد المحتلين للشواطئ، غائبة في كثير من الأحيان.