باريس تتجاوز نقطة العودة في علاقاتها بالجزائر
تجاوزت السلطات الفرنسية نقطة اللارجوع في علاقاتها مع الجزائر، بعد سماحها لسفيرها لدى النظام المغربي، كريستوف لوكورتيي، بزيارة الأراضي الصحراوية المحتلة، وهي الخطوة التي لم يتجرأ على القبول بها رئيس الحكومة الإسبانية، بيدرو سانشيز، الذي كان السباق في دعم السيادة المغربية المزعومة على الأراضي الصحراوية المحتلة.
وتخطى السفير الفرنسي بالرباط أحد المحظورات بزيارته إلى الأراضي الصحراوية المحتلة (العيون والداخلة)، الإثنين والثلاثاء من هذا الأسبوع، على رأس وفد من السفارة، وفق بيان صادر عن البعثة الدبلوماسية الفرنسية في المملكة العلوية، ليصبح أول دبلوماسي أوروبي كبير يزور هذه المنطقة التي يتنازع السيادة عليها كل من النظام المغربي وجبهة البوليساريو، والتي تعتبر الممثل الشرعي والوحيد للشعب الصحراوي، استنادا إلى مقررات الأمم المتحدة.
وتشكل الزيارة التي قام بها المسؤول الفرنسي للأراضي الصحراوية المحتلة، انتهاكا صارخا لقرار محكمة العدل الأوروبية الذي صدر في الرابع من أكتوبر 2024، والذي قضى بأن لا سيادة للمملكة العلوية على الصحراء الغربية، لاسيما أن قرار العدالة بات نهائيا ويسري على الدولة الفرنسية باعتبارها تقع ضمن اختصاص المحكمة التي أصدرت القرار المذكور.
ويعتبر السفير الأمريكي السابق لدى المغرب، ديفيد فيشر، الدبلوماسي الغربي الوحيد الذي زار الأراضي الصحراوية المحتلة، وكان ذلك في يناير 2021، والتي تصادف الأيام الأخيرة من عهدة الرئيس الأمريكي السابق والعائد إلى الرئاسة، دونالد ترامب، غير أنه ومع وصول الرئيس المنتهية ولايته، جو بايدن، جمّد “التغريدة” التي وقعها ترامب مباشرة بعد خسارته سباق الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر 2020، والتي دعّم فيها كما هو معلوم السيادة المزعومة للنظام العلوي على الصحراء الغربية، كما تخلى أيضا عن إقامة قنصلية أمريكية في مدينة الداخلة الصحراوية المحتلة.
ورافق الدبلوماسي الفرنسي إلى الصحراء الغربية المحتلة، وفد من المقاولين الفرنسيين، تمهيدا للانخراط في مشاريع استثمارية في المنطقة، تماشيا مع وعود الرئيس الفرنسي قبل وأثناء زيارته إلى المملكة العلوية.
وإن كانت زيارة السفير الفرنسي تعتبر تحصيل حاصل بعد كل ما حصل منذ الصائفة المنصرمة، إلا أنها تشكل استفزازا جديدا للجزائر بالنظر لموقفها الحازم والمبدئي من القضية الصحراوية.
وتدرك السلطات الفرنسية أن خطوة من هذا القبيل من شأنها أن تزيد من تعقيد وضع العلاقات المتأزمة أصلا مع الجزائر، غير أن تعمد باريس وسيرها على هذا النهج، يؤشر على أن التيار أصبح لا يمر بالمرة بين الجزائر وباريس، فالممثلية الدبلوماسية الجزائرية في باريس توجد في أدنى مستوى من التمثيل (تم خفضه إلى مستوى القائم بالأعمال)، كما أن السفير سعيد موسي الذي تم استدعاؤه للتشاور، تم تحويله إلى العاصمة البرتغالية، لشبونة، ما يؤشر على أن الجزائر ليس في نيتها إعادة التمثيل الدبلوماسي مع فرنسا إلى المستوى العادي، على الأقل في المستقبل المنظور.
ولم تعد الجزائر تعلق على المواقف الفرنسية المتعلقة بعلاقات باريس مع النظام المغربي أو تلك المتعلقة بالصحراء الغربية، منذ بيانها الشهير الذي أعقب إعلان ماكرون دعم السيادة المغربية المزعومة على الأراضي الصحراوية المحتلة، والذي جاء فيه: “ستستخلص الحكومة الجزائرية كافة النتائج والعواقب التي تنجر عن هذا القرار الفرنسي وتحمل الحكومة الفرنسية وحدها المسؤولية الكاملة والتامة عن ذلك”.
غير أن إظهار عدم مبالاتها بالمواقف الفرنسية الأخيرة، لا يعني أنها خضعت للأمر الواقع، فالكثير من المصالح الفرنسية في الجزائر وما أكثرها، سيطالها الضرر من دون شك، وبرأي المراقبين فإن الطرف الجزائري ينتظر الوقت المناسب لتوجيه الضربة.. فهل هو الهدوء الذي يسبق العاصفة؟