باريس تضطر للإفصاح عن الأسباب الحقيقية لاستهداف الجزائر

بدأ المسؤولون الفرنسيون يكشفون تباعا عن الخلفية الحقيقية لـ”السعار” الذي انتابهم ولا يزال من الجزائر خلال الأشهر القليلة الأخيرة، حيث جاء الاعتراف الثاني على لسان رئيس الوزراء، فرانسوا بايرو، الذي سار على نهج وزير داخليته برينو روتايو، في التعاطي مع الأزمة السياسية والدبلوماسية المتفاقمة مع الجزائر.
وبينما تنتظر الجزائر من السلطات الفرنسية تصحيح موقفها غير القانوني ولا الأخلاقي من القضية الصحراوية، التزاما بالقانون الدولي، عبر فرنسوا بايرو، عن انشغال بلاده بمجموعة من الإجراءات اتخذتها السلطات الجزائرية بكل سيادية، مثل تعليم اللغة الإنجليزية في المدارس الابتدائية ودحرجة اللغة الفرنسية إلى سنوات متأخرة، بالإضافة إلى إجراءات أخرى لها علاقة بالبعد الاقتصادي.
وفي الحوار الذي خص به قناة “سي نيوز” اليمينية المتطرفة، الجمعة 07 مارس الجاري، قال فرانسوا بايرو، إن “الجزائر بلورت سياسات عدوانية بشكل متطرف ضد اللغة الفرنسية وضد الثقافة الفرنسية”، في إشارة إلى إدراج اللغة الإنجليزية في الطور الابتدائي على حساب اللغة الفرنسية.
وتساءل الوزير الأول الفرنسي في معرض تعبيره عن رفض بلاده لتلك الإجراءات والتدابير: “هل هذا الأمر معقول بالنسبة لدولة تربطنا بها علاقات تفضيلية للغاية؟”، وهو هنا يتحدث عن اتفاقية 1968 المنظمة للهجرة بين البلدين، والتي قال عنها إن الجزائر هي الدولة الوحيدة في العالم التي تتمتع بامتيازات استثنائية بموجب هذه الاتفاقية.
كما تساءل المسؤول الفرنسي إن كانت الاتفاقيات المبرمة بين الطرفين تسمح للجزائر بالقيام بالتدابير، التي وصفها بالعدوانية، التي سلطتها على اللغة والثقافة الفرنسيتين في الجزائر، وألمح إلى أن بلاده ستبحث في مضمون الاتفاقيات الثنائية ما يشير إلى ما يسمح لبلاده بالضغط على الجزائر من أجل احترام تلك البنود أو لجوء باريس إلى سياسة المعاملة بالمثل.
وسبق لوزير الداخلية الفرنسية، برينو روتايو، أن تحدث عن هذه المسألة، بلغة أن باريس لم يعد لديها ما تخسره في الجزائر، بعد الضربات التي تلقتها الشركات الفرنسية في الجزائر، وكذا اللغة الفرنسية، التي زعم بأنه تم “اجتثاثها” من المدرسة الجزائرية، وهو تصريح كاذب، لأن الفرنسية لا تزال تدرس ليس فقط في الطورين الثانوي والمتوسط، وإنما حتى في الطور الابتدائي، وأن إدراج اللغة الإنجليزية لم يكن على حساب اللغة الفرنسية.
وربما الأمر الذي أزعج الفرنسيين، هو القرار الصارم الذي أصدرته وزارة التربية الوطنية خلال السنة الدراسة 2023 / 2024، والقاضي بمنع تدريس المواد في المدارس الخاصة باللغة الفرنسية، وإنما تدريسها باللغة العربية، مع الحفاظ على تدريس اللغة الفرنسية كلغة وليس كلغة تدريس لمواد أخرى، وهو القرار الذي كان ملزما وصارما، وقد حاولت المدارس الخاصة المشبوهة القفز عليه، إلا أنها استسلمت في الأخير للقرار، بسبب المخاوف من تعرضها للغلق في حال عدم الالتزام بالقرار.
وتنفي هذه التصريحات مزاعم الساسة في باريس، الذين ركزوا على مدار نحو شهرين على مزاعم مفادها أن الجزائر ترفض إصدار تصاريح قنصلية من أجل ترحيل المهاجرين الذين صدرت بحقهم قرارات طرد من التراب الفرنسي، وهي الأطروحة التي فندها الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، ذاته في الحوار الذي خص به صحيفة “لوفيغارو”، الأسبوع المنصرم، والذي أكد من خلاله أن الجزائر تصدر تصاريح قنصلية أكثر من جيرانها (تونس والنظام المغربي)، الأمر الذي فضح وزير داخليته روتايو.
وأمام انكشاف زيف مزاعم التصاريح القنصلية، لم يجد روتايو ومن لف لفه من رموز اليمين المتطرف، بدا من الاعتراف بأن سبب الغضب الفرنسي ذو طابع ثقافي مرتبط بمنافسة الإنجليزية للفرنسية في المدارس الجزائرية، واقتصادي بحرمان الشركات الفرنسية من الامتيازات التي كانت تتمتع بها في الجزائر، على مدار عقود، دون حسيب أو رقيب.