براميل البترول.. وبراميل البطون
يبدو أن أغلب الحكومات التي تَفرش لنا البساط الأحمر اليوم، وتستقبلنا بالأحضان، إنما تفعل ذلك لسببين رئيسين أحدهما مرتبط ببرميل البترول والآخر مرتبط ببرميل البطون:
ـ إما تنظر لنا كمصدر للطاقة مازالت تحتاجه (برميل البترول).
ـ أو تعتبرنا سوقا كبيرة يمكنها أن تستوعب منتجاتها الاستهلاكية مهما كانت نوعيتها (برميل البطون).
وقليلة هي الحكومات التي تضيف إلى هذين العاملين كوننا شريكا لها في الجوانب الأمنية مادامت في حاجة إلينا لمواجهة بعض التهديدات المحلية التي تهدد ملء أحد البرميلين.
أي أن التعامل معنا محكوم بعاملين أساسيين لا دخل لنا في زيادة أيّ قيمة مضافة إليهما: الموارد الطبيعية التي تختزنها أرضنا وصحراؤنا بالتحديد، والسوق الاستهلاكية التي تحركها قدرة شرائية ناتجة عن توزيع الريع الناتج عن بيع هذه الموارد.
وهذا يعني أننا خارج هذه العوامل لا نساوي أي شيء بالنسبة للغرب قبل الشرق: أين الابتكار البشري؟ أين القيم المضافة في الجوانب المادية والمعنوية؟ أين نمط التنمية الناجح؟ أين النموذج السياسي والديمقراطي الرائد؟ أين الدور التاريخي الفاعل؟ أين المكانة الإقليمية القائمة على المرتكزات الذاتية؟ أين تلك العوامل التي هي من صنعنا والقادرة على جلب الاحترام لنا بعيدا عن اعتبارنا إما براميل نفط مملوءة للتصدير أو بطونا كالبراميل تنتظر أن تُملأ كل يوم بكل ما لا تَصنع أو تُنتج؟
هل يمكننا أن نخرج من دائرة اليأس وشعوب الشرق والغرب تنظر لنا وتتعامل معنا على هذا الأساس، ولا تتعامل معنا كعقول منتِجة للأفكار قادرة على صناعة مستقبلها بنفسها من غير بترول أو غاز…؟
متى نصل إلى مرحلة يكون فيها مصدر الاحترام لنا هو ما ابتكرته عقولنا من أفكار وما صنعته سواعدنا من سلع وخدمات؟ متى ندرك أن قوتنا الدائمة ليست في أي من البرميلين إنما في ما يمكن أن تختزنه عقولنا من أفكار ومعارف تحقق غايتنا وتجلب لنا الاحترام؟
متى يكون خيارنا الاستراتيجي هو صناعة الإنسان الذي يُحترم لكفاءته وإبداعه؟ المسؤول الذي يُستقبل لما يحمل معه من رموز القوة الحقيقة، لما تكون عليه مؤشرات بلده عالية في مجالات المعرفة والابتكار والإنتاج المادي والمعنوي، لما يفتخر به من بناء مؤسسات ديمقراطية ومن احترام للحريات ومراعاة لحقوق الإنسان..
متى نفخر أمام الشعوب والأمم بالقول: لسنا براميل نفط ولا بطونا كالبراميل… إنما نحن قبل ذلك عقول ينبغي أن تُحترم..
متى نستبدل البرميل بالفكرة والثروة الفانية بالدائمة ورموز اليأس برموز الأمل؟
ذلك هو السؤال.