بعد انتصار غزة: العالم سيُغيِّر من عقيدته العسكرية!

قبل العدوان على غزة، طغى البعد التكنولوجي على العقيدة العسكرية لكثير من الدول، منها من بات يزعم أنه بلغ درجة من التطور لن يهزم بعدها أبدا، ومنهم من خارت قواه واستسلم للأمر الواقع وسَلَّم أمْرَ الدفاع عن نفسه لغيره بقبول القواعد العسكرية وما تبعها من تنازلات…
النّهاية التي وصل إليها العدوان على غزة والانتصار الذي حقَّقته المقاومة يُعيد النظر في كافة هذه المُسلَّمات، ومن شأنه أن يدفع العالم إلى القيام بمراجعة مسألة الدفاع والهجوم والانتصار والهزيمة في الحرب اعتمادا على امتلاك الأسلحة الأكثر تطورا، مراجعة عميقة…
– في سنة 2020 تبنى الكيان الصهيوني عقيدة عسكرية جديدة سمّاها “الزّخم” مفادها أن الحرب اليوم إنما تقوم على عنصرين من امتلكهما انتصر: سرعة الضربات العسكرية + أقصى اعتماد على التكنولوجيا المتقدمة والذكاء الاصطناعي. وقبلها في سنة 2017 أعلنت الذراع التحريرية للجيش الصهيوني أن هذا الجيش “يرى أن الذكاء الاصطناعي هو مفتاح البقاء في العصر الحديث”….
– وفي عدوانه على غزة طبّق هذه العقيدة، وسَمّى الجزء المتعلق باستخدام الذكاء الاصطناعي في اختيار الأهداف وتنظيم الخدمات اللوجستية في الحرب “مصنع النار”. وكتبت “لوس أنجلس تايم” في 23 نوفمبر 2023 بأننا لا نعرف كيف تستخدم “إسرائيل” الذكاء الاصطناعي، ولكنها أشارت إلى أن الجيش الاسرائيلي كان يتفاخر بأن “آلاته تتفوّق على البشر”، مُستشهدة بما كتبته مِن قبلُ رئيسة فرع البحث والتطوير وتنفيذ الذكاء الاصطناعي، المقدّم “نوريت كوهين إنجر”، قائلة: “كل كاميرا وكل دبّابة وكل جندي يُنتج معلومات بشكل منتظم، سبعة أيام في الأسبوع، 24 ساعة في اليوم”… ومشيرة إلى ما قاله رئيس التحول الرقمي بالجيش “ما كان يستغرق ساعات يستغرق الآن دقائق، مع بضع دقائق أخرى للمراجعة البشرية”!….
– وفي هذا العدوان ذاته استخدم الجيش الصهيوني لأول مرة ما يُعرف بـ”نظام العمليات متعددة المجالات” القائمة على الدمج بين المعلوماتية والسيبرانية والفضاء Multi-Domain Operations والمُشكَّلة -إضافة إلى الجيوش- من دول متحالفة وقطاعات مدنية وشركات حربية خاصة، والتي تجاوزت النظام التقليدي Joint Operations جو- بر- بحر الذي تقوم به الجيوش فقط، كل ذلك لاستهداف ما اعتبرته مراكز حسَّاسة للمقاومة في غزة.
– وذكرت صحيفة Ynet الصهيونية في بداية العدوان أن الكيان لم يترك سلاحا مُتطوِّرا إلا واستخدمه. ومنها ما استُخدم لأول مرة، مثل طائرات المسح الثلاثي المستخدِمة للذّكاء الاصطناعي من شركات Shield AI وSkydio الأمريكية، وطائرات Nova 2 من دون طيار للبحث عن رجال المقاومة في المباني، وناقلات الجند Eitan APCs، ونظام Tnufa Swing القائم على مخرجات الثورة الخامسة في الشؤون العسكرية، ونظام BEAM 3.0 الهجومي الإلكتروني من شركة CACI الأمريكية، بدون الحديث عما لم تتطرق له وسائل الإعلام وبقي في نطاق السرية…
بعبارة مُختصرة يُمكن القول إنه جرى في العدوان على غزة استخدام آخر ما عُلِم وما لم يُعلَم من تكنولوجيا عسكرية، ووُضعت العقيدة العسكرية القائمة على كون “ميزان القوة العسكرية إنما يحسمه في آخر المطاف ميزان القوة التكنولوجي” على المحك، فماذا كانت النتيجة؟
كانت النتيجة أنه ينبغي مراجعة كل هذا الافتراضات، بما في ذلك المُسلَّمة القائلة بالدور الحاسم وأحيانا السِّحري للذكاء الاصطناعي في حسم الصراع، فالحرب تبقى قبل كل شيء صراعا بين إرادتي ظالم ومظلوم، حق وباطل… وفي كل الحالات لا يُمكن للظالم أن ينتصر، كما لا يمكن للباطل أن ينتصر.. وهذا ما قالته المقاومة في الميدان.
كتبت Audrey Kurth Cronin مديرة مؤسسة كارنجي في الـForeign Affairs بشأن الحروب غير المتناظرة أنه ما بين سنتي 1775 و1945 انتصرت الثورات على الجيوش النظامية بنسبة 25%، في حين ارتفعت هذه النسبة بعد الحرب العالمية الثانية إلى 45%…
وقياسا على ذلك دعنا نقول بعد انتصار المقاومة في غزة على أكبر الجيوش في العالم المتحالفة مع الكيان الصهيوني: قد ترتفع هذه النسبة اليوم إلى 100%… وذلك يعني باختصار، حتمية حدوث تبدُّل كلي في طبيعة الحرب ومفاهيم الدفاع والعقيدة العسكرية. من دون شك سيراجع العالم عقيدته العسكرية بعد قراءة عميقة في نتيجة العدوان على غزة.